تعمل السلطات الجزائرية مع حلول شهر رمضان من كل عام، على إطلاق الأسواق الجوارية أو ما يُعرف بأسواق "الرحمة"، التي تشهد إقبالًا كبيرًا للمواطنين مقارنة بالأسواق الأخرى، وهذا لمكافحة ظاهرة تخزين واحتكار الموادّ الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، وتمكين المواطنين من اقتنائها بأسعار معقولة.وتشير الإحصائيّات الأخيرة، إلى وجود أكثر من 1000 سوق في مختلف محافظات البلاد الـ58، كلّ عام، وبحسب وزارة التجارة الجزائرية، فإنّ تموين هذه الأسواق بالسلع والمنتجات ومختلف البضائع، سيكون مباشرة من المنتجين والفلاحين من دون المرور عبر وسطاء.وهو ما يطرح تساؤلات حول عملية استقرار الأسعار الموادّ الاستهلاكية في البلاد؟ وكيف يتعامل قطاع التجارة مع المضاربين؟ وما رأي المواطن في هذه الإجراءات؟من المنتج إلى المستهلكووقوفًا على مدى التزام المنتِجين بمختلف الأسعار المحددة، قام وزير التجارة الجزائري، الطيّب زيتوني، بالوقوف خلال اليوم الأول من شهر رمضان، على مجموعة من الأسواق الجوارية، وأكد الوزير ضرورة التوعية حول أهمية الاستهلاك العقلانيّ للموادّ الغذائية، وعلى رأسها الخبز، خصوصًا أنّ الإحصائيات تشير إلى تبذير نحو 100 مليون رغيف في شهر رمضان، ونحو 900 مليون رغيف سنويًا، وهو ما يعادل 320 مليون دولار سنويًا. وعن مبادرة أسواق "الرحمة"، يوضح الخبير الاقتصاديّ أحمد الحيدوسي في حديث لـ"المشهد"، أنّ الأخيرة تتشكل من مجموعة أسواق وضعتها الحكومة من أجل تقريب المنتج إلى المستهلك، وتقليص دائرة "المناورين" بما يخدم المواطن من خلال إيصال السلع بأسعار معقولة، بالإضافة إلى أنّ هذه المساحات التجارية، تعرض مختلف المنتجات للبيع بأسعار موحدة ومنخفضة، مقارنة بباقي المحال، ويشير الحيدوسي إلى أنّ هذه المبادرة تأتي نظرًا لمجموعة من العوامل من بينها: وزارة التجارة الجزائرية تعتبر الأسواق واحدة من الحلول التي تحقق توفير الموادّ الأكثر استهلاكًا بأثمان تنافسية بحلول شهر رمضان، وذلك في ظل موجة الغلاء العامة.الخطوة مهمة لأنها تعتمد على قناة مباشرة من المنتج للمستهلك من دون وجود وسيط، وبإعفاء ضريبي.المضاربة التي كانت موجودة سابقًا مثلًا في أسواق الجزائر العاصمة، مع دخول موسم رمضان، التي عرفت أسعار الخضر والفواكه واللحوم ارتفاعًا جنونيًا، حيث قفزت أسعار اللحوم الحمراء من 1800 دينار (13.3 دولارًا) للكيلوغرام الواحد من لحم الخروف، إلى 2200 دينار (16.29 دولارًا)، دفعت السلطات إلى اللجوء إلى الأسواق الجوارية لمحاصرة المضاربين، في حين تشهد نقطة بيع لحوم الأبقار المستوردة، إقبالًا كبيرًا بسبب ثمنها المنخفض، إذا لم يتجاوز سعرها 1200 دينار (8.90 دولارات) للكلغ الواحد.ضرورة تكثيف عمليات الرقابة وقمع الغش، التي تقوم بها مصالح مديرية التجارة، بالتنسيق مع مصالح المقاطعات الإدارية والمصالح الأمنية؛ من خلال الحرص على التطبيق الصارم لقواعد الممارسات التجارية، بالإضافة إلى تسخير الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة كافة، وتكثيف العمل الجواري، والزيارات الميدانية، وزيارات العمل والتفقّد لمختلف المشاريع والأحياء، ستساهم في الحفاظ على النسق المنتهَج في الأسعار.خلافًا للسنوات الماضية، فإنّ عمليات مراقبة تموين الأسواق تتم بشكل يومي، وترفع تقارير من طرف المصالح المتخصّصة للتدخل في حال وجود خلل بأيّ مادة من المواد.مواجهة المضاربة وكبح الندرة وتهافت العديد من المواطنين إلى بعض المعارض التي حملت شعارات لا تفرّق بين أصحاب الدخل الضعيف وميسوري الحال، من بينها تظاهرة "رمضان في القصر" و"سوق الكرامة" لبيع المنتجات الاستهلاكية بقصر المعارض "صفاكس" بالجزائر العاصمة، الذي يشمل أحد نقاط الأسواق الجوارية. يوسف لعريبي وهو أب لطفلين يعمل في مجال البناء، إلّا أنه "يعمل جاهدًا للتوفيق بين راتبه المتواضع، ومتطلبات أسرته الصغيرة"، ويقول لـ"المشهد"، إنّ التراجع الملحوظ في أسعار الموادّ الغذائية وكلّ أنواع السلع الاستهلاكية، جعله يقوم بزيارة هذا السوق لاقتناء حاجياته لشهر رمضان.وأردف يوسف مشيرًا إلى أنّ وجود الأسعار في هذا المعرض تقلّ قيمتها عن سعر الأسواق والمحالّ العادية، بنسبة مريحة، على غرار زيت المائدة، بالإضافة إلى اللحوم البيضاء المجمّدة التي تم استيرادها وعرضها بأسعار منخفضة لا تتجاوز 390 دينارًا للدجاجة الواحدة (3 دولارات)، بينما تباع اللحوم البيضاء الطازجة خارج السوق الجواريّ بـ 580 دينارًا للكلغ (4.30 دولارات).استحسان وانتقاد ولاقت المبادرة ترحيبًا من جهات عدة، وهو ما أكدته جمعية التجار والحرفيّين الجزائرين، أنّ أسعار معقولة وتنافسية التي تراعي القدرة الشرائية للمواطن، وتهدف لتقليص الأعباء المالية على العائلات، ودعا مشدان لتعميم هذه المبادرة على مدار السنة، لتقريب السلع من المستهلك وتوفير المستلزمات التي يحتاجها المواطن، من جانبه قال سليم محمدي متقاعد في قطاع التعليم، وأحد سكان شرق العاصمة الجزائر في حديث لـ" المشهد"، إنّ عدد الأسواق الجوارية ضعيف مقارنة بالطلب المتزايد، فالعاصمة مثلًا بها بلديات تفتقد لسوق واحدة، على الرغم من تعداد سكانها الكبير.وتابع سليم استدلاله بأنّ هناك بعض الموادّ الأخرى لم تعرف فارقًا كبيرًا، فمثلًا سعر البيض الذي اقتناه بـ 21 دينارًا للحبة الواحدة (0.16 دولار) يتقارب مع ثمن مع ما هو متداول خارج السوق الجواري. ويرى محمدي أنّ الخضر والفواكه ما زالت مرتفعة الأثمان، أو متذبذبة، كما أنّ أسعار الموادّ ذات الجودة العالية مرتفعة، بخلاف أثمان منخفضة لموادّ أخرى غير متداولة بشكل محدود في السوق المحلية، وهذا متؤثر بعامل بنقص التموين والوفرة.(المشهد - الجزائر)