لطالما خاضت باريس منذ القرن 19 معارك ضد الجرذان، فالعاصمة الفرنسية تعاني من هذه القوارض شأنها في ذلك شأن سائر المدن الكبرى في العالم. واليوم تتفاقم المشكلة في مدينة "الأنوار"، بسبب إضراب عمّال النظافة احتجاجاً على إصلاح نظام التقاعد، مُنضمين إلى فئات واسعة من الشعب الغاضب.وفي ظل هذا الواقع، تهدّد أخطار صحية كبيرة الفرنسيين، خصوصاً الأطفال والمسنّين وكل ذي مناعة ضعيفة.الأطفال والمارّة في خطرالمراجع الطبّية، تُبدي قلقها من الفيروسات والأمراض التي يمكن أن تظهر إثر تكدّس النّفايات على المَدَيَيْن القصير والطّويل، وفي هذا الإطار، كان لمنصة "المشهد" حديث مع الطبيبة اللبنانية العاملة في مستشفيات باريس سيلفا كرم التي أكدت أن "التداعيات الصّحية لجرذان باريس، وغيرها من القوارض والطيّور والحشرات، خطيرة للغاية". وركّزت كرم على أن "المشكلة الكبرى، تكمن في تكاثر الجراثيم، بسبب التّفاعل الكيميائي الناتج عن تكدّس تلك النفايات لأسابيع، والرّاوئح الناجمة عن ذلك تجلب الجرذان التي من جرّاء تبوّلها في الشوارع وعلى الأرصفة تنقل مرضا بكتيريا خطيرا ومميتا، هو ليبتوسبيروز leptospirose". وشدّدت كرم على أن "عمّال النظافة ملقّحون إلزاميا ضد هذه البكتيريا، لكن هذا اللقاح غير معتمد لبقية السكان والناس العاديين، وبالتالي هم غير محميّين بتاتا، بطبيعة الحال، وهنا تكمن الخطورة".وتطرّقت الدكتورة في حديثها إلى الأضرار الصحية الأخرى الناتجة عن تخمّر النّفايات، حيث " تتصاعد روائح كريهة وتنمو الفطريات، ومن الممكن أن تتسبب بنوبات ربو وأمراض تنفسية لدى الأطفال والأشخاص المعرضين للأمراض الرئوية"."ضعوا الأقنعة"وفي هذا السياق، أوصت الطبيبة كرم باتباع الإجراءات الوقائية التالية وخصوصاً الأطفال وكل ذي مناعة ضعيفة: غسل الأيدي بالصابون مرات عدة يوميا لمدة دقيقة على الأقل.عدم لمس النفايات أبدا وتجنب المشي قربها.وضع الأقنعة لدى المرور في الشوارع والطرق لتجنب تنشق الروائح الكريهة.مخاوف من تلوّث المياهأما على المدى البعيد، وخصوصا إذا طالت أزمة النفايات، فأوضحت كرم أنه مع تساقط الأمطار التي ستجرف الرّواسب عن الأرصفة، سوف تتلوث المياه الجَوفية ما سيحتّم تكثيف عمليات التّكرير لمنع انتقال البكتيريا إلى مياه الشرب وتجنّب كارثة حقيقية. وفي جولة في شارع يضجّ عادة بالسياح، في ساحة سان ميشال في باريس، الدائرة الخامسة، كانت الحركة خجولة، وقد عبّر جوليان.م. من ذوي الإعاقة عن غضبه من هذا الوضع، بحيث أعاقته جبال النفايات عن السير بكرسيه المتحرك على الأرصفة، متوقّعا وقوع حوادث لأنه يسير على الطريق العام المخصص للسيارات والباصات.وقد رأينا خلال جولتنا كيف أن الأمهات "المُمتعضات" من حالة الطرق يفعلن الشيء ذاته مع عربات أطفالهن للتمكن من المرور، إضافة إلى المسنّين المتّكئين على العصي وخطر انزلاقه.جبال النفايات تعلو مع مرور الدقائق، وباريس المعروفة بـ"مدينة الأنوار"، تُحاصرها النفايات من كل حدب وصوب، ويبدو أن الفرنسيين أمام تحدٍ صحي وبيئي في ظل غياب أي حلول فعلية لأزمة رفع سن التقاعد.(فرنسا - المشهد)