صوّتت روسيا يوم الأربعاء الماضي ضد حق النقض (الفيتو) على مقترح القرار الذي أعدّته الولايات المتحدة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يدعو الدول إلى منع التسلح في الفضاء، وأثارت هذه الخطوة تساؤلات حول إمكانية إخفاء شيء ما من قبل موسكو. وتم تقديم المقترح بعد اتهام واشنطن لروسيا بتطوير أسلحة نوويّة مضادة للأقمار الصناعية للاستخدام في الفضاء، وهو ما نفته روسيا سابقًا من خلال تصريحات رئيسها فلاديمير بوتين، الذي أكد رفض موسكو لوضع أسلحة نوويّة في الفضاء. بعد التصويت، اتهم سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، واشنطن بمحاولة تشويه سمعة موسكو، وأعلن عن نيّة روسيا بدء مفاوضات قريبة مع أعضاء المجلس بشأن مقترح ستقدمه روسيا بنفسها، بهدف الحفاظ على الفضاء كمنطقة آمنة خالية من السلاح. في المقابل، أبلغت السفيرة الأميركيّة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، المجلس بأنّ استخدام روسيا لحق النقض يطرح تساؤلا مهمًا، وهو "إذا كانت روسيا تحترم القوانين التي نؤمن بها جميعًا، فلماذا لا تدعم قرارًا يدعو إليها؟ هذا أمر محير ومثير للجدل".منع التسلح النووي في الفضاء ووفقا للقرار الجديد، يجب على الأعضاء الموقعين على إعادة التصديق على معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، وقّع عليها دول عدة من بينها روسيا وأميركا، الامتناع عن وضع أي أجسام تحمل رؤوسّا نوويّة أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل في مدار حول الأرض.وكانت روسيا والولايات المتحدة، إلى جانب العديد من البلدان الأخرى، قادرين على الاتفاق على هذه المعاهدة في ذروة الحرب الباردة، لأنهم أدركوا أن ضبط النفس الاستراتيجيّ كان السبيل الوحيد لضمان استمرار كل منهما في الوصول إلى هذه المعاهدة الجديدة، وبمعنى آخر، بعد اختباراتهم النووية والنبض الكهرومغناطيسي في الستينيات، أدركوا أنه لا توجد وسيلة لاحتواء آثار هذه الأسلحة، التي تؤثر على قدراتهم، وفقا لعدد من الأبحاث. ويعد الفضاء أمرًا بالغ الأهمية للأمن الوطني والإقليمي والدولي، وذلك بسبب مدى تكامل الخدمات الفضائية مع الحياة المدنية والعمليات العسكريّة. في السياق، يرى المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي عمرو الديب في حديث إلى منصة "المشهد" أنّ "الأمر هنا مرتبط فقط ببعض الصياغات القانونيّة في عمليّة صياغة قرارات معينة تتعلق بالحد من التسلح في الفضاء"، مشيرا إلى أنّ موسكو لم تدعم القرار، لأن "الأميركيين واليابانيين المشاركين في صياغة القرار الأخير رفضوا بشكل قاطع إدراج الإضافة" التي اقترحتها روسيا والصين في قرار سابق. ويضيف الديب أنّ "الفيتو الروسي جاء ردًا على رفض مشروع التعديل المشترك الذي قدمته مع الصين بشأن الحظر الكامل على عسكرة الفضاء، وكانت تعني الفقرة الروسية الصينية الإضافية ضمنياً دعوة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى "جميع الدول، وقبل كل شيء تلك التي لديها إمكانات فضائية كبيرة، إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمنع النشر الدائم للأسلحة في الفضاء الخارجي"، وهنا القصد جميع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية. بدوره، لا يعتقد المحلل السياسي الأوكراني فلوديمير شوماكوف في تصريح لمنصة "المشهد" أنّ "روسيا تمتلك أسلحة نوويّة متطورة في الفضاء"، قائلا: "روسيا متخلّفة تكنولوجيًا، وهي فشلت في إرسال أقمار صناعيّة إلى الفضاء، أي أنّ روسيا لديها مشاكل تكنولوجيّة، لأسباب عدة، مثل العقوبات الغربية، والفساد، والتبجح الروسي هو فقط لتخويف الغرب، وزارعة الهلع بين حلفائه". ويبين شوماكوف أنّه "لا توجد إمكانية لحماية الأقمار الصناعية في الفضاء، وسنشاهد سباقًا في تطوير إمكانيات استخدام السلاح النووي في الفضاء".