وسط معركة قضائية وادعاء النائب العام اللبناني على المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، تحدثت تقارير محلية وأميركية عن دور لواشنطن في إعطاء الضوء الأخضر للقاضي غسان عويدات الذي أطلق سراح الموقوفين كافة في التفجير الذي أسفر عن مقتل 218 شخصا وإصابة أكثر من 6000 وإلحاق أضرار بأجزاء كبيرة من العاصمة اللبنانية في أغسطس 2020.ومن بين المفرج عنهم مواطن أميركي أدى "اعتقاله من دون محاكمة إلى تهديد المسؤولين الأميركيين بفرض عقوبات على النظام اللبناني، ما سمح له بمغادرة لبنان على الفور متجاوزا حظر السفر"، بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست".المتهم زياد عوف واعتبرت السلطات الأميركية أن المسؤول السابق في المرفأ زياد عوف "محتجزا بشكل غير قانوني"من دون محاكمة لمدة عامين و6 أشهر تقريبا، على حد قول نزار زكا، رئيس منظمة مساعدة الرهائن العالمية ومقرها الولايات المتحدة. وبرّر زكا ما حصل بأنه "حتى لو تم توجيه الاتهام إلى عوف، فسيتم الإفراج عنه لأن فترة احتجازه تصل إلى أقصى عقوبة في لبنان لتهمة الإهمال التي واجهها". في المقابل، ترفض الخبيرة في شؤون المحكمة الجنائية الدولية المحامية ديالا شحادة، في تصريحات لمنصة "المشهد"، أن تكون العقوبة المتوقعة للموقوف اللبناني الأميركي أقل من عامين و6 أشهر، قائلة: "لا يمكن توقع العقوبة واتخاذ مواقف على أساسها، ولم يصدر قرارا اتهاميا من قبل المحقق العدلي". وأوضحت أنه "في نهاية التحقيقات التي يجريها المحقق العدلي، يصدر لائحة اتهامية تتضمن أسماء المشتبه بهم والتهم الموجهة إليهم"، مشيرة إلى أن "ادعاء النيابة العامة على عوف بالإهمال الوظيفي لا يعني بالضرورة بأنه سيحاكم على هذه التهمة التي قد لا يتبناها قاضي التحقيق". واستطرادا، تمسكت شحادة بأن "الإهمال الوظيفي عندما يحمل نتائج محتملة تتمثل بالوفاة، يعتبر جريمة قتل مع قصد احتمالي، وبالتالي جناية تصل عقوبتها إلى أكثر من 10 سنوات". وبالفعل، تنص المادة 189 من قانون العقوبات اللبناني على أنه "تُعدّ الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة". وشددت شحادة على أن اجتهاد محاكم التمييز الجزائية أقرّ بضرورة "اعتبار عنصر القصد متوفرا في جرائم القتل متى توقع الفاعل احتمال حصول نتيجة فعله من دون أن يكون ساعيا إلى تحقيقها فأقدم على الفعل قابلا بالمخاطرة". وأوضحت أن "المتهمين بالإهمال قد يتم اتهامهم كذلك بالقتل القصدي الاحتمالي، وبالتالي تكون فترة احتجاز عوف أقل بكثير من الحد الأقصى للعقوبة". واعتقل عوف بعد 3 أيام من انفجار مئات الأطنان من نترات الأمونيوم شديدة الاشتعال في المرفأ. ووفقا للوثائق التي نشرتها وكالة "أسوشيتد برس"، كان عوف يعمل في الميناء لأكثر من 22 عاما لكن في يناير 2020 تم تعيينه مؤقتا كمسؤول عن إدارة السلامة والأمن في الميناء بعد تقاعد الشخص المسؤول. وتظهر الوثائق أنه في 28 مايو 2020، استجوب عناصر من جهاز مخابرات أمن الدولة اللبناني عوف عن نترات الأمونيوم المخزنة في المرفأ وقال لهم إنه "لا يعلم بوجود مثل هذه