بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، وجد العراق نفسه أمام واقع مختلف، فرض عليه سياسات جديدة مع جارته سوريا، خصوصًا بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على مفاصل السلطة في دمشق، هذه القوى التي تحمل تاريخًا يصفه العراق بالأسود على أراضيه، وارتباط معظم قادتها بتنظيم "داعش"، الذي سيطر على مساحات واسعة من العراق في العام 2014.سقوط الأسدولم يتمكن العراق أن ينأى بنفسه عما يجري في سوريا، حيث يتشارك البلدان ما يزيد عن 600 كيلومتر من الحدود البرية، ومع اليوم الأول لسقوط النظام السوري، دخل أكثر من 1500 جندي وضابط سوري، الأراضي العراقية عبر معبر القائم الحدودي غربي البلاد، وفي المقابل أعلنت قوات الحدود العراقية حالة التأهب لمواجهة أيّ خطر محتمل لعودة "داعش". ويتشارك العراق مع سوريا، العديد من الملفات، بالإضافة إلى ملفي الضباط السوريين وخطر "داعش"، حيث تعمل على الأراضي العراقية والسورية معاً، فصائل مسلحة تابعة "لحزب الله العراقي"، وفصائل موالية لإيران، ضمن ما يسمى "جبهة الإسناد" دعماً للشعب الفلسطيني في حربه ضد إسرائيل. ما هو مستقبل العلاقات العراقية السورية؟ كيف سيتعامل العراق مع سوريا الجديدة؟ورغم استلام أحمد الشرع الملقّب بالجولاني، السلطة في سوريا، ومسارعة الرؤوساء العرب والوفود الأوروبية لزيارة دمشق، إلا أنّ العراق اكتفى بإرسال رئيس جهاز المخابرات أحمد الشطري إلى دمشق، بعد نحو 3 أسابيع من سقوط نظام الأسد، كما نشرت الرئاسة السورية مؤخراً قائمة الدول التي هنئت أحمد الشرع بعد توليه منصب رئيس الجمهورية العربية السورية، وكان العراق أبرز الغائبين.ويبدو أنّ السلطات العراقية، تعيش تضارباً في مواقفها تجاه الحكومة الجديدة في سوريا، ففي الوقت الذي كشفت فيه مصادر مطلعة عن تفاصيل جديدة تتعلق بزيارة وزير خارجية سوريا أسعد الشيباني إلى بغداد للمشاركة في مؤتمر القمة المزمع عقده الشهر المقبل، انتقد نوري المالكي (رئيس الوزراء العراقي السابق وزعيم ائتلاف دولة القانون)، أعضاء الحكومة السورية الجديدة بسبب تاريخهم في العراق، حسب رأيه.رسائل الجولاني ويقول مستشار ائتلاف دولة القانون عباس الموسوي، إنّ الرئاسة العراقية منذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003 وحتى الآن، لم تبادر بالعداء تجاه أيّ دولة أخرى، بل كانت النوايا من القيادات السياسية العراقية بمجملها، للانفتاح على المحيط العربي والإسلامي، وبناء علاقات جيّدة مع الدول الأوروبية وأميركا، لكن بالنسبة لسوريا، يبدو أن هناك مخاوفًا لدى الكثير من القيادات العراقية، تجاه التغيير الذي يُطرح الآن من خلال الجولاني، وهل فعلاً الجولاني غيّر أفكاره ورؤيته وإستراتيجته؟ويضيف الموسوي، لمنصة "المشهد"، أن أغلب السياسيين العراقيين، ينظرون إلى ما حصل ويحصل في سوريا بنظرة الترقّب، لأنّ الماضي يعُيد للذاكرة الكثير من المخاوف حول شخصية الجولاني، الذي شارك في الفتنة العراقية، وكان جزءاً من تنظيم "القاعدة"، لذلك لم تبادر الرئاسة بالمباركة للجولاني أو زيارته.وعن موقف دمشق من بغداد، يقول الموسوي: "لم نسمع أيّ موقف إيجابي أو اعتذار من الجولاني عن ماضيه في العراق، هنالك تجاهل واضح من القيادة السورية الجديدة بإرسال رسائل اطمئنان لنا".ويؤكد الموسوي أنه، لا يمكن لأحد أن يخترق الوضع السياسي العراقي من خلال محاور دولة داعمة للشرع. مضيفاً: "الرسائل الإيجابية التي ننتظرها من الحكومة السورية لم تصلنا بعد، هذه الرسائل هي التي ستحدد مصير العلاقات السورية العراقية أو طبيعة سيرها في المستقبل".وما يجعل الموقف السياسيّ العراقي أكثر تعقيداً من غيره، هو أنّ الحكومة العراقية مقسّمة بين الداعمين لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وقوى الإطار التنسيقي المتمثلة بالكتلة الشيعية، والمرتبطة بما يسمى بالدولة العميقة، التي يتحكم بقراراتها زعيم حزب الدعوة نوري المالكي، وحزب تقدم المتمثل برئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، إضافة إلى بعض الأحزاب السنية الأخرى، والكتلة الصدرية والكتلة الكردية.