يكافح الزوجان سميح وعالية أوزتورك، كغيرهم من الناجين من زلزال تركيا، من أجل المضيّ قدُمًا في حياتهم، التي "انقلبت رأسًا على عقب" مع ابنتهما أيما ذات الـ7 سنوات. في غرفة صغيرة مسبّقة الصنع ضمن مخيّم استُحدث لإسكان الناجين من الزلزال في مدخل مدينة أنطاكيا المتوسّطية جنوب غرب البلاد، تخطط العائلة، التي خسرت منزلها، للقادمات من الأيام التي "لا تبشّر بالخير" بحسب رأي سميح، استاذ المدرسة الثلاثيني. ويروي سميح لمنصة "المشهد" يوميّاته في المجمّع السكنيّ المؤقت، الذي يضم نحو 200 عائلة، قائلًا: "الحياة هنا أشبه بمعسكر تدريبي، أفعالنا وأعمالنا وحتى يوميّاتنا مكررة، نحاول خلق نوع من البهجة في الغرفة الوحيدة التي نأكل ونشرب وندرس وننام فيها". مضيفًا، "الحمد لله على كل حال، لكنّ تفاصيل الحياة هنا صعبة للغاية". "أصواتهم لا تزال في مسامعي" وعلى الرغم من مرور عام على الزلازل التي ضربت ولاية مرعش التركية و 10 ولايات أخرى جنوب البلاد في 6 فبراير الماضي، إلا أنّ انطاكية "المنسيّة" لا تزال أشبه بساحة من الركام، عدا القليل من المحالّ والمطاعم المقامة في مقصورات معدنية وعدد من السيارات التي تمرّ من أمامها، وخيم في الحدائق الخضراء وسط تلال من الإسمنت. إحدى هذه الخيم، أصبحت المسكن الدائم للخالة أينور البالغة من العمر 64 عامًا، التي فقدت 12 فردًا من أبنائها وأحفادها في الزلزال. تعيش أينور، التي تنقّلت طوال أشهر بين عدد من الخيم والمقصورات الممنوحة لإخوتها وأقاربها، وحيدة في خيمتها، "فالكل منكوب، ولا تريد أن تكون عبئًا على أحد". لكنها تؤكّد خلال حديثها مع مراسل "المشهد"، أنها ليست وحيدة، "أصوات أحفادي واستغاثاتهم لا تزال ترنّ في أذني حتى اليوم، ولا أعتقد أنّ بإمكاني نسيانها إلى حين أن أُدفن تحت التراب مثلهم". تنهمر دموع المسنّة العاجزة وهي تروي كيف "أنّهم كانوا من أكثر العائلات سعادة في الحارة التي دُمّرت بشكل كامل، لتضيف، "ليست الحارة فقط، أنطاكيا كلّها مدمّرة، هذه ليست المدينة التي وُلدنا وعشنا فيها، لقد أصبحت مدينة أشباح". تأمين المياه والمرحاض، أكبر مشكلتين تواجهها أينور وجيرانها في الخيم المتناثرة. "الأولاد يجلبون لي مياه الشرب، واستخدم مراحيض المنازل المدمّرة القريبة من خيمتي"، تقول بصوتها الخافت حزنًا وخجلًا. تعيش أينور على الراتب التقاعديّ لزوجها الذي "لا يكاد يسدّ الجوع"، وتقضي وقتها في الأيام المشمسة بالجلوس على أطلال منزلها المدمّر، والتحدّث مع أحبائها "ممّن ابتلعهم الزلزال" وكل ما تنتظره من هذه الحياة، أن يتم إعادة بناء منزلها بعد تقييم الحالة الفنّية والطبوغرافية للأرض. مشاريع حكومية متأخرة أعلنت وزارة البيئة والإسكان التركية عن خطط لإسكان المتضررين في منازل ستقوم بإنشائها، على أن تغطّي 60% من تكلفة المنازل التي سيتمّ بناؤها في أحياء محددة من المدينة المنكوبة، مقابل 40% من الكلف التي تقع على عاتق المتضررين. ولن تقوم الوزارة بتحصيل أيّ دفعة من المستفيدين عن أول سنتين، وسيتم سداد المستحقّات المالية خلال 18 سنة على أقساط متساوية وبدون فوائد. ووفقًا للخبراء الذين يقولون إنّ البنوك لن تقدّم قروضًا لذوي الدخل المنخفض، فإنّ خطة السداد المقترحة ليست مجدية. يقوم بعض المتضررين، الذين فقدوا الأمل في قيام الحكومة بنقل الأنقاض وتسوية تلال الركام ببناء منزلهم في المستقبل القريب، ببناء منازل جديدة بوسائلهم الخاصة، في مناطق زراعية بعيدة عن مركز المدينة، باستخدام وسائل بداية وموادّ من الفولاذ والجبس. ويؤكد العديد من أبناء أنطاكية ممن تحدثوا إلى منصّة "المشهد"، أنّ "المتضررين في مدن أخرى، انتقلوا إلى مساكن دائمة، فيما لا نزال ننتظر إزالة الأنقاض، داخل خيم تشبه الأفران صيفًا والبرادات شتاءً".مساكن الزلزال العشوائية شهدت ولاية هاتاي (لواء إسكندرون) التي تتبع لها مدينة أنطاكية، بناء آلاف المباني بشكل غير منتظم بعد الزلزال، لتتحول إلى آفة مستفحلة باتت تُعرف في المراسلات الرسمية بمصطلح "مساكن الزلازل". بعد مرور عام، تم وضع أساسات 3000 منزل فقط في هاتاي الولاية، التي يبلغ عدد من فقدوا منازلهم من أبنائها، 600 ألف شخص، باتوا بدون مأوى بحسب الأرقام الرسمية. العمّ توفيق، أحد هؤلاء الذين اعتمدوا على سواعدهم لبناء مسكن يأويهم "إلى حين أن تفرج". يروي سائق سيارة الأجرة الستينيّ لمنصة "المشهد"، تفاصيل حياته ما بعد الزلزال قائلًا: "هدم الزلزال مكتب سيارات الأجرة التي كنت أعمل فيه، وبما أنني لا أملك حرفة أخرى أو مالًا كافيًا لتأسيس مشروع جديد، قررت العمل في بيع المعجّنات المحضّرة على التنّور الحجريّ والآخر الحديدي". في كشك معدنيّ على الطريق الرئيسيّ الواصل بين أنطالكية وريفها الغربي، يقوم توفيق منذ ساعات الصباح الباكر، بتجهيز المعجنّات والشاي والقهوة التي يبيعها للمتضررين أمثاله من سكّان المقصورات الحديدية والخيم، أو السيارات المتّجهة من وإلى المدينة. وعن منزله الجديد يروي توفيق، "بعد تحضير الكشك، قررت أنّ بإمكاني بناء منزل متواضع أيضًا. جلبت ما يلزم من الموادّ الأولية وقمت ببناء غرفتين خلف المحلّ تؤويني مع زوجتي وأولادي الثلاثة. صحيح أنه لا يشبه منزلنا المدمّر، لكنّه يقينا من حرّ الصيف وبرد الشتاء. على الأقل أصبح لدينا سقف يؤوينا". وينهي توفيق حديثه مع "المشهد" بالقول، "يأتينا المسؤولون بوعود كثيرة ووفود كبيرة من الكاميرات والإعلاميّين، لكن على أرض الواقع لم يتحقق شيء.. على أمل أن يصل صوتنا إلى مسامعهم".(المشهد)