أشارت صحيفة "فايننشال تايمز" في تقرير تحليلي إلى تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن الهجوم الإسرائيلي الوشيك على مدينة رفح الحدودية مع مصر، مشيرة إلى أنها قد تشكل نقطة تحول محتملة في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب والشرق الأوسط بشكل عام.وقال بايدن إن العملية العسكرية المخطط لها في رفح جنوب غزة، وهي المدينة الواقعة على طول الحدود مع مصر حيث سعى 1.5 مليون شخص أي أكثر من نصف سكان غزة إليها للبحث عن ملاذ آمن بعد إجبارهم على ترك منازلهم في الشمال، "لا ينبغي أن تستمر من دون خطة موثوقة" لضمان عدم تعرض الناس هناك للأذى. وأضاف أنهم "مكشوفون وضعفاء.. إنهم بحاجة إلى الحماية".لم يذكر بايدن تفاصيل العواقب، ولم يدين هجوم رفح المحتمل بعبارات صارخة مثل حلفاء الولايات المتحدة كأستراليا وكندا ونيوزيلندا، التي أصدر قادتها بيانا مشتركا هذا الأسبوع حذروا فيه من أن العملية ستكون "كارثية".رفح.. نقطة تحوّللكن بايدن أوضح يوم الجمعة أن "توقعاته" هي ألا يقوم الإسرائيليون بأي "غزو بري واسع النطاق" في الوقت الذي تستمر فيه المفاوضات لوقف مؤقت لإطلاق سراح الأسرى الذين تحتجزهم "حماس". تشير هذه التصريحات الصريحة، بحسب الصحيفة، إلى مصير رفح كنقطة تحول محتملة في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، والصراع في الشرق الأوسط. وتقول الصحيفة إن المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم بايدن، وقفوا باستمرار إلى جانب إسرائيل منذ بدء صراعها ضد "حماس"، لكن تسامحهم يضعف بسرعة نهج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو تجاهها والأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع المحاصر. وتقول وزارة الصحة في غزة إن الضربات الإسرائيلية خلفت أكثر من 28500 قتيل و 68000 جريح، وتم تدمير حوالي 80% من المنازل والمباني في شمال غزة. وحذرت وكالات الأمم المتحدة من أن ربع سكان القطاع على الأقل معرضون لخطر المجاعة.وضغطت الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة على إسرائيل للسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة، والعمل مع السلطة الفلسطينية لوضع خطة ما بعد الحرب، ومعالجة الاضطرابات المتفاقمة في الضفة الغربية، لكن كل ذلك من دون جدوى بحسب الصحيفة، كما كانت واشنطن تأمل وتتوقع أن تكون إسرائيل قد حولت عملياتها الآن إلى استراتيجية أقل كثافة لمكافحة الإرهاب، ولكن فيما يتعلق برفح يبدو أنها تخطط عكس ذلك تماما. وتعهد نتانياهو يوم الأربعاء "بعمل قوي" في المدينة لتحقيق "نصر كامل" في غزة. وقال إنه سيسمح للمدنيين بالمغادرة، لكن مع إغلاق الحدود المصرية، لا يوجد مكان آخر لهم للفرار. وتحذر الصحيفة من أنه حال تجاهلت إسرائيل تحذير بايدن وواصلت هجوما بريا قاسيا في المدينة غافلة لأرواح المدنيين، فإن ذلك سيضر بالجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى والمحاولات الدبلوماسية للتوسط في تسوية أوسع للصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي طال أمده.أميركا "الضعيفة"لكنه، كما تقول الصحيفة، قد يؤدي أيضا إلى توسع العلاقة المتوترة بين بايدن ونتانياهو وصولا إلى نقطة الانهيار، ويهدد برد فعل عنيف أوسع من الديمقراطيين في الكابيتول هيل حيث يأمل الرئيس الأميركي في تعزيز دعم الحزب قبل محاولة إعادة انتخابه في نوفمبر المقبل.