يشهد الملف السوري تحولات كبيرة بعد سقوط نظام الأسد، حيث تحوّلت تركيا من "دولة احتلال" إلى "حليف" سياسيّ وعسكريّ موثوق من وجهة نظر دمشق، فيما لم يتغيّر الوضع كثيراً بالنسبة لتل أبيب التي ترى في هذا التغّير تبديلاً للمواقع فقط، لتصبح أنقرة التهديد الجديد بدلاً من طهران سابقاً. التصريحات التركية الرسمية، والتقارير الإعلامية، تؤكد الاستعدادات لإنشاء قواعد عسكرية تركية داخل الأراضي السورية، وتحديداً بالقرب من مدينة تدمر الأثرية في قلب البلاد، بحجم قاعدة "رامشتاين" الأميركية في ألمانيا، لتصبح واحدةً من أكبر المنشآت العسكرية التركية خارج حدودها، مقارنة مع قواعدها في قطر والصومال وليبيا. الوجود التركي في سوريا من خلال تفاهمات سوتشي وأستانا، سمحت دمشق في عهد الأسد لتركيا بامتلاك عشرات النقاط والقواعد العسكرية في الشمال السوري، وبعد سقوط النظام، تمددت أنقرة عسكرياً فقامت بإنشاء قاعدة جديدة لها في مطار "منغ" بريف حلب أيضاً، لكن الاتّفاق المنتظر إبرامه مع دمشق يقرّبها أكثر فأكثر من الحدود الإسرائيلية، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى دق ناقوس الخطر، وتطرق إلى الموضوع بشكل مباشر. ضمن هذه التحركات، قال مصدر في وزارة الدفاع التركية إن بلاده تواصل دراسة إنشاء قاعدة عسكرية في سوريا لأغراض التدريب، موضحًا أن الهدف هو تعزيز قدرات الجيش السوري، فيما أفادت تقارير سابقة بأن مسؤولين أتراك يجرون دراسة لمواقع محتملة لإقامة هذه القواعد. ويقول المحلل والباحث السياسي د.عامر سبايلة في حديثه إلى منصة "المشهد" إن "الخطوة التركية نحو إنشاء قواعد عسكرية جديدة في سوريا تعدّ تحدياً للتوازنات الإقليمية والدولية، حيث لا يمكن النظر إليها ببساطة من قبل الأطراف الفاعلة في الملف السوري، خصوصا الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل. فأنقرة، التي ترى في التراجع الإيراني فرصةً لتعزيز نفوذها وملء الفراغ الأمني، تدفع باتجاه تحويل الجغرافيا السورية إلى ورقةٍ إستراتيجيةٍ تخدم مصالحها ورؤاها الإقليمية". بدوره، يؤكد المحلل السياسي المختص في الشأن التركي محمود علوش أنّ "هناك تعزيزًا للتعاون العسكري بين تركيا والحكومة السورية الجديدة، في إطار شراكة إستراتيجية تهدف إلى إعادة بناء المؤسسات العسكرية السورية. أنقرة تسعى من خلال هذه الشراكة إلى تحقيق جملة من الأهداف الإستراتيجية، أهمها تعزيز نفوذها الإقليمي وضمان مصالحها الأمنية، في وقت تعمل فيه دمشق على بناء قدرات عسكرية قادرة على فرض الاستقرار الداخلي وحماية الحدود". ويبيّن علوش في تصريحه لـ"المشهد" أن "الشراكة التركية السورية الحالية تستند إلى مبدأ المنفعة المتبادلة، حيث تحصل دمشق على الدعم العسكري والخبرات اللوجستية، بينما تحقق أنقرة أهدافها الجيوسياسية في تعزيز نفوذها الإقليمي. غير أن هذه الشراكة تواجه جملة من التحديات الجسيمة، يأتي في مقدمتها إدارة الملف الإسرائيلي الحساس، والحفاظ على توازن دقيق في العلاقات مع القوى الدولية الفاعلة. ويُلاحظ أن الجانب التركي يبدي مرونة غير مسبوقة في تعامله مع سياسة التوازن التي ينتهجها الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في علاقاته الخارجية". وبحسب علوش لدى تركيا هدفين: مساعدة سوريا في مرحلة إعادة الإعمار والانتقال السياسي بسوريا. وضمان تحقيق مصالحها الأمنية والإستراتيجية في المنطقة على المدى البعيد. وبحسب وكالة "رويترز" نقلا عن مصادر سورية وأجنبية فإن الاتفاق ينتظر أن يوقعه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع.