حولت الحرب الإسرائيلية واقع الطفولة في غزة إلى رعب لا يحتمل، بفعل أصوات القصف والغارات التي لا تتوقف، وانتهكت حقوقهم في التعليم واللعب، وحرمتهم من المسكن والمأكل، تأذوا كثيراً مع تمزق الأسر، ومشاهد إزهاق الأرواح، وباتوا يواجهون مصيراً كارثياً، ويتحملون وطأة الحرب وتبعاتها لليوم الـ127، ويعيشون واقعاً لا يمكن أن يكون واقع من هم في جيلهم.يشكل الأطفال 47% من مجمل أهالي غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، ومما لا شك فيه أنهم لا يزالون أكبر ضحايا الحرب، فمنهم من قتل، ومنهم من دفن تحت الركام، ومنهم من تيتم ونزح، ومنهم من بترت أطرافه، ويقبعون اليوم تحت القصف الإسرائيلي بلا أمن ولا أمان، في هذا التقرير من منصة "المشهد"، نرصد جزءاً يسيراً من الواقع الأليم الذي يعايشه أطفال غزة وعائلاتهم، بفعل استمرار الحرب على غزة. حرمان أطفال غزة من اللقاحات في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ظهرت بوادر خطر حقيقي يتربص بحياة آلاف الأطفال الغزيين، بعدما راحت الأمراض تفتك بهم، وسط ظروف صحية وبيئية بالغة السوء وآخذة بالتفاقم. فغابت اللقاحات التي يجب توفرها لتطعيم الأطفال، في مواعيد دورية محددة، حيث بدأت تظهر عليهم مضاعفات صحية وعدوى، كحال الطفلة نادين وهدان البالغة من العمر عامين، تصف والدتها لمنصة "المشهد" ما حلّ بها من جراء عدم تلقيها اللقاح "كانت تركض وتلعب مع بقية الأطفال، وبعدها سقطت على الأرض وفقدت توازنها، ولم تتمكن من الوقوف ثانية، والآن أصبحت نادين هزيلة ولم تتمكن من السير بشكل طبيعي"، مؤكدة بأن السبب يعود في عدم تلقي نادين للقاح شلل الأطفال منذ بداية الحرب. ويوضح الطبيب محمد طباشة، رئيس قسم الأطفال في مجمع الشفاء الطبي لمنصة "المشهد" أن:نفاد لقاحات الأطفال بالكامل سيتسبب بكارثة صحية على الأطفال وانتشار الأمراض، خصوصا بين النازحين في مراكز الإيواء المكتظة، التي باتت بيئة لانتشار الأوبئة والأمراض المعدية، وسوء التغذية وقلة مياه الشرب والنظافة الشخصية.هناك كارثة حقيقية تهدّد حياة الأطفال، إذ نفدت اللقاحات الأساسية للأطفال، مثل السل، وشلل الأطفال، والحصبة، والكزاز، ولا يستطيع أحد الحصول عليها من الخارج، هذا وضع عصيب لا يمكن وصفه بالكلمات.وناشدت وزارة الصحة في قطاع غزة، خلال الأيام الأخيرة، الجهات الدولية ضرورة العمل على توفير اللقاحات والتطعيمات اللازمة للأطفال، والأدوية، محذرة من خطر حقيقي يعصف بحياتهم. وتشكو رانيا البيطار لمنصة "المشهد"، حالة 3 من أطفالها الذين يعانون أمراضا معدية، "بدأوا بالتقيؤ وظهرت بقع جلدية في اللسان وباقي الجسم، أخبرني الأطباء أنها قد تهدد حياتهم، على غرار الكثير من الأطفال بفعل نقص المطاعيم اللازمة، وأيضاً الجوع ونقص المناعة".أطفال غزة يخسرون أطرافهم يفقد أكثر من 10 أطفال في المتوسط إحدى ساقيهم أو كلتيهما يوميا، منذ نشوب الحرب على غزة، في حين تجرى العديد من عمليات البتر والتدخلات الجراحية من دون تخدير، وفقا لمعطيات كشفتها منظمة إنقاذ الطفولة. فالشلل الذي أطاح بالمنظومة الصحية في غزة من جراء الحرب، تسبب بنقص الأطباء والممرضين والإمدادات الطبية، كالمضادات الحيوية والتخدير، بينما خرجت معظم مستفيات غزة عن العمل، مع اشتداد القصف الإسرائيلي الذي فتك بالمنشآت والأطقم الطبية وطواقم الإسعاف. وبهذا الصدد، أشار مدير مستشفى ناصر د. ناهض أبو طعيمة لمنصة "المشهد" "بفعل النقص الكبير في الإمكانات الطبية المتاحة، وأمام العدد الجسيم من الجرحى خصوصا الأطفال، بات الأطباء في معظة الأحيان لا يجدون أمامهم خياراً إلا البتر لتجنب المضاعفات، خياران أحلاهما مر، وهو المفاضلة بين إنقاذ حياة المصاب، أو إنقاذ الطرف المصاب". في قسم الأطفال بمستشفى خان يونس جنوبي غزة، تمزقت الساق اليمنى تقريباً لسليمان البالغ من العمر 14 عاماً، حين تعرض منزله في جباليا بغزة لانفجار إسرائيلي، وقد يضطر الأطباء إلى بتر ساقه اليسرى المدعومة بقضيب معدني ثقيل و4 براغ مثبتة في العظم، وفقاً لحديث والدته لمنصة "المشهد".وقال من سريره بالمستشفى "أنا بحاجة لتركب طرف اصطناعي، أريد معالجة رجلي قبل ما يبتروا الثانية، أنا موجوع وحزين على فقد رجلي، حياتي صارت عذاب وألم، ونفسيتي تحطمت".بدورها، أكدت منظمة اليونيسيف، أن أكثر من ألف طفل أجريت لهم جراحات بتر الساق، وخضع بعضهم لأكثر من جراحة، أو لبتر كلتا الساقين، في حرب تقول السلطات الصحية إن نحو ربع الإصابات فيها طالت أطفال غزة. وتحذر د. سماح جبر، استشارية الطب النفسي ومديرة خدمات الصحة النفسية بوزارة الصحة الفلسطينية عبر منصة "المشهد" من مغبة بتر الأطراف للأطفال.تقول جبر: "يواجه أطفال غزة مبتوري الأطراف تحديات جمة، أبرزها حاجتهم إلى رعاية دقيقة بعد العمليات الجراحية، لكن النظام الصحي منهار وغير مؤهل لتوفير العلاج والمتابعة التي يحتاجونها، لإنقاذ عظامهم التي بترت أجزاء منها وما زالت في طور النمو".وختمت جبر حديثها بالقول "الأطفال سيتعرضون لصدمات نفسية بفعل الحرب وتبعاتها وأحداثها القاسية، فهم في مرحلة النمو الجسدي والمعرفي والانفعالي، ومن يتعرض منهم لبتر أطراف سيعاني معاناة مضاعفة، فالبتر مشكلة جسيمة ودائمة، يصعب أن يتعايش معها طوال حياته".(المشهد )