كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ذات يوم، قطبا من أقطاب العقارات في أميركا، وفي بداية ولايته الجديدة أظهرت تصريحاته الأخيرة محاولة لتسليط الضوء على ذلك، بدءا من كندا إلى غرينلاند وصولا إلى بنما وانتهاء بقطاع غزة.وبحسب تقارير أميركية، فإن ترامب يوجّه أنظاره حاليا نحو غزة باعتبارها الاستحواذ العظيم التالي للولايات المتحدة. وليل الثلاثاء، قال ترامب إن الشريط الصغير من الأرض بمنطقة حرب في الشرق الأوسط سيكون "ريفييرا" محتملة، وهو أمر يستحق "ملكية طويلة الأجل" لأميركا. وأذهلت تصريحات الرئيس الأميركي، التي ركزت على خطته "لتملّك" غزة، الجمهوريين أنفسهم في الكونغرس. وعلى منصة "إكس"، قال السناتور الجمهوري راند بول في منشور يوم الأربعاء: "اعتقدت أننا صوتنا لصالح أميركا أولا.. ليس لدينا أي شأن بالتفكير في احتلال جزء آخر لإراقة دماء جنودنا". ولكن على الرغم من أن إعلان يوم الثلاثاء قد يكون متناقضا، إلا أنه لم يكن مفاجئا بالضرورة بالنظر إلى سيرة ترامب. وأشارت تقارير غربية إلى أن ترامب بلغ سن الرشد كمطور عقاري، حيث تملّك فندق "الكومودور" في مانهاتن وأعاد تشكيله إلى فندق أكثر أناقة من سلسلة "غراند حياة". مقترح غير واقعي ويبدو أن ترامب لا يزال يهتم بالقيمة الدولارية المتأصلة في الأرض، سواء كانت قطعة أرض أم دولة. وقال الرئيس السابق لفندق وكازينو ترامب بلازا في أتلانتيك سيتي، جاك أودونيل "إنه (الرئيس الأميركي ) رجل عقاري.. لذا، في أي وقت يوجد فيه [عقار على الواجهة البحرية] سيقول إن هذا مكان رائع للتطوير". وبينما حدد ترامب خطته "لامتلاك" غزة وتهجير سكانها الفلسطينيين وإعادة تطوير القطاع ليصبح "ريفييرا الشرق الأوسط"، قال إنه درس القضية "عن كثب على مدى أشهر عدة.. ومن كل زاوية". وتعتبر فكرة ترامب لإعادة تشكيل غزة على صورة التطوير العقاري في أميركا ليست غريبة تماما في التاريخ الطويل والمضطرب للتدخل الأميركي في الشرق الأوسط وسط أحلام واشنطن بتحويل المنطقة. "ما يقترحه ترامب ليس واقعيا"، قال آرون ديفيد ميلر، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ، الذي أمضى ما يقرب من 3 عقود في الإدارات الجمهورية والديمقراطية في محاولة للتفاوض على السلام في المنطقة.إسقاط التجارة على السياسة قال الخبير الأمني والإستراتيجي الدكتور عمر الرداد إن تصريحات ترامب حول شراء غزة وتملّكها ونشر الجيش الأميركي فيها ومن ثم نفي ذلك وإنشاء المشاريع الاستثمارية فيها لتكون "ريفييرا الشرق الأوسط"، كل ذلك يطرح مبادئ الرئيس الأميركي ومفاهيمه. وأكد الرداد في تصريحات لمنصة "المشهد" أنه من الواضح أن ترامب لا يفهم غزة انطلاقا من كونها قضية سكان وأرض وشعب على أرضه. ولفت إلى أن حديث ترامب يأتي وفق مبدأ الصفقات التجارية والصفقات الكبرى، فإن مفاهيمها وأدواتها وتقنياتها وآلياتها يُسقطها على السياسة، وهذا الفرق بينه وبين الرؤساء الأميركيين السابقين. وأضاف "ترامب يُفعّل هذا المبدأ أو يسحبه على القضايا أي الصفقات التي تُعقد بين الأطراف. وهذا ما جعله يُطلق مثل هذه التصريحات". وأوضح الرداد أن ذلك دفع المحللين للتساؤل فيما إذا كان الرئيس الأميركي هو مطور عقاري أم سياسي و"هل يمارس السمسرة بعمليات إنجاز الصفقات؟". وأشار إلى أن مبعوث ترامب للشرق الأوسط والذي يبحث حاليا المفاوضات بين إسرائيل و"حماس" في الدوحة، ستيف ويتكوف، هو بالأصل مطوّر عقاري.