شهد آخر استحقاق انتخابيّ في تونس، نسبة مشاركة متدنية، ما يثير الكثير من الأسئلة حول تأثير ذلك على الانتخابات الرئاسية المرتقبة نهاية العام الحالي. والأحد الماضي أنهت تونس صفحة أول انتخابات محلية في البلد، اتسمت بضعف الإقبال على التصويت، ولم تتجاوز نسبة الاقتراع في الانتخابات المحلية 12.5% خلال الدورة الثانية، بفارق بسيط عن الأولى التي شارك فيها 11.6% فقط من الناخبين، وفقًا للأرقام الرسمية التي قدمتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. والانتخابات المحلية هي خطوة نحو استكمال الغرفة التشريعية الثانية في تونس، وهي مجلس الأقاليم والجهات. ويأتي ضعف نسبة التصويت في هذه الانتخابات الأولى من نوعها في البلد في وقت بدأ فيه الحديث عن الاستحقاق الرئاسيّ القادم الذي يُعتبر أبرز حدث سياسيّ مرتقب في تونس، خصوصًا وأنه يأتي في مشهد متوتر ما زالت فيه الأزمة بين المعارضة والرئيس سعيّد متواصلة. مسلسل العزوف عن الانتخابات وتحوّل العزوف عن التصويت إلى ظاهرة في تونس خلال العامين الأخيرين، إذ لم يشمل الانتخابات المحلية فقط، بل إنه رافق أيضًا الانتخابات التشريعية التي كان البلد قد نظّمها نهاية عام 2022، ولم تتجاوز نسبة الاقتراع حينها 11.2%، وهي أقل نسبة تصويت في تاريخ البلد. ويقول المحلل السياسيّ هشام الحاجي، إنّ الانتخابات المحلية أكدت وجود نزعة عن العزوف عن التصويت لدى التونسيّين. وأوضح في حديثه مع منصّة "المشهد"، أنّ هذا التراجع بدأ يصبح ملحوظًا منذ الانتخابات الرئاسية في عام 2019، وهو ما يعطي الانطباع بأنّ الظاهرة تعمّقت. وفي تقديره لهذه المقاطعة سببان: الأول هناك ما يشبه وجود قطيعة بين التونسيّين والطبقة السياسية بشكل عام، خصوصًا ما بعد 2022، وذلك بسبب غياب أو تغييب الأجسام الوسيطة وفي مقدمتها الأحزاب. والثاني سوء الفهم والضعف الاتصاليّ الذي رافق الانتخابات المحلية في توضيح وشرح الأهداف من هذه الانتخابات، ودور المجالس المحلية وعلاقتها بمجلس النواب. ويعتبر الحاجي أنّ منعرج 2011 فتح أبواب الأمل أمام التونسيّين، لكن بمضيّ السنوات ترك مكانه لخيبة أمل واسعة بدأت تتعاظم، وهو ما نتج عنه فتور العلاقة بين الشعب والطبقة السياسية.تحدّي الرئاسيات في تونسومن المنتظر أن تنظم تونس الانتخابات الرئاسية خلال شهر سبتمبر أو أكتوبر المقبلين، وفق ما أكده المتحدث باسم هيئة الانتخابات التليلي المنصريّ قبل أيام. وكان موعد الانتخابات الرئاسية محلّ جدل قبل أن تحسم هيئة الانتخابات الأمر، مؤكدة أنه قائم في موعده أي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام، وذلك ردًا على شكوك حول إمكانية عدم تنظيمها هذا العام. ويطرح ضعف المشاركة في الانتخابات المحلية الأسئلة حول مدى انعكاس ذلك على الاستحقاق الرئاسي. ولا يستبعد مراقبون أن يتواصل العزوف في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويقول الحاجي، "إذا لم تكن هناك رؤية واضحة للمستقبل، فإنّ هذه النزعة ستتعمق وستكون لها انعكاساتها على الانتخابات الرئاسية، خصوصًا أنّ الوضع السياسيّ الحاليّ لا يشير إلى إمكانية وجود مناخ تنافسيّ في الانتخابات الرئاسية المرتقبة". لكنّ الخبير في الانتخابات والرئيس السابق لشبكة مراقبون المختصة في مراقبة الانتخابات سيف العبيدي، يخالف هذا