على مدار الأيام الماضية، تصدَّرت المشهد مرة أخرى مُشكلة العقارات الآيلة للسقوط، والتي تودي بحياة المواطنين في مدينة الإسكندرية، شمال مصر، بعد أن انهار عقار سكني مكون من 14 طابقًا بمنطقة سيدي بشر.ولقي 10 أشخاص مصرعهم، تحت أنقاض العقار المُنهار، وأصيب آخرون، فيما تواصل النيابة العامة المصرية تحقيقاتها للوقوف على أسباب انهيار العقار، ومحاسبة المتسبّب في هذه الكارثة.عقار سيدي بِشر، لم يكن الأول، ولكن خلال الأعوام الماضية، شهدت المدينة الساحلية وقائع انهيارات مُفاجئة لعقارات قديمة، ما تسبّب في وفاة عشرات الأشخاص، لتطرح التساؤل: لماذا تتكرر ظاهرة انهيارات العقارات في مدينة الإسكندرية؟2400 عقار قديم في الإسكندريةمُحافظ الإسكندرية، اللواء محمد الشريف، قال إنّ الإسكندرية مدينة قديمة وتاريخية، ويوجد بها قرابة 2400 عقار مر على بنائها أكثر من 100 عام، لافتًا إلى أنهم يقومون بعمل متابعة دقيقة لحالة تلك العقارات، خشية سقوطها، خصوصا أنّ بعض تلك العقارات ما زالت مأهولة بالسكان.وتحدّث الشريف في تصريحات تلفزيونية، عن المعوّقات التي تواجههم خلال التعامل مع العقارات التي تُشكِّل خطورة على حياة قاطنيها، من بينها قيام السكان بالتوقيع على إقرارات بالبقاء في تلك العقارات على مسؤوليتهم الشخصية، وهو ما يزيد من خطورة تعرّض حياتهم للخطر في حال انهيار تلك البنايات.وأوضح مُحافظ الإسكندرية، أنّ ما جرى في عقار منطقة سيدي بشر المُنهار، سيتم الكشف عنه من خلال لجنة شكلتها المحافظة، من خبراء كلية الهندسة وتحقيقات النيابة، للوقوف على أسباب انهياره، لافتًا إلى أنّ أحد سكان العقار قام ببناء طابق إضافي خلال العام الماضي، وصدر له قرار إزالة.وأشار الشريف إلى أنّ التغيّرات المُناخية أثرت بشكل كبير على حالة العقارات في المدينة، لافتا إلى أنّ الإسكندرية من المدن التي تتعرض لتغيّرات مناخية، وهذا بالتأكيد يؤثر على حالة العقارات.لماذا تنهار العقارات؟لماذا تتكرر ظاهرة انهيارات العقارات في مدينة الإسكندرية، يُجيب أستاذ هندسة الإنشاءات في جامعة الإسكندرية، الدكتور التوني محمود التوني، بقوله إنّ هناك أسبابا عدة قد تؤدي إلى انهيار العقارات منها:التأخر في تنفيذ قرارات الإزالة للعقارات غير المرخصة والآيلة للسقوط.عدم الاهتمام بترميم وصيانة العقارات القديمة.وأوضح "التوني" في حديثه لمنصة "المشهد"، أنّ هناك مشكلة حقيقية في عدم تنفيذ وتأخير قرارات الإزالة، ويتخيّل سكان هذه العقارات أنها لن تنهار، لافتًا إلى أنّ هناك عقارات قديمة أيضًا صدر لها قرارات ترميم، ولكن لا يتم تنفيذ هذه القرارات، وبالتالي بعد فترة تزداد خطورة تلك البنايات.وتابع "حين يصدر قرار بترميم أو إزالة لأيّ عقار، فهذا ليس معناه أنه سينهار في لحظتها، ولكن قد يأخذ الأمر سنوات، ويظن حينها السكان أنّ العقار سليم ولا يُشكّل خطورة، ولكنهم يفاجأون بانهياره".ما علاقة التغيّرات المناخية؟هل للتغيّرات المناخية علاقة بما يحدث لعقارات الإسكندرية؟ يرى الدكتور التوني محمود التوني، أنّ التغيّرات المُناخية ليس لها دخل بانهيار العقارات في الإسكندرية، ولكنّ التغيّرات المُناخية تؤثّر على العمر الافتراضي للعقار.وتابع بقوله: "لا يمكن ربط ما يحدث في الإسكندرية بالتغيّرات المُناخية، لأنّ أسباب الانهيار كما أسلفت في السابق، وإذا تحدثنا عن تأثير التغيّرات المناخية على العقارات، فستكون مُنحصرة على تقليل العمر الافتراضي للعقارات، نتيجة عوامل الجو والتعرية، وهذا يمكن تجنّبه من خلال عمل صيانة دورية للعقارات".وأكد خبير الهندسة الانشائية ضرورة قيام سكان العقارات بعمل صيانة بشكل دوري، فضلًا عن متابعة حالة العقار باستمرار والتعامل بجدية مع هذا الأمر، حتى نتلافى مشكلة الانهيارات المفاجئة لتلك العقارات.ماذا فعلت الدولة؟في العام 2014 بدأت مصر، تنفيذ مشروع التطوير الحضاري، الذي يستهدف في الأساس نقل سكان المناطق العشوائية الخطرة وغير المخطّطة، لمناطق بديلة آمنة، وكانت لمدينة الإسكندرية نصيب كبير من هذا المشروع.وكشف تقرير رسمي، عن وجود 8 مناطق غير آمنة على مستوى أحياء الإسكندرية، طبقًا لتحديث الخريطة القومية لعام 2012، ثلاثة منها في حيّ العجمي، واثنان في حي العامرية، من بينها مناطق كوم الملح والهضبة الصينية، وطلمبات المكس.وقامت الدولة ببناء وحدات سكنية لنقل سكان هذه المناطق، منها مساكن طلمبات الماكس ومأوى الصيادين، فضلًا عن المشروع الأكبر في المدينة، وهو "بشاير الخير" الذي بدأت فيه الدولة منذ عام 2014 وحتى الآن.وتضمّن مشروع التطوير الحضاري في الإسكندرية (بشاير الخير)، تسعَ مراحل استهدفت كل مرحلة نقل سكان مناطق عشوائية إلى بدائل أخرى قامت بها الدولة، منها 8 مراحل لسكان مدينة الإسكندرية ، بإجمالي 30 ألف وحدة سكنية- وفقًا لتصريحات مُحافظ الإسكندرية.وشملت مشروعات "بشاير الخير" بجانب الوحدات السكنية، مستشفيات ومدارس ومناطق ترفيهية، فضلا عن مراكز تدريب مهني، ومنطقة أسواق وخدمات، إذ شيدت الدولة في المرحلة الأولى وحدات للأعمال الخيرية، من دار أيتام وحضانة، وجمعية لذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى مكتب شهر عقاري ومكتب بريد، ومكتب لإدارة وصيانة المشروع ، بالإضافة إلى مستشفى سعة 150 سريرا، ومجمّع عيادات خارجية، ووحدة غسيل كُلى، ووحدة طوارئ واستقبال، وغرف عمليات ووحدات إفاقة، ووحدة عناية مركزة، ووحدة أشعة ووحدة تحاليل، كذلك مسجد كبير بمسطح 812 مترا مربعا يسع 800 فرد، وساحة خارجية بمسطّح 600 متر مربع يسع 600 فرد.(المشهد)