يستمر الرئيس التركيّ رجب طيب إردوغان في التصعيد ضدّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتانياهو وحكومته، وسط رفع وتيرته شهراً بعد أشهر من محاولة مسك العصا من المنتصف حين دعا الطرفين في اليوم الأول لعملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها "حماس" ومن ثم الهجوم الإسرائيليّ على غزّة إلى التهدئة وضبط النفس.يستغل الرئيس التركيّ كل فرصة للتأكيد على دعمه "لحماس" وسط مخاوف من أطراف المعارضة من أن يؤدي الدفاع المستميت عن التنظيم المصنّف إرهابياً من قبل الكثير من الدول الغربية والأطلسية الحليفة لأنقرة.دفاع إردوغان عن "حماس" قبل أسبوعين، وخلال كلمة أمام كتلته البرلمانيّة، شبّه الرئيس التركي "حماس" بـ"القوى الوطنية" (قوى مليه) التي مهّدت من خلال قتالها ضد القوّات الغربية لإعلان الجمهورية التركية ونيل الاستقلال بعد عقود من سيطرة الغرب على السلطنة العثمانية وقرارها السياسي والاقتصادي. وكان قد سبق لإردوغان أن شبّه المجموعات المسلّحة التابعة للمعارضة السوريّة والمنضوية تحت جناح المخابرات التركيّة في شمال سوريا "بالقوى الوطنية" أيضاً. وكما في حينه، كذلك بالأمس، أثار تشبيه إردوغان استياء وانتقادات من قبل الجناح العلماني الأتاتوركي في البلاد، نظراً لمكانة القوى الوطنية تاريخياً، وخاصة لدى الفئة الممجدة لمؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك. لكن إردوغان، استمر في الإشادة "بحماس" غير آبه بتلك الانتقادات، وبعد التصريحات المثيرة للجدل التي أطلقها خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع المستشار الألماني، أعاد الكرة خلال المؤتمر المشترك مع رئيس الوزراء اليوناني حين انتفض رافضاً وصف ضيفه لـ"حماس" بالإرهاب. أما المفاجأة الأكبر، فتمثّلت في اتّهامه إسرائيل بالأمس بالسعي إلى التوسّع جغرافياً وصولاً لاحتلال الأناضول، قلب تركيا، مقدّمّاً في الوقت ذاته "حماس" كخط دفاعيّ متقدّم عن تركيا."حماس" في تركياويرى الكاتب التركي الخبير في السياسات الداخلية جاغلار تيكين أنه على عكس المرّات السابقة، فإن "حملة إردوغان الأخيرة (دفاع "حماس" عن تركيا ضد الأطماع الإسرائيلية) تتعلق بالسياسة الداخلية بالمطلق، وتخدم فكرة استضافة الحركة في تركيا". ويشرح تيكين في تصريحات إلى منصّة "المشهد" أنّ "الأصوات المعترضة على استضافة "حماس" في الداخل يتم إسكاتها من خلال إلباس الحركة ثوباً وطنياً تركياً، في محاولة لإقناع الرأي العام التركي بأهمية التمسّك بـ"حماس" ودعمها". من جهتها، تعتقد الصحفيّة التركية براك غونغور، مديرة تحرير الأخبار السياسيّة في موقع "10 Haber" التركي للأنباء أن: كلام إردوغان بأنّ "حماس" تدافع أيضاً عن الأناضول هو بالطبع سياسي. أدلى رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو بتصريح لشبكة "سي إن إن" الدولية مباشرة بعد فوزه في الانتخابات، واصفاً "هجمات حماس" في 7 أكتوبر بالإرهابيّة، ليعكس في الواقع وجهة نظر أولئك الذين صوتوا لصالح حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البلدية الأخيرة، الذين يدعمون فلسطين لكن لديهم تحفّظات كبيرة ضد "حماس". وتقول غونغور في تصريحاتها إلى منصّة "المشهد" إن "إردوغان بتصريحه الأخيرة كرر سياسات الدفاع عن "حماس"، لكنّه أيضاً فتح موضوعاً للنقاش من شأنه أن يؤدي إلى تشكيل نهج مختلف في التوجّه السياسي لأنقرة بناءً على الأهداف المحتملة لإسرائيل".