رغبة واشنطنفي الآونة الأخيرة، كشفت تقارير أمريكيّة أنّ روسيا تطور سلاحها النوويّ في الفضاء، حيث نقلت قناة "إيه بي سي نيوز"، عن مصدرين أميركيين أنّ التهديد مرتبط بروسيا وخططها لنشر أسلحة نووية في الفضاء، وهذا التهديد لا يرتبط "بإسقاط سلاح نوويّ على الأرض، بل ربما لاستخدامه ضد الأقمار الصناعية". كذلك، قالت صحيفة "واشنطن بوست" نقلًا عن مصادر استخباراتيّة مطّلعة إنّ روسيا تعمل على تطوير قدرة فضائيّة لمهاجمة الأقمار الصناعية باستخدام سلاح نوويّ، وهي خطوة أثارت قلق مسؤولي الأمن القومي والمشرعين الأميركيين من أنّ روسيا يمكن أن تتدخل أو تعطل أنظمة الاتصالات والاستخبارات.فيما أكد مسؤولون أميركيون لصحيفة "وول ستريت جورنال" أنّ واشنطن تواصلت بشكل مباشر مع موسكو للتحذير من نشر أسلحة نوويّة جديدة في الفضاء.لكن على النقيض من ذلك، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين إنّه يعارض نشر أسلحة نوويّة في الفضاء، مؤكدا أنّ أنشطة روسيا في الفضاء لا تختلف عن أنشطة الدول الأخرى، ومن بينها الولايات المتحدة. فيما تشير إدارة بايدن إلى أنّ الجهود الأميركية في التواصل مع موسكو تأتي ضمن حملة دبلوماسية تقوم بها إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بهدف "درء أيّ تهديدات" في الفضاء، والتي قد تطال مصالح حلفاء مقربين. في هذا السياق، يقول الديب إنّ "الولايات المتحدة وحلفاءها يريدون الحفاظ على الحرية الكاملة في الفضاء من أجل بناء أسلحة فضائيّة غير نوويّة متقدمة خاصة بهم، وكل مبادراتهم الفضائية في مجلس الأمن تتعلق بالأسلحة النوويّة التي يمكن أن تمتلك فيها روسيا مميزات، وهذا مشروع القرار كان يستهدف منع القدرات الروسية وتطورها في الفضاء". ويشير الديب إلى أنّ "روسيا لا تريد التسلح النوويّ في الفضاء، ولكن هي ترى أن المنع والحدّ يجب أن يكون شاملا لجميع أنواع الأسلحة والأنظمة الفضائية، وروسيا بشكل عام بعيدا عن هذا الأمر ترى أنّ لها ميزة نسبيّة في مكافحة الأقمار الصناعيّة وقبل فترة قامت بتجربة أحد الصواريخ المعدة لذلك، الأمر الذي دفع بايدن للتفكير في زيادة وتيرة المباحثات الخاصة بهذا الشأن مع موسكو، وروسيا تريد أن تستغل هذه الميزة من أجل تحقيق مطالب لها وللصين فيما يخص سباق التسلح في الفضاء". فيما يشرح شوماكوف أنّ "أميركا ترغب في وقف تطوير إمكانيات استخدام السلاح النوويّ في الفضاء لأنّ هذا الأمر خطير جدا، إذ يؤدي إلى نشر الفوضى في حال استخدمت روسيا الأسلحة النووية في الفضاء، وذلك لأنّها ستدمر عدداً كبيرًا من الأقمار الصناعية".العودة إلى سباق التسلح يعود سباق التسلح الذي كان قائما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقا أثناء الحرب الباردة تدريجيًا بينهما، حيث لعب الدعم الغربي لجارة روسيا (أوكرانيا)، ومن تم شن روسيا حربا عليها دورا كبيرا في تسريع هذا السباق. ونتيجة لذلك يفسر عددا من المحللين الأميركيين سلوك روسيا الحالي، بأنّه يشكل محاولة لإرغام الولايات المتحدة وحلفائها على الاختيار بين الحفاظ على نظام الحدّ من الأسلحة الثنائي أو استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا. يشدد شوماكوف على وجود سباق تسلح بين المعسكرين الشرقي والغربي قائلا: "نحن أمام مرحلة جديدة في حرب عالمية ثالثة"، لافتا إلى أن ّ"روسيا هددت حوالي 60 مرة باستخدام السلاح النوويّ في أوكرانيا".فيما ينهي الديب حديثه بالقول: "نحن نعيش حالة صراع ساخنة لم تحدث حتى في أوج الحرب الباردة، وحالة الصراع هذه تقود الدول الكبرى إلى سباق التسلح والنفوذ في كل المجالات وكل النقاط الجيواستراتيجيّة الهامة، الفضاء مسرح مهم جدا لأنّه حاضن لمعظم الاتصالات والتحكم الإلكتروني".(المشهد)