الرأي، مؤكدًا أنّ الاقبال على المشاركة في أيّ انتخابات، يعتمد على نوعية الرهان المرفوع، موضحًا في حديثه مع منصّة "المشهد"، أنه" لا يمكن مقارنة استحقاق الانتخابات المحلية باستحقاق الانتخابات الرئاسية، لأنّ الرهان ليس ذاته ولا يمكن الربط بينهما". ويلفت إلى أنّ التونسيّ شارك في انتخابات لم يكن يعلم عنها الكثير، ولا يدرك صلاحيات المجلس الذي ستفرزه، لذلك لم يتشجع على المشاركة فيها على عكس الانتخابات الرئاسية. ويتابع مؤكدًا أنه "لا نعلم إلى اليوم من سيترشح لهذه الانتخابات، وبالتالي لا يمكن الحكم مسبّقًا على مدى اقبال التونسيّ عليها". ووفق تقديره لن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية بحجم الانتخابات المحلية، لكنها لن تكون مرتفعة، مضيفًا، "لن تكون نسب المشاركة مرتفعة ولكنها لن تكون منخفضة مثلما حدث في الانتخابات المحلية". ويبرّر ذلك بأنّ التونسيّ لم يعد بشكل عام وكما أثبتته دراسات عديدة، يؤمن بأنّ الانتخابات آلية من آليات التغيير لوضعه، إضافة إلى أنّ تعدد الاستحقاقات الانتخابية في ظرف زمنيّ قصير أفرغها من محتواها وزاد من حالة العزوف. ويزيد أنّ المناخ الديمقراطيّ الشفاف، هو من أبرز العوامل لنجاح أيّ انتخابات.غموض حول المرشحين في انتخابات الرئاسةولم تعلن شخصيات لها ثقلها في تونس بعد عن نيّتها الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، وبدوره لم يقدم الرئيس سعيّد إجابة قاطعة حول مسألة ترشحه لفترة ثانية من عدمها، وقال في مناسبة سابقة حين سُئل عن نواياه، "إنه ليس في منافسة مع أحد". وقاطعت المعارضة كل الاستحقاقات الانتخابية السابقة بداية من الاستفتاء على الدستور الجديد، مرورًا بانتخابات مجلس النواب، وصولًا إلى الانتخابات المحلية، ولا يُعرف بعد موقفها من المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة. بدوره قال الأمين العام لحركة النهضة الإسلامية العجمي الوريمي، إنّ حزبه لن يقدّم مرشحًا حزبيًا للانتخابات الرئاسية لسنة 2024. وأوضح أنّ "مسألة المشاركة في الانتخابات من عدمها ما زالت موضوعًا للنقاش"، مبيّنًا أنّ عدم تقديم مرشح حزبي، دليل على أنّ النهضة لا ترغب ولا تعمل على العودة للسلطة"، لكنه كشف عن وجود تنسيق مع أحزاب أخرى لحسم الموقف من هذا الاستحقاق الرئاسي. ويحظى الرئيس سعيّد بشعبية واسعة تجعل المراقبين يؤكدون أنه سيكون في طريق مفتوح للفوز بعهدة ثانية حال ترشحه، ووحدها كانت رئيسة حزب الدستوريّ الحر عبير موسي القابعة بالسجن حاليًا، قادرة على منافسته بحسب استطلاعات للرأي كانت تضعها في المرتبة الثانية بعده. ويعتقد الحاجي أنّ غياب التنافس سيؤثر على نسبة الاقبال في الانتخابات الرئاسية، ووفق تقديره فإنّ "الرئيس سعيّد يمتلك شعبية كبيرة لا يمكن لأيّ مرشح أن ينافسه عليها، كما أنّ غياب أو تغييب المنافسين بسبب وجودهم في السجن أو خارج تونس، من شأنه أن يجعله يتقدم كمرشح وحيد لها". ويعتبر الحاجي أنّ الانتخابات في مثل هذه الوضعية، ستكون" أشبه بالمبايعة أو المعلوم نتيجتها مسبّقًا، ولن تعرف في مثل هذه الحال أجواءً تحفز الناخبين على التوجه لصناديق الاقتراع". ويستطرد موضحًا أنّ "الأحزاب السياسية أيضًا لم تعد بالشكل المطلوب والجيد لهذا الاستحقاق، وهو ما سيؤثر على نسبة المشاركة".(المشهد)