التجارة مع إسرائيل ألحق استمرار التجارة التركية مع إسرائيل ضرراً كبيراً بصورة ومكانة الرئيس إردوغان، وتمثّلت ذروة هذا الضرر في خسارة مرشّحيه في معظم البلديات الكبرى والهامة في البلاد في 31 مارس الماضي، وحلول حزبه – العدالة والتنمية- في المرتبة الثانية خلف المعارضة الأم حزب الشعب الجمهوري، لأول مرة منذ وصول الحزب الإسلامي إلى السلطة قبل أكثر من عقدين. ولاستدراك ما فاته شعبياً واجتماعياً، اتّخذ الرئيس التركي عدداً من الخطوات التصعيدية في المجال التجاري بعد أكثر من مضي 7 أشهر على إطلاق تل أبيب عمليّتها العسكرية في غزّة وتجاوز عدد الضحايا المدنيين فيها عشرات الآلاف، وذلك من خلال تقييد تصدير 54 نوعاً من البضائع التركية إلى الموانئ الإسرائيلية بداية، ومن ثم منع التعامل التجاري مع تل أبيب بشكل مباشر، مع إتاحة المجال أمام الشركات التركية للتصدير إلى إسرائيل من خلال دول وسيطة أو دولة ثالثة، حيث تصدّرت دولاً مثل رومانيا وقبرص والمجر المشهد التجاري بين الخصمين. ويشرح تيكين خلال حديثه عن "الضرر الكبير الذي الحقته التجارة مع إسرائيل يحزب العدالة والتنمية، والصدمة الخطيرة التي أحدثتها داخل الكتلة اليمينية المحافظة في تركيا والمعروفة تقليدياً بكونها الكتلة الانتخابية للرئيس التركي وحزبه، حيث بات الإسلاميون الأتراك يشعرون بالذنب حيال صمت بلادهم لما يحدث في غزة، وبل مواصلة أنقرة لتعاملها مع تل أبيب". ويرفض تيكين وصف إردوغان لـ"حماس" بالقوى الوطنية، متسائلاً "إذا كانت "حماس" فعلاً كذلك، فلماذا واصلت الحكومة التركية تعاملها التجاري مع إسرائيل التي تقاتلها القوى الوطنية؟ هل هذا يعني أن أنقرة كانت تعادي القوى الوطنية آنذاك؟". مضيفاً "وإذا كانت الحركة الفلسطينية شبيهة بالقوى الوطنية وتدافع عن تركيا لماذا لا تقوم أنقرة بمدّها بالسلاح والدعم العسكري واللوجستي اللازم للدفاع عنها ضد الأطماع الإسرائيلية؟". أما غونغور فتبدي تأييدها لأقوال إردوغان حول وجود أطماع إسرائيلية في جغرافيا الأناضول قائلة "أنا أتفق مع هذا الجزء من كلمات الرئيس إردوغان بالأمس، على الرغم من أن ذلك قد يستغرق 50 عاماً أو أكثر. لأن، الشريعة اليهودية عامل محدد وفاعل للسياسة الإسرائيلية وفي الحكومة الحالية تبرز كفاعل واضح ومباشر، لذلك، من الممكن أن ترغب تل أبيب في التوجه إلى أرض الميعاد يوماً ما". وتشرح غينغور "عندما ننظر إلى الحكومة الإسرائيلية، فإننا نعلم جميعاً أنها، على النقيض من فهم الغرب لها باعتبارها دولة "ديمقراطية"، هي دولة تحكمها الشريعة اليهودية، وقد أصبحت هذه الصورة أوضح بعد فوز نتانياهو في الانتخابات الماضية، لأن أنصار مهير كهانا (من أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش)، المحظورة حتى في إسرائيل، تم تعيينهم وزراء في مراكز حساسة". لكن غينغور تبدي رفضها لطريقة تعاطي الإعلام الغربي والتركي مع المسألة الفلسطينية قائلة:"حماس" جماعة "جهادية"، وعندما تطرح قضية الحرب في فلسطين على جدول الأعمال، ترتكب وسائل الإعلام الغربية والتركية خطأ كبيراً، في تجاهل وجود غرفة عمليات في فلسطين. تتصرف الحكومة في تركيا وكأن "حماس" هي الجماعة الوحيدة التي تقاتل ضد إسرائيل، ويرجع ذلك جزئياً إلى التقارب الإيديولوجي بينهما؛ إردوغان يطلق على "حماس" تسمية جماعة المجاهدين، وهذا هو النهج الذي تقبله الفئة المحافظة المؤيّدة له. وأضافت المتحدثة أنّ تلميع صورة وسمعة "حماس"يهدف إلى "تغيير وجهة النظر عن الجماعة بين الأتراك غير المحافظين في الداخل، وفي الوقت نفسه، تقديم الحركة على أنها تحمي المصالح الوطنية التركية على الساحة الدولية"."نفاق" إردوغان مقابل تأييد إردوغان وحكومته لـ"حماس" والمجاهرة بدعمها سياسياً في كل المنابر، فإن المعارضة التركية تبدو أكثر حذراً لناحية مسك العصا من المنتصف، سواء لجهة الحفاظ على علاقاتها مع الدول الغربية المعروفة بدعمها لتل أبيب، أو التقرّب من دوائر الاستثمار والتمويل العالمي والتي لإسرائيل تأثير كبير في قراراتها. تدرك المعارضة، كما الحكومة التركيّة، استحالة الخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية من دون مدّ الصناديق الائتمانية والجهات الاستثمارية العالمية ليدها إلى أنقرة، وهو ما حال دون اتّخاذ خطوات تصعيدية من قبل الحكومة التركية ضد تل أبيب طوال نصف عام من الحرب على غزّة. وتؤكد غينغور أن "تركيا تريد أن تكون دولة فاعلة في خطط ما بعد الحرب في غزّة، وبينما يصرّ الغرب على تولّي فتح لمسؤولية إدارة غزّة، فإن إسرائيل تتحدث عن عملية تحت إشرافها بالكامل، وعندما نتفحص الحركة الدبلوماسية الأخيرة التي شهدتها تركيا، فمن الممكن أن نفهم أنها تعمل كوسيط بين "فتح" و"حماس"، وأنها تريد أن تلعب دوراً حاسماً في غزّة ما بعد الحرب". وتوضح غينغور أن أنقرة، التي لا تستطيع الاتفاق بشأن "حماس" مع أي من حلفائها على الساحة الدولية، تظهر أنها أخذت مكانها كدولة تتصرف بما يتماشى مع مصالحها الوطنية. في المقابل، يرى تيكين أن "المعارضة التركية إذا تحمّلت مسؤولّياتها فلن يكون لتحرّكات إردوغان أيّ معنى سوى إنتاج المزيد من سياسات النفاق؛ إردوغان ينتهج أيضاً سياسة التطبيع والتليين داخل البلاد، وذلك بهدف إضفاء طابع الاستقرار المشجع على جذب الاستثمارات على البلاد". وبرأي تيكين "إردوغان مجبر على الحفاظ على علاقات جيدة مع المعارضة خصوصًا في ظل التوتر السائد في علاقته مع حليفه في ائتلاف السلطة الحركة القومية، لذا فإن المعارضة قادرة على الكشف بسهولة عن بيانات إردوغان الشكلية". ويختم تيكين حديثه بالقول "حزب العدالة والتنمية في وضع صعب فقد أدّى استمرار التجارة إلى غليان خطير في كتلته الانتخابية، بينما سيؤدي انقطاع التجارة إلى تعميق المشكلة الاقتصادية، لذلك فإن التخبّط في السياسات سيستمر".(المشهد)