تزايدت مؤخرا الهجمات التي تشنها "هيئة تحرير الشام" والعناصر الموالية لها ضد الجيش السوري، وارتفعت حدة وتيرتها خلال الأيام الأخيرة، الأمر الذي يثير التساؤل عن أسباب عودة نشاط التنظيم في هذا التوقيت.وفي جديد المشهد، قامت العناصر المسلحة التابعة لتنظيم "التوحيد الإسلامي" بشن غارات على مواقع عدة تابعة للحكومة السورية، الأربعاء، في تصعيد لهجمات الكر والفر هذا العام على آخر معقل تسيطر عليه المعارضة شمال غربي سوريا، بحسب ما أكدت مصادر من المعارضة ومسؤولون في الحكومة السورية. ومن جهتها قالت "هيئة تحرير الشام" إنها "كثفت الغارات والهجمات الانتحارية في الأشهر الثلاثة الماضية على مواقع للجيش السوري والجيش الروسي على طول الجبهات شمال غربي سوريا".ويجد الأستاذ المساعد في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي في روسيا الدكتور عمرو الديب، أن النقطة المهمة التي يحاول زعماء الفصائل المسلحة عملها اليوم، تعطيل الاتفاق التركي – السوري – الروسي بالشكل العام، مشيرا إلى أن "أولى خطوات نجاح الاتفاق تتعلق بفتح طريق (M4) الدولي الذي يربط اللاذقية بحلب مرورا بمعقل الفصائل الإرهابية في إدلب".الطريق السريع M4 يمتد من أقصى الشمال الشرقي في سوريا على الحدود العراقية إلى أن يصل حلب.يمر بحدود القامشلي في الشمال السوري ثم بلدة تل تمر، وعين عيسى، ومدينة منبج، والباب. يستكمل مسيرته من بلدة سراقب باتجاه الغرب إلى أن يصل إلى مدينة اللاذقية. عند مدينة سراقب في منطقة إدلب يتقاطع طريق M4 في جهة الجنوب مع الطريق الدولي M5 باتجاه حماة وحمص ومن ثم العاصمة دمشق ويتابع إلى لبنان والأردن. أهميته في بعده الحيوي الذي يربط المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية لسوريا ببقية المناطق الغربية والغربية الجنوبية. يعد حلقة وصل استراتيجية بين أهم المناطق في سوريا. أهمية السيطرة العسكرية على هذا الطريق تكمن في التحكم بمفاتيح التحركات العسكرية ونقاط الدعم والإمداد العسكري. خط الإمداد الرئيسي خاصة فيما يتعلق بمنطقة شرق الفرات التي تعتبر الخزان الغذائي والاقتصادي لسوريا حيث النفط، الحبوب، القطن، والمياه.التقارب السوري التركي بعد قطيعة دامت 11 عاما، بدأت مؤشرات تقارب سوري تركي بالظهور على هامش قمّة إقليمية في العام 2021، عندما أجرى وزيرا خارجية البلدين محادثة مقتضبة غير رسمية. وفي 11 أغسطس، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن لقاء جمعه مع نظيره السوري فيصل المقداد. بالتزامن مع ذلك صرح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في ديسمبر، أنّ احتمال لقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد "ممكن"، مشيرا إلى إمكانية حصول اللقاء بعد اجتماعات على مستوى وزيري الدفاع والخارجية، والذي تم بالفعل على مستوى الدفاع في موسكو بين الوزيرين التركي والسوري. ومع بروز الحديث عن تقارب سوري تركي محتمل صعّد الجولاني حدة خطابه معلنا معارضته لهذا التقارب، عبر تصريحات تارة ومن خلال هجمات عسكرية ضد الجيش السوري في أرياف إدلب وحلب واللاذقية وحماه تارة أخرى، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من عناصر وضباط الجيش السوري. وفي هذا الإطار يؤكد الدكتور الديب في حديث لمنصة "المشهد" أن هذا التقارب دفع زعيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) أبو محمد الجولاني ليغرد على تويتر انطلاقا من شعوره بأنه يمكن أن يحدث فرقا. وعن دوافع الجولاني يشرح الديب: هيئة تحرير الشام تسيطر عمليا على عفرين (ذات الغالبية الكردية) وما زالت المدينة تعج بهم. خطوات هذا التقارب تعني إخراج قواته من المدينة. آلية التقارب المستجد والشرط الرئيسي لها هو إخراج الفصائل الإرهابية من الأراضي السورية. إمكانية محاولة تصفية المعترضين منهم. ويوضح الأستاذ المساعد في معهد العلاقات الدولية في موسكو أن "الجماعات الإرهابية على يقين من نضوج مرحلة التفاهمات بين الدول المذكورة واقتراب موعد إنهاء هذا الوجود". وكان أكد الجولاني في ظهورين إعلاميين، موقف الهيئة الرافض لأي تقارب، معتبرا ذلك "انحرافا خطيرا يمس أهداف الثورة السورية"، وشدد على مواصلة العمل "حتى الوصول إلى دمشق وإسقاط النظام". وكان الخطاب الأول للجولاني عالي النبرة تجاه تركيا والتغيير في سياستها، لكن في خطابه اللاحق خفف من حدة نبرته قائلا إن "تركيا لم تصل بعد إلى مرحلة المصالحة مع النظام السوري، وبأنها تخوض مسارا سياسيا يتوافق مع مصالحها"، داعيا إلى "عدم الخلاف والعداوة معها". حدود التصعيد المعطيات السابقة جميعها تشير إلى أن تخوف المعارضة بشكل عام وهيئة تحرير الشام بشكل خاص هي التي دفعتها إلى التصعيد العسكري، في سعي منها للحفاظ على مكان لها ضمن التفاهمات السياسية الجديدة، وضمن محاولات تجريها لاستقطاب الفصائل التي ترفض التوجه التركي الجديد. وعليه نفذت هيئة تحرير الشام هجماتها ضد مواقع الجيش السوري على 13 محورا، وهو ما لم يخفيه الجولاني وأوضحه في تصريحاته حينما قال " أعددنا العدة وهيأنا أنفسنا لأيام عظيمة قادمة"، مضيفا " ندعو كل مخلص أن يبذل الجهد ويسعى بصدق ويضع يده بأيدينا ويصطف إلى جانبنا في مواجهة هذه التحديات ومواصلة العهد حتى إسقاط النظام المجرم". ويشير الدكتور أديب في حديثه مع "المشهد" أن المعلومات تؤكد أن هذه التصعيدات ستلقى رد فعل عنيف، لأن "الدول الثلاث تمتلك الأرض والسماء"، مرجحا أن تدخل القوات التركية من الغرب، ويقابلهم من الشمال الجيش السوري، ومن السماء يعمل الطيران الروسي عمله المتعارف عليه. وأمام السيناريو السابق لن تقف الهيئة مكتوفة الأيدي وستحاول الحفاظ على وجودها على كافة الأصعدة وبجميع السبل، ويحذر أديب عبر منصة "المشهد" من أن "الفصائل الإرهابية قد تتخذ من المدنيين درعا للمقاومة"، مشيرا إلى ضرورة العمل للحيلولة دون الوصول إلى هذه النقطة، والذي يمكن أن يتم من خلال وعود أنقرة لقيادات الفصائل في إمكانية حجز دور مستقبلي لهم في تنفيذ مخرجات التقارب، ويضيف أن "هذه قد نقطة خلافية جديدة تعطل الاتفاق مؤقتا، من الجانب السوري على الأقل". (المشهد)