التهجير.. ما تزال هذه الكلمة تفرض نفسها وبقوة على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي بلغ ذروته خلال الشهور الماضية، في أعقاب حرب وصفت بالأكثر دموية بين الفصائل الفلسطينية المختلفة وفي مقدمتها حركة "حماس"، وبين الجيش الإسرائيلي الذي أكلت آلته العسكرية الأخضر واليابس داخل قطاع غزة الذي لم يعد صالحاً للحياة بعد تدمير أكثر من 65% من بناياته السكنية حسب تقارير دولية.الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعاد قضية التهجير للواجهة مرة أخرى، بعد أن كان النقاش قد أغلق بشأنها ولو قليلاً خلال الآونة الأخيرة، خصوصا بعد إصرار مصر على الرفض التام لأي مخططات تشجع على نزوح الفلسطينيين خارج ديارهم نحو أراضيها، لكن ترامب أراد فتح تلك القضية مجدداً وطالب مصر والأردن باستقبال المزيد من الفلسطينيين، بحجة أن القطاع مدمر بشكل تام وفي حالة فوضى عارمة حسبما جاء على لسانه أثناء حديثه للصحفيين.رد مصري حاسممطلب ترامب بتهجير الغزيين إلى مصر لم يمر مرور الكرام على الداخل المصري الذي انتفض عن بكرة أبيه، وراحت أوساطه المختلفة خصوصا البرلمانية والحزبية منه تتسابق فيما بينها لإعلان رفضها القاطع لهذا المطلب.لم يقف الأمر عند هذا الحد بل سارعت الخارجية المصرية في إصدار بيان رسمي أكدت فيه رفضها المساس بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواء كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل.ومع بداية الحرب الإسرائيلية داخل قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، طالب عدد من المسؤولين الإسرائيليين نقل الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكد في أكثر من مناسبة رفض بلاده القاطع تهجير الفلسطينيين أو نزوحهم قسريا أو من خلال خلق الظروف التي تجعل الحياة في قطاع غزة مستحيلة بهدف إخلاء أرض فلسطين من شعبها. وفي هذا الصدد أكد عضو مجلس النواب المصري عن محافظة شمال سيناء رحمي بكير، في حديثه لـ"المشهد"، أن موقف بلاده ثابت تجاه قضية التهجير ولن يتغير قيد أنملة، ويتمثل في الرفض التام لهذه القضية فعلا وقولا لأنه يمس السيادة الوطنية.وقال إن مصر لن تقبل بأن يذكرها التاريخ بأنها شاركت في تصفية القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن هناك إجماعا داخل البرلمان سواء بين الأغلبية أو الأقلية أو حتى المعارضة حول هذا الرفض، وهو ما يؤكد على وحدة الصف الوطني في الوقوف خلف القيادة السياسية في هذا التوقيت، الذي يمثل نقطة فارقة في الحفاظ على الأمن القومي المصري.سيناء لن تكون أرضاً بديلةوأشار بكير إلى أن مصر لم ولن تكون طرفاً في أي مخططات أو مؤامرات تحاك لتصفية القضية الفلسطينية وتفريغها من مضمونها، وأن سيناء ليست أرضاً بديلة للفلسطينيين ولن يتم التفريط في شبر واحد من تلك الأرض التي ارتوت بدماء المصريين في حربي 67 و73، لافتاً أن مصر لن تقبل بحل القضية الفلسطينية على سيادة دولة أخرى، ولن تكون سيناء مخيمات بديلة للدولة الفلسطينية. وحذر البرلماني المصري من أنه في حال تهجير الغزيين إلى سيناء سينتقل الصراع بالتبعية إلى الأراضي السيناوية وهذا لن تقبله مصر مطلقاً.ولم يقتصر رفض أعضاء البرلمان المصري لخطة ترامب للتهجير تحت قبة البرلمان فحسب، بل طالب عضو مجلس النواب المصري عاطف مغاوري بضرورة التواصل الفعال مع مختلف برلمانات دول العالم لمخاطبتهم بموقف مصر الرافض للتهجير القسري للفلسطينيين خارج وطنهم، سواء إلى الأراضي المصرية أو الأراضي الأردنية، والتأكيد على أن الحل الوحيد لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.