قبل نحو 3 أشهر كانت تنظر شريحة واسعة من الروس المؤيدين للحرب في أوكرانيا إلى قائد مجموعة فاغنر العسكرية، باعتباره بطلا قوميًا، حيث نجح في تحقيق انتصارات بمعارك عدة طاحنة على خط الجبهة، والتي كان أبرزها معركة باخموت التي استمرت أكثر من 9 أشهر قبل إعلان السيطرة على البلدة في مايو الماضي. لكن عقب تمرّد قصير الأمد ضدّ القيادة العسكرية الروسية في يونيو الماضي، أصبح يفغيني بريغوجين خائنا في نظر بوتين والشريحة الشعبيةذاتها المؤيدة للحرب، ليتوارى بعدها عن الأنظار، وينتقل بصحبة قواته إلى بيلاروسيا وفق صفقة لم يُعلن عن تفاصيلها بعد، قبل أن يظهر مجدّدا هذا الأسبوع في مقطع فيديو قال فيه إنه يقاتل في إفريقيا من أجل جعل روسيا أعظم في جميع القارات. ولم تمرّ سوى 48 ساعة على هذا المقطع الذي أثار مخاوف من توسّع فاغنر في إفريقيا، حتى أعلنت وكالات الأنباء الروسية عن مقتل بريغوجين بشكل غامض، إثر تحطّم طائرة خاصة كانت تقلّ 10 أشخاص وقضى جميع من كانوا بداخلها. جزاء الخيانة وتسارعت ردود الفعل الغربية على ما أُعلن قبل ساعات في موسكو، زاعمة أنّ الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين يقف وراء مقتل قائد المجموعة المسلحة شبه العسكرية، إذ اعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن أنه "قلّما تحصل أمور في روسيا، من دون أن يكون الرئيس فلاديمير بوتين وراءها". وتؤكد المحللة السياسية في مركز "نيو لاينز" للاستراتيجيات والسياسات بواشنطن كارولين روز خلال حديثها مع منصة "المشهد"، أنه على الرغم من أنّ مقتل بريغوجين يمثّل صدمة، إلا أنه لم يكن مفاجئة، نظرا لأنه بات هدفا بعد محاولة التمرد. ويتفق مع هذا، كبير الباحثين في معهد هادسون الأميركي ريتشارد ويتز، الذي قال لمنصة "المشهد": "أعتقد أنّ الحكومة الروسية فعلت ذلك للسيطرة على بعض الأطراف التي قد تتمرد مثل بريغوجين". والرجل الذي كان يُعدّ من الأوليغارشية وهي المجموعة السياسيّة المقرّبة من بوتين، لم يكن على وفاق مع سيّد الكرملين قبل أشهر من التمرد القصير، الذي وصفه الرئيس الروسي في خطاب له بـ"الخيانة الداخلية"، حيث وافق بوتين على وضع الجماعات غير النظاميّة تحت السيطرة المركزية لوزارة الدفاع، وهو الأمر الذي رفضه بريغوجين. وتعتبر المحللة السياسية الأميركية كارولين روز خلال حديثها، أنّ "القتلى الآخرين المشتبه في كونهم قادة في فاغنر، يمثل أيضا ضربة كبيرة للمجموعة، ما يعطّل تأثيرها ونفوذها. ولن تكون هذه آخر عملية اغتيال في المجموعة". ونشرت هيئة النقل الجوي الروسية قبل ساعات، أسماء قتلى الطائرة المحطّمة، إذ أفادت بأنّ الطائرة من طراز "إمبراير-135" وقُتل كل الركّاب ومن ضمنهم بريغوجين ومساعده الأيمن ديمتري أوتكين.تشكيك بمقتل بريغوجينوعلى الرغم من التأكيدات الروسية بشأن مقتل قائدة مجموعة فاغنر، إلا أنّ هناك بعض الشكوك الأوروبية حيال هذه الرواية، عبّر عنها المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران، والذي قال إنّ ثمة "شكوكًا منطقية" حول "ظروف" تحطّم طائرة قائد مجموعة فاغنر.كما حذرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، من "أية تكهنات بعد تحطّم الطائرة"، مشيرة في حديثها لإذاعة ألمانيا إلى أنّ "تحطم الطائرة وقع قبل بضعة ساعات، لذا لا يمكن استخلاص استنتاجات سريعة"، ولكنها أشارت إلى أنّ الحادث يؤكد أنّ "أيّ نظام وأيّ سلطة وأيّ ديكتاتور بُني على أساس العنف، لا يعرف داخليا سوى العنف".