وعن حديثه حول شراء غزة، أكد الرداد أن ترامب يقوم بطرح التصورات لا لأن هناك بائعا ومشتريا، بل لأنه حتى بعملية إعادة الإعمار يؤكد عندما طرح فكرة التهجير، قال إن من يتحمل كلف الإعمار التي تحتاج لمبالغ طائلة هي دول الشرق الأوسط. وأوضح أن ترامب يتحدث وفق المفهوم التجاري الذي يكشف عنه بعيدا عن السياسة، وبالتالي فإن طروحات الرئيس الأميركي هي بالخلاصة طروحات المفاوض الماهر في صفقة ما. وقال الرداد "ترامب يطرح أعلى ما لديه ليحصل على ما يريد. عمليا لا أعتقد أن التهجير وارد ولا أن البيع والشراء أيضا وارد بهذه الصفقة".وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الفلسطينيين لن يحظوا بحق العودة إلى غزة بموجب خطته للسيطرة على القطاع، وذلك في مقتطفات من مقابلة أجريت معه ونُشرت الاثنين. وقال ترامب لشبكة "فوكس نيوز" لدى سؤاله عما إذا كان سيحق للفلسطينيين العودة "كلا، لن يعودوا إذ سيحصلون على مساكن أفضل بكثير". وأضاف "بعبارة أخرى، أتحدث عن بناء مكان دائم لهم"، مشيرا إلى أن العيش في القطاع لن يكون ممكنا قبل سنوات. كشف ترامب عن خطة غزة الصادمة للمرة الأولى في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ما أثار غضب الفلسطينيين. وشدد الرئيس الأميركي على وجوب نقل الفلسطينيين من قطاع غزة الذي دمرته الحرب بين إسرائيل و"حماس"، داعيا مصر والأردن إلى استقبالهم."رجل الأعمال والمبتزّ" وأكد الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبوزيد، أن طروحات ترامب تشير إلى أن "عقلية رجل الأعمال التقت بعقلية المبتزّ نتانياهو". وفي حديثه لمنصة "المشهد"، قال أبوزيد "نلمس بأن أغلب القرارات التي يتخذها ترامب تحمل نكهة الصفقة والمقايضة ضمن حسابات الربح والخسارة وليس وفق مسار دبلوماسي أو مناورات سياسية". وأضاف أن ترامب أصدر خلال أسبوعين من ولايته، 41 أمرا تنفيذيا، في حين أنه أصدر أثناء ولايته الرئاسية الأولى 220 أمرا تنفيذيا، في حين أصدر الرئيس السابق جو بايدن 122 أمرا تنفيذيا طيلة مدة رئاسته. وقال أبو زيد إن ذلك يشير إلى أن ترامب "يعتمد على الإغراق الإعلامي بقراراته في محاولة لاستجلاب عروض من الأطراف التي يتعارض معها وهو نظام تعامل تجاري أكثر مما هو نظام سياسي يرتكز على المصلحة والمصلحة المتبادلة". وأكد أن حديث ترامب حول التهجير وإعادة إعمار غزة خضع لمقايضات واستثمار مالي أكثر مما هو استثمار سياسي أو طروحات دبلوماسي تضمن المصالح المشتركة بين الجانب الأميركي وحلفائه في المنطقة. وعن نية ترامب الاستثمار في غزة، فإن ذلك يشير وفق أبو زيد إلى أنه طرح مالي أكثر مما هو سياسي. وقال "يبدو أن المقايضة التي قد ترضي الرئيس الأميركي هي مقايضة مالية أيضا. على سبيل المثال أن يتم تمويل عربي لشركات أميركية لإعادة بناء غزة".(المشهد)