رفض إسرائيلي للنفوذ التركي في سوريا وتخشى تل أبيب من استغلال أنقرة لنفوذها السياسية على دمشق وقوّتها العسكرية داخل الأراضي السورية، وابتزازها، بهدف تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية سواء من تل أبيب نفسها، أو من حلفائها الغربيين، في سياسة مشابهة لطهران التي جعلت من إمكانية تهديد إسرائيل عبر سوريا ولبنان وغزة ورقة تفاوضية مع الولايات المتّحدة والدول الإقليمية. ونتيجة لهذه المخاوف، رسمت إسرائيل خطّاً أحمراً أمام السلطة الانتقالية لجهة تواجد قوّات عسكرية تابعة لها في الجنوب السوري، إلى جانب إعلان تأييدها للدروز و"قسد"، مع الضغط على واشنطن لإبقاء القواعد الروسية في سوريا كنوع من القوة الموازنة لنفوذ تركيا المتصاعد، وكل ذلك بالتزامن مع الاستهدافات شبه اليومية للقواعد والبنى التحتية العسكرية في سوريا والتوّغلات البرّية. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية فإن نتانياهو عبر مستشاريه يدفع وسائل إعلام إسرائيلية للتأكيد أن "المواجهة مع تركيا على الأراضي السورية تحصيل حاصل". يلفت علوش إلى أن "حدة التوتر بين تركيا وإسرائيل تصاعدت بسبب الوجود العسكري التركي المتزايد في الأراضي السورية. إذ إن تل أبيب تعارض بشكل قاطع أي وجود تركي عسكري قوي في سوريا، مما يضع الولايات المتحدة في موقف دقيق بين دعم حليفتها تركيا ومراعاة مصالح إسرائيل. أما موقف الولايات المتحدة الأميركية يجب مراقبته بدقة، لأن أحد محددات سياسة واشنطن في سوريا هي الحساسية السياسة الإسرائيلية، واليوم تل أبيب صريحة في معارضتها وفي هواجسها لأي حضور تركي قوي عسكري في سوريا." ويشرح سبايلة أن "التوجة التركي يصطدم بشكل مباشر مع السياسة الإسرائيلية الرامية إلى إعادة تشكيل الخريطة الأمنية للمنطقة، حيث لا يمكن لتل أبيب أن تتعامل بسهولة مع وجود عسكري تركي متزايد، خصوصا إذا ما تحولت هذه المناطق إلى نقاط دعم لوجستي أو تجمع للمسلحين. كما أن واشنطن وموسكو لن تبقيا صامتتين أمام تحركات أنقرة، التي قد تؤجج مواجهات جديدة على الأرض السورية". ويشير سبايلة إلى أن "التصعيد الإسرائيلي الأخير، الذي يستهدف أي وجود عسكري يمكن أن يشكل تهديداً، يأتي في هذا الإطار، مما يعني أن الخطوة التركية ستواجه بردود فعل قوية من جميع الأطراف، مع احتمالية تحول سوريا مرة أخرى إلى ساحة صراع بين القوى الإقليمية". هذا وأوصت لجنة حكومية إسرائيلية في تقريرها مؤخرا نتانياهو بالاستعداد لحرب محتملة مع تركيا، في ضوء مخاوف متزايدة لدى تل أبيب من تحالف أنقرة مع الإدارة الجديدة بدمشق بعد سقوط نظام الأسد، مشددة على أنه يجب على إسرائيل الاستعداد لمواجهة مباشرة مع تركيا في ضوء التوترات المحتملة بسبب طموحات تركيا لاستعادة "نفوذها العثماني". (المشهد )