قامت القوات الإسرائيلية بتدمير ممنهج للمباني في قطاع غزة، في مسعى لإقامة منطقة عازلة داخل القطاع الفلسطيني، بحسب ما أكد خبراء ومجموعات حقوقية ما يثير مخاوف بشأن التكلفة المدنية. ويبدو أنّ الخطة، التي لم تؤكدها إسرائيل علنًا، تقضي بالاستيلاء على جزء كبير من الأراضي في قطاع غزة الصغير بالفعل، وهو أمر حذّر منه الخبراء وحلفاء إسرائيل الأجانب. وقال عدي بن نون، الأستاذ في الجامعة العبرية في القدس، الذي يُجري تحليلًا مستمرًا لما تلتقطه الأقمار الاصطناعية، إنه منذ أن اقتحم مسلحو "حماس" الحدود في 7 أكتوبر، قامت القوات الإسرائيلية باستهداف المباني الواقعة على بعد كيلومتر واحد من الحدود في غزة. وأوضح أنّ أكثر من 30% من مجمل المباني في المنطقة تضررت أو دمرت خلال الحرب. والشهر الماضي، قُتل 21 جنديًا من قوات الاحتياط في غزة، خلال "عملية دفاعية في المنطقة الواقعة بين البلدات الإسرائيلية وغزة"، بحسب ما أعلن رئيس الأركان هرتسي هاليفي، للسماح "بالعودة الآمنة" للسكان. وقال الجيش في حينه، إنّ القوات زرعت متفجرات لتفجير المباني عندما أطلق المسلحون النار على الجنود. ويؤكد خبراء أنّ التهجير القسريّ لسكان غزة من المنطقة الحدودية إلى جانب أجزاء أخرى من القطاع، يمكن أن ينتهك قوانين الحرب. وقالت نادية هاردمان، الخبيرة في حقوق اللاجئين في منظمة هيومن رايتس ووتش، "نرى أدلة متزايدة على أنّ إسرائيل يبدو أنها تجعل أجزاءً كبيرة من غزة غير صالحة للعيش". وتابعت، "أحد الأمثلة الواضحة على ذلك قد تكون المنطقة العازلة - وهذا قد يرقى إلى جريمة حرب". ورفض الجيش الإسرائيليّ طلب التعليق على إقامة منطقة عازلة. ليس لها الحق في الاستيلاء على أراضي غزة حذرت سيسيلي هيلستفيت من الأكاديمية النروجية للقانون الدولي، من "احتمال التطهير العرقيّ أو الترحيل، أو عدم إعادة الإعمار حتى يضطر الفلسطينيون في نهاية المطاف إلى الخروج من المنطقة بالكامل". ومن المرجح زيادة التدقيق في كل ما تقوم به الدولة العبرية، بسبب قرار محكمة العدل الدولية الشهر الماضي، الذي دعا إسرائيل إلى منع ارتكاب أيّ عمل يُحتمل أن يرقى إلى "إبادة جماعيّة" في غزّة. وأكد وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الشهر الماضي، معارضة الولايات المتحدة أيّ تغيير لمساحة قطاع غزة. وجاء موقف بلينكن في معرض تعليقه، خلال زيارة لنيجيريا، على معلومات بشأن سعي إسرائيل لإقامة منطقة عازلة داخل قطاع غزة. ويرى خبراء حقوقيون أنّ بإمكان إسرائيل استخدام أجزاء من أراضيها لإنشاء منطقة أمنية. وكتب كين روث الخبير في حقوق الإنسان والأستاذ في جامعة برينستون على وسائل التواصل الاجتماعي، "إذا كانت الحكومة الإسرائيلية تريد منطقة عازلة، فلها كل الحقّ في إنشاء منطقة في إسرائيل الأكبر بكثير، لكن ليس لها الحقّ في الاستيلاء على الأراضي في غزة".ويشير خبراء الى أنّ أمن الحدود أصبح أولوية للعديد من الإسرائيليّين. وستكون عودة هؤلاء إلى البلدات القريبة من حدود غزة، علامة على أنّ "حماس" لم تعد تشكل تهديدًا. في كيبوتس ناحال عوز على بعد كيلومتر واحد فقط من غزة، والذي تم استهدافه في هجوم "حماس"، تدوي المدفعية ويتصاعد الدخان فوق الأراضي الفلسطينية من بُعد. تم إجلاء جميع سكان الكيبوتس البالغ عددهم 400 نسمة تقريبًا، ولم يعودوا بعد، كغيرهم من سكان البلدات المجاورة. وقال المزارع عيران برافرمان (63 عامًا) "لا يزال المكان غير مناسب للعودة إليه مع الأطفال، ليس بعد لسوء الحظ". وأضاف "إذا كانت هناك بالفعل مثل هذه المنطقة العازلة فقد يساعد ذلك كثيرًا. وآمل أن يحدث". واندلعت الحرب في قطاع غزة إثر هجوم غير مسبوق شنته "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر، وأسفر عن مقتل أكثر من 1160 شخصًا، معظمهم مدنيون، وفق آخر الأرقام الرسميّة الإسرائيلية.إحياء فكرة قديمة منذ عقدينوردًّا على الهجوم، تعهّدت إسرائيل بالقضاء على الحركة، وتنفّذ منذ ذلك الحين حملة قصف مدمرة أُتبعت بعمليات برية منذ أكتوبر، ما تسبب بمقتل أكثر من 27 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة التابعة لـ"حماس".وانسحبت إسرائيل عام 2005 في شكل أحاديّ من غزة، وسحبت قواتها ومستوطنيها، وأنهت وجودها هناك الذي بدأ في عام 1967، لكنها احتفظت بسيطرة شبه كاملة على حدود القطاع الساحلي.وأبقت على منطقة محظورة ضيّقة ذات عرض متفاوت على طول الحدود بينها وبين غزة. وعلى الجانب الفلسطيني، اقتصرت المنطقة التي تقع خلفها مباشرة على الأراضي الزراعية. وتم فرض حصار على القطاع منذ سيطرة "حماس" عليه عام 2007، وتم تشديده في أعقاب هجوم أكتوبر الماضي. وتقيم مصر منطقة عازلة على جانبها من الحدود مع قطاع غزة. ورأت هيلستفيت أنه على الرغم من أنّ إسرائيل قررت عدم إقامة منطقة عازلة مطلع الألفية الثالثة، إلا أنه تم إحياء الفكرة بعد عقدين. وقالت، "مع الحرب وإعادة احتلال غزة، طرحت مجددًا هذه الخطة التي كانت موجودة عندما كانت إسرائيل تسيطر عسكريًا على غزة". (أ ف ب)