المواد"، وهو الأمر الذي لا يغيّر مسار التحقيقات المفروضة قانونا بحسب شحادة. "الضوء الأخضر" وعن الضوء الأخضر الأميركي، قال زكا للصحيفة إن "المسؤولين الأميركيين هددوا لبنان بالعقوبات إذا لم يتم الإفراج عن عوف"، مشيرا إلى أن "قسما من قانون روبرت ليفينسون لاستعادة الرهائن ومساءلة الرهائن يسمح للرئيس الأميركي يفرض عقوبات، بما في ذلك إلغاء التأشيرات، على الأشخاص الذين يُعتقد أنهم متورطون في الاحتجاز غير المشروع للأميركيين". وبعد وقت قصير من إطلاق سراح عوف، نُقل لفترة وجيزة إلى شقته في بيروت لأخذ بعض أغراضه قبل أن يرافقه مسؤولو السفارة الأميركية إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت حيث استقل طائرة نقلته إلى خارج البلاد، بحسب زكا الذي كان على اتصال بالعائلة. لكن متحدث باسم السفارة الأميركية رفض التعليق على التقارير الصحفية. بينما تشدد شحادة على أن "التقارير الصحفية في حال ثبوتها تشكل جُرما يعاقب عليه القانون، إذ لا يحق لأي دولة التدخل في القضاء المحلي بهذا الشكل". وتابعت: "من حق كل سفارة أن تتابع شؤون مواطنيها الموقفين في دولة أخرى، لكن لا يحق لها الضغط لأن نصوص قانون العقوبات تعاقب كل من يتدخل في التحقيقات لإقناع قاض بإجراء أو امتناع القيام بأمر ما". وحاولت منصة "المشهد" التواصل مع زكا للرد على شحادة، إلا أنه تعذر ذلك. واستأنف بيطار، الإثنين، التحقيق بناء على تفسيره القانوني، بعد توقف دام 13 شهرا بسبب الطعون القانونية التي أثارها سياسيون متهمون في التحقيق، كما اتهم أكثر من 10 من كبار المسؤولين السياسيين والقضائيين والأمنيين، بمن فيهم عويدات.وأدت التطورات الأخيرة إلى مواجهة بين القاضيين، اللذين يدعي كل منهما أن الآخر يخالف القانون، مما يشل القضاء في البلاد، حيث تستمر مؤسساتها التي تعاني من ضائقة مالية في الاضمحلال. وفي هذا السياق، تعتبر شحادة أنه "لا يوجد أي نص محلي أو دولي يسمح للقاضي عويدات إصدار قرارات في ملف لا ينظر فيه"، مشددة على أن "كامل الصلاحيات في هذا الملف بيد القاضي بيطار لا غيره". وأعربت المحامية عن أسفها من عرقلة التحقيقات بهذا الشكل، مشيرة إلى أن هناك "من لا يريد إظهار الحقيقة في هذا الملف، لاسيما أن تجريد البيطار من صلاحيته يعني عدم إمكانية استمراره في التحقيق".وكان من المقرر أن يجتمع مجلس القضاء الأعلى، أعلى هيئة قضائية في لبنان، بعد ظهر الخميس لبحث آخر تطورات التحقيق. ويخشى مناصرو بيطار، ومن بينهم العديد من عائلات ضحايا الانفجار، أن يصدر المجلس قرارا بإبعاد القاضي المنشق عن التحقيق، لكن الجلسة أُلغيت لعدم اكتمال النصاب القانوني بسبب تظاهرات شعبية أعاقت وصول المعنيين.وتواجد عويدات في المبنى لكنه فشل في الانضمام إلى المجلس وبقي في مكتبه تحت حراسة قوات الأمن التي رافقته فيما بعد.ومن بين الأشخاص الـ 8 الذين ادعى عليهم إلى جانب القضاة، المدير العام للأمن العام عباس ابراهيم الذي تربطه علاقة جيدة بالقوى السياسية خصوصا "حزب الله"، ومدير جهاز أمن الدولة طوني صليبا المقرب من الرئيس السابق ميشال عون. (المشهد)