وهناك أيضا مراقبون ومحللون ومن بينهم روس، يبدون شكوكًا حول مقتل بريغوجين من الأساس، وفي مقدمتهم المحلل السياسي الروسي تيمور دويدار، والذي يقول لمنصة "المشهد": "حتى اللحظة لا يوجد دليل أو إثبات حول وجود بريغوجين على متن الطائرة. ولا أستطيع أن أؤكد أيّ شيء حول حالته الصحية. ما حدث مريب للغاية". ويضيف: "لا أستطيع الجزم أين بريغوجين وكيف وضعه! يجب أن ننتظر الحقيقة. أنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة، لكن أرجح أنه لم يكن على متن هذه الطائرة".وفي محاولة للحصول على وجهة نظر جديدة من محلل روسي آخر، رفض الدبلوماسي الروسي السابق ألكسندر زاسيبكين التعليق، قائلا: "لا توجد معلومات وأفكار مناسبة حول هذا الأمر. الآن أنا مشغول جدا بأمور أخرى".ووفقا لوكالة أنباء "رويترز"، تشير بيانات تتبّع الرحلات الجوية، إلى أنّ الطائرة الخاصة التي يُعتقد أنها أقلّت مؤسس مجموعة فاغنر أمس الأربعاء، لم تُظهر أيّ إشارة على وجود مشكلة حتى هبوطها الحاد في آخر 30 ثانية من رحلتها. ونقلت الوكالة عن إيان بيتشينيك من موقع "فلايت رادار 24" قوله، إنه عند الساعة 3:19 مساء بتوقيت غرينتش، حدث "هبوط عمودي مفاجئ" للطائرة، وخلال نحو 30 ثانية هبطت الطائرة أكثر من 8 آلاف قدم من مسارها الذي كانت عليه بارتفاع 28 ألف قدم، مضيفا: "أيًا كان ما حدث، فقد حدث سريعا". ما مصير فاغنر؟ومنذ التمرد الفاشل قبل نحو شهرين، يحيط الغموض بمستقبل مجموعة فاغنر العسكرية، غير أنّ مقتل زعيمها قد يعني كتابة الفصل الأخير في قصة المجموعة، التي كُشف عنها رسميا في عام 2014، بحسب ما يرى المحللون الذين تحدثوا مع منصة "المشهد". ويعتقد كبير الباحثين في معهد هادسون ريتشارد ويتز، أنّ استمرار فاغنر مرهون بتعيين الكرملين قائدا جديدا لها، قائلا: "قد تستمر فاغنر إذا عيّن الكرملين شخصًا في المسؤولية. ولكن من المرجح أن يتم دمجها مع وزارة الدفاع النظامية أو مجموعة أخرى". ويتفق مع هذا الرأي المحلل السياسي تيمور دويدار، قائلا: "هناك احتمالان في ما يتعلق بشركة فاغنر المحظورة داخل روسيا طبقا للقانون. إما يتم ضمّهم إلى القوات العسكرية أو الشرطية الروسية العاملة في مواقع النزاع المسلح، أو نقلهم إلى مواقع أخرى في إفريقيا فقط". ويضيف دويدار الذي يشكك في مقتل بريغوجين: "في ما يتعلق بملكيّة الشركة وإدارتها، لا أرى ما يمنع أن تدار من قبل الإدارة الحالية، تحت ربما رعاية مالك جديد، لكن لا يزال هناك غموض حول ذلك أيضا". بدورها، ترى المحللة السياسية في مركز "نيو لاينز" للاستراتيجيات والسياسات كارولين روز، أنّ "الحكومة الروسية تسعى لضمّ هؤلاء المرتزقة في القوات المسلحة الروسية، بهدف منع هذه المجموعات من اتخاذ خطوة تمر مشابهة لفاغنر". وعقب التمرد القصير في يونيو الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسيّة الاستمرار في خططها المعلنة بشأن وضع الجماعات العسكريّة غير النظاميّة تحت السيطرة المركزيّة، إذ أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسيّة الكرملين حينها، أنّ جزءًا من قوات مجموعة فاغنر العسكرة، الذين قرّروا عدم المشاركة في التمرّد المسلّح، سيتمكّنون من توقيع عقودٍ مع وزارة الدفاع.(المشهد)