لماذا لم يبارك العراق للشرع؟ ويؤكد النائب علي البدر المقرّب من رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أن هناك عوامل داخلية منعت الحكومة العراقية من اتخاذ خطوات متقدمة تجاه الحكومة السورية الجديدة، كما أن الحكومة العراقية لديها ملاحظات كثيرة على أداء الحكومة السورية حالياً، لذلك لم تبادر الحكومة العراقية بالمباركة لأحمد الشرع على استلامه منصب رئيس الجمهورية العربية السورية.ويقول البدر، أن هناك زيارة قريبة لوزير الخارجية السورية أسعد الشيباني، لكنها لم تحدد بعد، هذه الزيارة مهمة بالنسبة للعراق، لأنه سيتم خلالها مناقشة العديد من الملفات التي تهم الجانب العراقي، في مقدمتها، العلاقة بين العراق وسوريا في ظل الوضع السوري الجديد، الملفات الأمنية المرتبطة بـ"داعش"، هل سيلعب النظام الجديد دورًا سلبيًا ضد العراق؟، هذه أهم نقطة بالنسبة لنا، إضافة لوضع السوريين العسكريين والمدنيين في العراق كيف سيكون؟ والكثير من التفاصيل التي سوف يتم التطرق إليها. العلاقات العراقية السورية ومنذ اندلاع الحرب في سوريا في العام 2011، وجد الكثير من الشبان السوريين، الفارين من الخدمة الإلزامية، من العراق مكانًا آمنًا لهم، دخل معظمهم الأراضي العراقية بطرق غير شرعية، كما شهد العراق خلال السنوات الماضية هجرة سورية غزيرة نتيجةً للأوضاع الاقتصادية المتدهورة في سوريا، إضافة إلى أكثر من 500 ألف لاجئ سوري معظمهم من أكراد سوريا، يعيشون في المخيمات في مدن إقليم كردستان. وبعد سقوط النظام السوري في العام 2024، فرّ عدد من جنود الجيش السوري إلى الأراضي العراقية، عاد بعضهم، بينما مازال معظمهم ينتظر مصيره، ورغم نفي وزارة الداخلية العراقية إعطاء بطاقات إقامة مؤقتة لهم، إلا أنّ مصادر عسكرية عراقية أكّدت حصولهم عليها.مصير الجنود السوريين ويقول العميد الركن أعياد الطوفان، لمنصة "المشهد"، إنه في 7 و8 ديسمبر من العام الماضي، دخل عبر منفذ البوكمال العراقيّ الحدوديّ مع سوريا، 2493 جنديًا وضابطًا سوريًا، عاد منهم إلى سوريا 1905 جنود فقط، أيضاً دخلت مجموعة تقدّر بـ100 رجل، من كبار رجال النظام السابق، من قيادات الفرقة الرابعة والاستخبارات، والمخابرات الجوية.ويوضح العميد الطوفان، أنه تمّ تقسيمهم إلى 3 مجموعات، أكثر من 473 جنديًا، متواجدون الآن في معسكر أشرف شمال مدينة الخالص في محافظة ديالى، والمجموعة الثانية موجودة في معسكر جنوبي بغداد، أما المجموعة الأخيرة فهي الضباط والجنود الذين تم نقلهم من بغداد إلى معسكرات بيلاروسيا وروسيا.فرقة ماهر الأسدوكشف الطوفان لمنصة "المشهد"، أنّ هؤلاء الجنود والضباط السوريين، يتلقون دعمًا وتدريبًا وتسليحًا من قبل الميليشيات العراقية، يتم تدريبهم للعمل ضد النظام الجديد في سوريا، كما أنهم شكّلوا قيادة عمليات مشتركة في بغداد، مضيفاً: هؤلاء ليسوا موجودين في الرطبة، بل في معسكرات جنوبي بغداد في منطقة جرف الصخر، لكن غرفة العمليات المشتركة التي شكّلوها موجودة وسط بغداد، معظم هؤلاء الجنود هم من الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد.وأكد العميد الطوفان، أن المعسكر الذي تم افتتاحه في مدينة الرطبة في 7 و8 ديسمبر كان فقط لاستقبالهم، وبعد أن عاد 1905 جندي وضابط إلى سوريا، تم إغلاق معسكر الرطبة ورُفعت الخيم، ثم تم نقلهم إلى معسكر أشرف ومعسكر آخر في جرف الصخر. كما أن هناك معسكر تم افتتاحه لبعض هؤلاء الجنود بعد أن دخلوا بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية إلى مدينة السليمانية (أحد محافظات إقليم كردستان شمال العراق) هذا المعسكر سرّي جداً، يقع تحديدًا في منطقة "قره تشولان".وختم العميد الطوفان، حديثه لمنصة "المشهد"، قائلًا:بالتأكيد على أنه تم منح الإقامة المؤقتة لهؤلاء الجنود والضباط السوريين، ولن يتم إعادتهم إلى بلادهم، إلا في حال رغبوا بذلك، كما لن يتم إجبارهم على العودة. (بغداد - المشهد)