والأسوأ من ذلك، أن استمرار تحدي إسرائيل وإحجام الولايات المتحدة عن استخدام نفوذها الذي لا مثيل له على البلاد يؤجج الشكوك حول مدى تأثير الولايات المتحدة حقا في منطقة سعت إلى السيطرة عليها لعقود، كما يشوه صورتها في العالمين العربي والإسلامي. يقول فالي نصر، أستاذ الشؤون الدولية ودراسات الشرق الأوسط في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز: "التصور هو أن الولايات المتحدة لا تستطيع ولن تمارس ضغوطا كافية على إسرائيل للوصول إلى طريقها، ويمكن لإسرائيل بسهولة أن تقاوم أهم قوة عظمى في العالم ومتبرعها الرئيسي.. تبدو الولايات المتحدة ضعيفة أمام العالم، خصوصا في الشرق الأوسط". ويتصاعد القلق في بعض أنحاء واشنطن من احتمال انتقال الهجوم الإسرائيلي إلى رفح، حيث يقول جيسون كرو عضو الكونغرس الديمقراطي ممن كولورادو: "لقد انزعجت بصراحة من هذا النهج.. لا أعرف ما الذي يحاولون (إسرائيل) تحقيقه". وتابع "إذا لم تحم المدنيين، وإذا لم تكن أكثر دقة في عملياتك العسكرية، فإن ذلك يخلق مشاكل أكثر. وما نراه هنا الآن هو رد فعل جماهيري هائل ضد إسرائيل، وهو ما لا يجعلها أكثر أمانا".يقول كرو، الذي يجلس في لجنتي الشؤون الخارجية والاستخبارات في مجلس النواب، إن بايدن بحاجة إلى أن يكون أكثر حزما مع الزعيم الإسرائيلي: "لقد حان الوقت لنكون واضحين للغاية أن الولايات المتحدة لن تدعم هجوما بريا في رفح. وسيعرقل فرص السلام. إنها تعرقل فرصنا في تأمين صفقة الأسرى، وتشكل أزمة للأمن القومي الأميركي في المنطقة".غضب ديمقراطي من بايدنوبحسب الصحيفة، استخدم أعضاء آخرون في حزب بايدن مصطلحات أقوى، حيث وقال كريس فان هولين، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماريلاند، في خطاب ألقاه في قاعة مجلس الشيوخ يوم الاثنين، إن "حجب إسرائيل بشكل مفصل للمساعدات إلى غزة هو جريمة حرب.. حتى الآن السؤال هو: ماذا ستفعل الولايات المتحدة؟ ماذا سنفعل؟ ماذا سيفعل الرئيس بايدن؟".الجواب في الكابيتول هيل، حيث يظل دعم إسرائيل حجر الأساس الذي لا يتزعزع للسياسة الخارجية الأميركية، حيث صوت نحو 70 عضوا من أصل 100 عضو في مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مشروع قانون بايدن لتمويل الأمن القومي بقيمة 95 مليار دولار هذا الأسبوع والذي تضمن أموالا لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان. ومن غير الواضح ما إذا كان التشريع سيمرر مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون، لكن عدم اليقين هذا يرجع أساسا إلى رد الفعل العنيف ضد المساعدات الأوكرانية، وليس المساعدات الإسرائيلية، وتعنتها على سياسات الهجرة على الحدود مع المكسيك.وقد اتخذ البيت الأبيض بعض الخطوات التي من شأنها إحباط إسرائيل. في 1 فبراير، اتخذت واشنطن خطوة نادرة بفرض عقوبات مالية على أربعة مستوطنين إسرائيليين بسبب العنف المتطرف في الضفة الغربية، وأصدرت الأسبوع الماضي مذكرة أمن قومي تتطلب استخدام أي مساعدات عسكرية أميركية وفقا للقانون الإنساني الدولي، ملمحة إلى تطبيق أكثر صرامة للقوانين الأميركية التي يمكن أن تفرض شروطا على مبيعات الأسلحة لإسرائيل. لكن إدارة بايدن لم تكن مستعدة للذهاب إلى أبعد من ذلك، ولم تهدد بوقف المساعدات العسكرية وتواصل الضغط على الكونغرس للموافقة على أكثر من 14 مليار دولار كمساعدات لإسرائيل. كما أنها لم تتحرك للاعتراف رسميا بدولة فلسطينية-الأمر الذي من شأنه أن يعزز التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين ولكن إسرائيل تعارضه. وراء الكواليس، يقول المحللون إن بايدن أوضح لنتانياهو أنه سيحتاج في النهاية إلى اتخاذ خيارات صعبة لإنهاء الصراع والتحرك نحو تسوية طويلة الأمد مع الفلسطينيين.التعامل مع نتانياهويلاحظ المسؤولون الأميركيون الحاليون والسابقون أن بايدن لديه الكثير من الخبرة في التعامل مع نتانياهو ويتفهم مدى صعوبة ذلك. يقول مارتن إنديك، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل وزميل لوي المتميز في مجلس العلاقات الخارجية: "يعرف بايدن من تجربته الطويلة مع نتانياهو أنه سيضع دائما بقاءه السياسي فوق مصالح الدولة". وعلى الرغم من إحباطهم المتزايد، لا يرى مسؤولو إدارة بايدن بديلا فوريا للعمل مع نتانياهو ويفهمون أنه ربما يكون محاورهم الوحيد إذا أرادوا إنهاء الحرب عاجلا وليس آجلا. السؤال العالق لبايدن هو ما هي التكلفة السياسية التي قد تكون للحفاظ على الوضع الراهن مع إسرائيل؟ حيث يتجه إلى معركة صعبة لإعادة انتخابه هذا الخريف، ربما ضد دونالد ترامب.(ترجمات)