داخل القصر المنيف في حدائق أنطونيادس الرائعة في مدينة الإسكندرية، التي تطلّ على البحر المتوسط، شماليّ مصر، كانت الاجتماعات التحضيرية لإنشاء الجامعة العربية وبالتحديد في عام 1942. وبعد مرور بضعة أعوام، وُلدت جامعة الدول العربية، لتكون الإطار الذي يجمع الدول العربية تحت مظلّتها.69 عامًا مرّت، لكنّ جامعة الدول العربية لا تزال تحاول الصمود في وجه الأزمات والتغيرات الإقليمية والدولية، التي طرأت على العالم أجمع، وعلى المنطقة العربية على وجه التحديد. وخلال هذه السنوات مرّت المنظمة، التي تتّخذ من العاصمة المصرية القاهرة مقرًا لها، بتحدّيات عدة، ما بين خلافات عربية وحروب إقليمية، خصوصًا مع إسرائيل، ما جعل البعض يتساءل أين دور الجامعة العربية؟ وهل ما زالت تؤثر في القرار السياسيّ العربي؟ ويرى محللون في حديث لمنصة "المشهد"، أنّ جامعة الدول العربية هي إطار مؤسّسيّ جامع للدول العربية، لمناقشة التحديات التي تواجهها على المستوى السياسيّ والعسكريّ والاقتصادي، ويبقي وجودها مهمًا حتى وإن تراجع دورها خلال الأعوام الماضية. وأشاروا إلى أنّ ضعف تأثير دور الجامعة العربية، يرجع إلى عدم وجود أدوات ضغط حقيقية للتأثير في الأحداث الإقليمية والدولية، فضلًا عن عدم وجود إرادة حقيقية للدول الأعضاء في جعل تأثيرها أكبر من ذلك ولكن تظلّ أهمية هذه الجامعة قائمة. تعبير عن الهوية العربية وقال مساعد وزير الخارجية المصريّ السابق، السفير محمد حجازي، إنّ الجامعة العربية هي إطار مؤسسيّ شامل لكل ما يشغل الدول العربية على المستوى الأمنيّ والعسكريّ والاقتصاديّ والثقافي، ومن هنا تأتي أهمية دورها في التعبير عن الرؤية العربية. وفي حديث لـ"المشهد"، أشار حجازي إلى أنّ دور الجامعة ليس مقتصرًا على الشقّ السياسيّ فقط رغم أهميّته، ولكن يمتدّ لكل أوجه التنمية والصحة وقضايا التنمية في المنطقة العربية. وحول تأثيرها، أوضح مساعد وزير الخارجية المصريّ السابق، أنّ الجامعة تقوم بدورها حاليًا في تقديم وجهة النظر العربية في المحافل الدولية، خصوصًا في الأمم المتحدة، لافتًا إلى ضرورة التفريق بين الإرادة السياسية وباقي الأنشطة، فأيّ منظمة دولية تشهد اختلافات وتباين في الرؤى بين أعضائها، وهذا شيء لا يعيبها. وأكد حجازي أهمية بقاء الجامعة العربية كحاضنة حافظة للهوية العربية، فهي مؤسسة سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية، تتناول جوانب العمل العربيّ الحكوميّ المشترك على مستوى القادة والوزراء. وبحسب ميثاق الجامعة العربية، فيكون الأمين العام للجامعة شخصية مصرية، إ يتولى المنصب حاليًا وزير الخارجية المصرية الأسبق، السفير أحمد أبو الغيط منذ عام 2016. وخلال عمر الجامعة لم يخرج مقر الجامعة العربية من العاصمة المصرية، إلّا حين قامت مصر بتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عقب حرب أكتوبر، وبالتحديد في عام 1979، إ جرى نقل مقرها إلى تونس، واستمر ذلك حتى عام 1989 لتعود بعدها مرة أخرى إلى القاهرة.لا تملك أدوات ضغط على الجانب الآخرى، يرى المحلل السياسيّ المصريّ، الدكتور أسامة السعيد، أنّ جامعة الدول العربية هي تنظيم إقليميّ يستمد قوّته من قوة أعضائه، لافتًا إلى ضرورة تعديل ميثاق الجامعة ليُواكب التحديات والمخاطر التي تحيط بالدول العربية في الوقت الراهن. وقال السعيد، في حديث لـ"المشهد"، إنّ الجامعة ليس لها دور كبير في الوقت الحالي، بسبب عدم وجود أدوات ضغط وآليات تنفيذ القرارات في يدها، مُشيرًا إلى أنها لم يكن لها أيّ دور ملموس في الخلافات التي نشبت بين الدول العربية، إذ لم يكن لها دور يُذكر في رأب الصدع في التوتر بين المغرب والجزائر، وفي الحرب في السودان، وكذلك حرب غزة. وأضاف، "كلما زادت مساحة الاختلاف بين الدول العربية، كلما انعكس ذلك على أداء الجامعة"، لافتًا إلى أنّ السنوات الماضية شهدت تنسيق مواقف على مستوى أقل من الدول العربية، مثل ما حدث بين الجزائر وسوريا. وأشار إلى أنّ الجامعة العربية ليس الكيان العربيّ الوحيد الذي يقوم على تنسيق المواقف العربية، وحماية مصالح أعضائها، فمجلس التعاون الخليجيّ أيضًا، يقوم بدور محوريّ في تنسيق المواقف السياسية والاقتصادية لدول المجلس. واقترح السعيد ضرورة إجراء عمليات تحديث وتغيير في نظام عمل الجامعة العربية، ليكون أشبه بالاتحاد الأوروبي، ليرعى مصالح الدول الأعضاء، لافتًا إلى أنّ الجامعة تعاني من بيروقراطية في نظام إداراتها. وقال إنّ الميثاق جرى تغييره خلال فترة تولي الأمين العام الأسبق عمرو موسى، ليكون اتخاذ القرار بأغلبية الأعضاء وليس بالإجماع، لأنّ هذا البند كان يعطّل الكثير من القرارات التي كانت تحتاج إلى حلّ سريع. ولفت إلى أنّ هناك معايير عدة تحكم قدرة الجامعة على التأثير، منها على سبيل المثال، قدرة الأمين العام على التواصل بين القادة العرب والتشاور في ما بينهم، لتنسيق المواقف واتخاذ القرارات في التحديات التي تعصف بالمنطقة. (المشهد)