ووصف مغاوري دعوة ترامب بتوطين الفلسطينيين في مصر بالعبث، وأن ما دعا إليه ترامب يمثل إسقاط للقانون الدولي والشرعية الدولية، حيث إن التهجير يمثل جريمة في القانون الدولي وتخالف اتفاقية جنيف والتي تحظر في مادتها 49 بشكل قاطع النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة، كما يصنف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في مادته 8، التهجير القسري كجريمة حرب تستوجب المحاكمة.تهديد لأمن المنطقةولم تمر سوى سويعات قليلة على تصريحات ترامب المطالبة بقبول مصر توطين الفلسطينيين على أراضيها، حتى خرجت الأحزاب السياسية المصرية بإعلان استهجانها لتلك الدعوة. وفي هذا الإطار يشير رئيس حزب الجيل ناجي الشهابي، في تصريحات خاصة لـ"لمشهد" أن مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب يساهم بشكل مباشر في تأجيج التوترات داخل المنطقة الحبلى أساساً بالكثير من النزاعات والصراعات. ووصف هذا المقترح بالمقامرة التي تهدد مستقبل أمن واستقرار الإقليم، مؤكداً في الوقت نفسه أن قضية تهجير الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية غير قابلة للتفاوض أو حتى للنقاش بالنسبة للمسؤولين المصريين.وطالب الشهابي بضرورة وجود تعاون مصري أردني قوي وفاعل تدعمه الأطراف العربية وكذا الدولية في هذا التوقيت للتصدي لمثل هذه المخططات، التي ترغب في ضياع الحقوق الفلسطينية المشروعة، وتسهم في خلق مزيد من الفوضى داخل المنطقة، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة لا ترغب في البحث عن حلول جادة تؤدي إلى إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن هدفها واضح وهو إرضاء الجانب الإسرائيلي فقط.وبدوره يرى رئيس حزب الشعب الديمقراطي خالد فؤاد، أن مقترح ترامب يمثل تحدياً كبيراً ومعقداً للدولة المصرية، خصوصا وأن بلاده سبق وأعلنت رفضها لقضية التهجير مراراً وتكراراً، مشيراً إلى أن بلاده مقبلة على مرحلة صعبة مع إدارة البيت الأبيض في هذا الشأن، خصوصا وأن هذه الإدارة تحاول التفرد بصنع القرارات ورسم مستقبل المنطقة بشكل أحادي. لكنه أشار في ذات الوقت أن الموقف الموحد لكافة أطياف وفئات المجتمع المصري الرافض للتهجير من الممكن أن يساعد في التصدي لخطة ترامب.ومع تصاعد وتيرة الغضب المصري الرسمي والشعبي الرافض لخطة ترامب تلك، استبعد فؤاد حدوث أي تأثيرات على العلاقات المصرية الأميركية في تلك الفترة، معزياً وجهة نظره تلك بأن الولايات المتحدة والعالم أجمع يعلمون جيداً النهج المصري تجاه قضية التهجير، والذي لم يتغير منذ أن أشار إليه المسؤولون الإسرائيليون في أوقات سابقة وهو الرفض القاطع، وأكد أن البيت الأبيض يدرك جيداً أهمية استقرار علاقاته مع القاهرة التي تمثل ثقلاً داخل المنطقة.وكانت مصر قد انتفضت عن بكرة أبيها عقب اقتراح الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً دونالد ترامب، بدعوة مصر ومعها الأردن لاستقبال الفلسطينيين من قطاع غزة، وتسابقت الأوساط المصرية المختلفة في إعلان رفضها القاطع لتلك الدعوة قبل أن تصدر الخارجية المصرية بياناً رسمياً تعلن فيه رفضها التام لأي نزوح فلسطيني إلى أراضيها.(المشهد - القاهرة)