منذ إعلان المجلس العسكري في النيجر، إطاحة نظام الرئيس محمد بازوم في 26 يوليو الماضي، تعالت الأصوات الدولية الرافضة لهذه الخطوة الانقلابية، في الوقت الذي كانت فيه اللهجة الإفريقية أكثر حدّة لتهدّد مجموعة دول غرب إفريقيا "إيكواس"، بتدخل عسكري محتمل خلال 7 أيام إذا لم يتم التراجع. وبعد مرور 10 أيام على انتهاء المهلة المُحدّدة من قبل "إيكواس"، و22 يوما على الانقلاب، لم يكن هناك شيء جديد يُذكر، سوى أنّ قادة المجلس العسكري نجحوا في تثبيت أقدامهم على رأس السلطة في البلاد، وسط احتفاء وتأييد شعبيّين واسعَي النطاق، مصحوبَين بتراجع حدّة لهجة قادة بعض الدول الإفريقية، بضوء أخضر من الولايات المتحدة، التي أكدت على لسان خارجيتها مرارا، أنّ "الدبلوماسية هي الحل الأفضل" لحل الأزمة.القرار الصعبوأظهر تراجع حدّة لهجة قادة أفارقة تجاه الانقلاب، مثل الرئيس النيجيري بولا تينوبو الذي تمتلك بلاده حدودا مباشرة مع النيجر، وتشدّد موقف قادة دول أخرى مثل غانا وساحل العاجل، حجم الانقسام الذي يضرب مجموعة دول "إيكواس"، التي تضم نحو 15 بلدا، وفق ما يرى مراقبون وخبراء. على الرغم من ذلك، وافق قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا قبل أسبوع تقريبا، على استخدام القوة لإعادة الرئيس النيجري المعزول إلى منصبه، إذ يجتمع قادة جيوش "إيكواس" في العاصمة الغانية أكرا الخميس والجمعة، لبحث التنسيق بشكل تدخّل عسكري محتمل ضد الانقلاب في نيامي. وقبيل انطلاق هذا الاجتماع المرتقب بساعات، خرج مفوض السلام والأمن في "إيكواس" عبد الفتاح موسى، ليتّهم المجلس العسكري في النيجر بـ"التظاهر أنه مستعد للمحادثات"، مشددا على ضرورة استعادة النظام الدستوري بكل الوسائل المتاحة، بما فيها القوة العسكرية، رغم أنهم لا يزالون يُعطون "فرصة للدبلوماسية". ويصف الخبراء والمحللون الذين تحدثوا إلى منصة "المشهد"، التدخل العسكري في النيجر بـ"القرار الصعب" الذي لا يمكن لأيّ طرف أن يتحمّل تبعاته منفردا، إذ يقول المحلل السياسي المقيم في باريس رامي الخليفة العلي، إنّ "هناك تشكيكا بدأ يتكشف فعليا حول جدوى عملية عسكرية في النيجر، وسط المخاطر السياسية والعسكرية الحقيقية بالمنطقة". ويضيف العلي خلال حديثه مع منصة "المشهد": "التباين في وجهات النظر بخصوص التدخل العسكري، ليس فقط بين دول (إيكواس). هناك خلافات بين الولايات المتحدة وفرنسا، فالأخيرة تبدو أكثر اندفاعا لعملية عسكرية، وواشنطن لا تفضل هذا الحل إطلاقا".وقبل أقل من 24 ساعة من اجتماع قادة جيوش "إيكواس"، تعرض الجيش النيجري لهجوم هو الأعنف منذ الانقلاب، أودى بحياة 17 جنديا في كمين نصبه متطرفون جنوبي غرب البلاد. وهي المجموعات التي تحاربها الولايات المتحدة وفرنسا لسنوات، في منطقة الساحل الإفريقي عبر قواعدها العسكرية المرتكزة في نيامي. بدوره، يعتبر الخبير العسكري الليبي عادل عبد الكافي خلال حديثه مع منصة "المشهد"، أنّ قرار التدخل العسكري في النيجر، سينتج عنه نتائج عكسية وسلبية كثيرة، خصوصا "في ظل تحركات وسيطرة المجموعات الإرهابية على مناطق مختلفة في دول المنطقة، ورفض دول الجوار مثل بوركينا فاسو ومالي، أيّ إجراءات مثل هذه، مهددة بردّ عليها". ويضيف: "صحيح هذا التدخل قد يلقى دعما من فرنسا التي تحاول استعادة نفوذها في المستعمرة السابقة، وبسط هيمنتها على موارد طبيعية مثل اليورانيوم. لكنّ هذا التدخل سيكون بمثابة الحرب، إذ سيكون له تداعيات سلبية خطيرة للغاية، من خلال تشكّل تحالفات عسكرية رافضة ومؤيدة له".والنيجر وحدها شهدت 4 عمليات انقلاب منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، ومحاولات عدة أخرى للاستيلاء على السلطة، كان آخرها محاولة الإطاحة بالرئيس محمد بازوم قبل أيام من تنصيبه، لكنه نجح في تسلّم السلطة في أول انتقال سلمي بتاريخ البلاد في أبريل 2021. "تمام الاستعداد"الاجتماع الذي يستمر على مدار يومين، يُعدّ الأول منذ موافقة قادة دول "إيكواس" على نشر قوة احتياطية الأسبوع الماضي، من أجل استعادة الحكم الدستوري، لكنهم لم يكشفوا منذ ذلك الحين عن أيّ تفاصيل حول هذه القوة، التي قد لا تشارك فيها بعض البلدان. وخلال الساعات القليلة الماضية، أكد مفوض السلام والأمن في "إيكواس"، أنّ جميع الدول الأعضاء مستعدة للمشاركة في القوة الاحتياطية، التي قد تتدخل في النيجر باستثناء الدول الخاضعة لحكم عسكري والرأس الأخضر. ويشير الخبراء والمحللون في حديثهم مع "المشهد"، إلى أنّ هذا اجتماع عسكري في المقام الأول، إذ سيشهد التنسيق والتشاور حول التفاصيل كافة لقوة الاحتياط وتسلّحها وخطط نشرها، "لأنّ قرار التدخل العسكري اتُخذ سياسيا بالفعل من قِبل قادة الدول، لكنه في انتظار ما سيُسفر عنه هذا الاجتماع للتأكيد عليه أو للتراجع عنه". ويقول الخبير العسكري المصري، ورئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية العميد سمير راغب، إنّ "قرار التدخل العسكري اتُخذ على المستوى السياسي، واجتماع قادة الجيوش سيبحث التفاصيل العسكرية المتعلقة بالتعبئة والاستعدادات اللوجستية والعملياتية، والخطط والتنسيق". ويضيف راغب خلال حديثه إلى منصة "المشهد"، أنّ "الاجتماع يهدف في الأخير للوصول إلى تقدير الموقف العسكري للدول الأعضاء، وتحديد متى وكيف تكون القوات جاهزة للتدخل. ثم يتم رفع ما يتم التباحث بشأنه إلى الزعماء، الذين يقررون بدورهم التدخل أو التراجع عن العملية العسكرية، بناءً على اعتبارات الموقف العسكري". ولا يستبعد الخبير العسكري المصري، أن يرفع قادة جيوش "إيكواس" تقريرا يفيد بعدم جاهزية قواتهم للتدخل. لكنه عاد ليؤكد أنّ من المتوقع الإعلان عن خطة الجاهزية وكل ما يتعلق باستدعاء وتجهيز قوات الاحتياط، خلال فترة زمنية واضحة، تحدّد "تمام الاستعداد" وتترك القرار لرؤساء الدول. ويتفق مع هذا الرأي، الخبير العسكري الليبي العقيد عادل عبد الكافي، قائلا: "الاجتماع قد يسفر عن تحذيرات ورفع حالة الاستعداد للجيوش، وخصوصا الدول المتاخمة للنيجر من أجل مواجهة المجموعات الإرهابية". ويضيف عبد الكافي: "أعتقد أنّ التركيز سيكون على استعداد الجيوش، ووضع خطط لتقويض الجماعات الإرهابية ودور مجموعة فاغنر الروسية التي تتمدد في إفريقيا، وأصبحت لعنة عليها".