من المتوقع أن تسهم الحرب الروسية الأوكرانية في إعادة تشكيل المشهد الجيوستراتيجي في أوروبا وآسيا، إلى جانب إثارة الجدل في الأوساط العسكرية الأميركية حول كيفية هيكلة القوات وتموضعها، بحسب ما يقول المجلس الأطلسي في تقرير حديث. ويضيف المجلس، وهو مؤسسة بحثية مؤثرة في الشؤون الدولية: "بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي، هناك دروس كبيرة من هذه الحرب يتم تداولها بالفعل. لكن هذه الدروس تواجه رياحًا معاكسة خطيرة ناجمة عن تفكير التفكير السابق للبنتاغون على مدى العقود الـ3 الماضية".مستويات الاستعدادويشير التقرير الذي أعده الزميل الأول في المجلس الأطلسي أندرو ميشتا، إلى أن السنوات الأخيرة مع سيطرة الولايات المتحدة على المجالات والخدمات اللوجستية بلا منازع، ساهم ذلك في تغيير التوقعات بشأن ما سيحتاجه الجيش الأميركي عندما يتعلق الأمر بمستويات الاستعداد والمعدات لخوض الحروب الحالية والمستقبلية. ويقول ميتشا في تقريره إن الدرس الشامل المستفاد من الحرب الجارية في أوكرانيا هو ببساطة حجم ما هو مطلوب من عتاد لخوض حرب حديثة بين دولة ودولة، مشيرا إلى أن الجيوش الغربية لم تكن مستعدة لمثل هذه المستويات من استهلاك الأسلحة والذخائر واستنزاف القوة. ويضيف: "لا يوجد أي حليف في الناتو اليوم، باستثناء الولايات المتحدة، لديه مخزون من الدروع أو الذخائر التي يمكن أن تستمر لفترة أطول من بضعة أسابيع أو أشهر في أحسن الأحوال بساحات القتال الشبيهة بأوكرانيا".الكتلة تتفوق على الدقةووفق تقرير المجلس الأطلسي، جلبت الحرب في أوكرانيا أهمية مركزية للكتلة "حجم العتاد والذخائر" في مواجهة الضربات العسكرية الدقيقة والتي هيمت لسنوات على ثقافة الدفاع الأميركي. وسلطت هذه الحرب الضوء على حقيقة ثابتة بحسب التقرير تتمثل في أنه "حال الصراع بين دولة ودولة، تتفوق الكتلة (حجم العتاد والذخائر) على الدقة"، إذ يشير إلى أن الكتلة يكون لها تأثير فوري، في حين أن الضربات الدقيقة على قوات العدو أو على مستودعات الذخيرة وسلاسل الإمداد اللوجستية، يكون لها تأثير مع مرور الوقت. ويؤكد المجلس الأطلسي في تقرير أنه رغم ذلك قد تعوض المساحات الشاسعة "الفضاء" النقص في الكتلة إلى حد ما، لكن هذه الميزة الجغرافية لا تتمتع بها أي من الدول المجاورة لحلف شمال الأطلسي في حال أن غزتها روسيا، "كما أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ لن توفر مساحة مناسبة من حيث التضاريس إذا قررت الصين غزو تايوان".المبادئ العسكرية القديمةوينصح التقرير الولايات المتحدة بتبني المبادئ القديمة للحروب، والتي تتمثل في التركيز على الكتلة، "والتي مهدت الطريق لتحقيق النصر في الحرب العالمية الثانية. وسمحت أيضا لواشنطن بردع الاتحاد السوفييتي وهزيمته بنجاح خلال الحرب الباردة".ويعني استمرار الحرب في أوكرانيا، ضرورة إظهار أن المؤسسة العسكرية في أي دولة تحتاج إلى الكتلة لمواجهة كتلة الخصم، وهي الحقيقة التي كانت غائبة تقريبا عن تفكير الولايات المتحدة بشأن طبيعة الحرب منذ نهاية الحرب الباردة، حسبما يقول الزميل الأول في المجلس الأطلسي أندرو ميشتا عبر تقريره. ومنذ تسعينيات القرن الماضي، حدث تغيير جوهري في تفكير المؤسسة العسكرية الأميركية بشأن هيكل قوتها، حيث اكتسب الجيش "عقلية القوة الجوية" عبر السعي نحو تطور التكنولوجيا بشكل متزايد لتعويض الانخفاض في أعداد الجنود، مما أدى في الواقع إلى تغير استراتيجية الولايات المتحدة الراسخة في الحروب. ويشير التقرير إلى أنه "إذا انتهى الأمر بحلف شمال الأطلسي إلى حرب مع روسيا أو انتهى الأمر بالولايات المتحدة وحلفائها في آسيا إلى حرب مع الصين، فإن العامل الحاسم قد يكون القوة البشرية ومرونة الإنتاج عندما يتعلق الأمر بالأسلحة والذخائر". ويضيف: "في صراع طويل الأمد، قد يكون العامل الحاسم هو القدرة على إعادة تشكيل القوات، سواء من الأفراد أو المعدات، لتعويض التي يتم استنزافها في ساحة المعركة. وهنا يمكن أن يلعب الإنتاج المفرط للأنظمة المعقدة دورا ضد الولايات المتحدة، والتي ستحتاج إلى تعويض خسائرها بشكل أسرع من خصومها". ويؤكد المجلس الأطلسي في تقريره على أن الولايات المتحدة وحلفاءها بحاجة إلى النظر في نموذج تكوين جيوش كبيرة ودائمة من النوع المطلوب في حالة جرهم إلى حرب تقليدية كبرى مع روسيا أو الصين، أو كليهما.(المشهد)