في غضون ذلك، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية في مستهلّ الاجتماع عن رئيس الأركان النيجيري الجنرال كريستوفر غوابين موسى، قوله إنّ "الغرض من اجتماعنا ليس مجرّد الردّ على الأحداث، بل بطريقة استباقية لرسم مسار يؤدّي إلى السلام ويدعم الاستقرار". موافقة الغربتشهد منطقة الساحل الإفريقي تمرّدا جهاديا منذ أكثر من عقد تقريبا، بدأ في شمال مالي عام 2012 قبل أن يمتدّ في 2015 إلى النيجر وبوركينا فاسو المجاورتين، حيث لعبت الهجمات التي ينفذها المتمردون، دورا في الانقلابات العسكرية في الدول الثلاث منذ عام 2020. وتنظر الولايات المتحدة وكذلك فرنسا ودول أوروبية عدة للنيجر، باعتبارها محطة مهمة في إفريقيا لمواجهة المجموعات الإرهابية المتشددة، وكذلك نفوذ مجموعة فاغنر المتنامي، حيث توجد القوات الروسية شبه العسكرية في دول عدة أبرزها مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، من خلال تقديم خدمات عسكرية للأنظمة التي تواجه صعوبات سياسية أو أمنية في مواجهة المتطرفين. ويرى الخبير العسكري سمير راغب، أنّ موقف زعماء دول "إيكواس" سوف يكون متوافقا إلى حدّ كبير مع موقف قوى غربية كبرى، مثل أميركا وألمانيا وإيطاليا، التي تميل جميعها لعدم التصعيد، مشيرا إلى أنه "من دون غطاء بدعم دولي، لن تسير بلدان غرب إفريقيا قدما في المسار العسكري".وعلى الصعيد السياسي، يتفق مع هذا الرأي المحلل السياسي رامي الخليفة العلي، لكنه يؤكد أنّ هذا مرهون بمدى قدرة المجلس العسكري في الحفاظ على مصالح الدول الغربية في النيجر، "فإذا شعر الغرب بأيّ تهديد آنيّ أو مستقبلي، سيكون التدخل العسكري رغم مخاطره احتمالا قائما". ولا يمكن الجزم بأنّ دول "إيكواس" يمكنها اتخاذ قرار بالتدخل العسكري حاليا رغم توافر الظروف التي تستدعي ذلك، باعتبار أنّ هناك تخوفا من امتداد هذه الموجة إلى دول مجاورة في المنطقة، بحسب الخليفة العلي، والذي يضيف: "هي منطقة تعاني بالفعل انقلابات عدة منذ سنوات قليلة". وفي حال إقرار التدخل العسكري في النيجر، لن تكون هذه المرة الأولى لمجموعة "إيكواس"، إذ شاركت قبل ذلك بقوات عسكرية في أكثر من مرة، لوقف الانقلابات أو مجابهة تمرّد مسلح، أو مراقبة الحفاظ على السلام في دول المنطقة. وكان آخر تدخل عسكري لـ"إيكواس" في عام 2017، حينما أرسلت 7 آلاف جندي إلى غامبيا من الجارة السنغال، لإجبار الرئيس يحيى جامع على الذهاب إلى المنفى والتنازل عن الرئاسة لأداما بارو الفائز في الانتخابات، وهو ما حدث بالفعل، حيث أُطلق عليها اسم عملية استعادة الديمقراطية. (المشهد)