دفع أمر بسيط، مثل ريّ الزهور في المساء، بأحد شوارع البلدة القديمة بالموصل، صقر زكريا إلى أن يتوقف ويفكر كم ينعم بالأمان الآن، بعد أن كانت المدينة آخر معاقل تنظيم "داعش" قبل تحريرها في 2017.وقال زكريا الذي ترك المدينة عام 2005، وعاد لتأسيس مركز ثقافيّ، وهو مؤسسة بيتنا عام 2015، عندما كانت آلاف الجثث ما زالت تنتشل من بين الأنقاض: "فكرت للحظة.. أين أنا؟".وتابع قائلًا: "أنا جيت باسترخاء أمسك الزرع وأسقيه فصفنت يعني معقولة؟ هذا الأمان؟".مدينة أشباح تحت حكم "داعش"وقبل 10 سنوات أعلن التنظيم المتشدد قيام "الخلافة" من جامع النوريّ الكبير في المدينة، وهو موقع قريب من حيث يقيم زكريا الآن، وسيطر على الموصل وقتل بعض أفراد الأقليات ودمر مواقع أثرية.ومتاهة الأزقة الضيقة في هذا الجزء من المدينة على الضفة الغربية لنهر دجلة، كانت موقعًا لعمليات متكررة من القتل والخطف وجرائم أخرى، مع صعود المتشددين بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003. وقد تحوّل أغلبها إلى ركام، وقُتل آلاف المدنيّين في معارك لتحرير المدينة من قبضة تنظيم "داعش".الموصل تعود للحياة ولكن على الرغم من الصراعات السياسية الداخلية واتهامات بالفساد وتأخر إعادة الإعمار، عادت الحياة للمدينة على ضفتي النهر.وقال كثيرون من بين ما يزيد عن 20 شخصًا تحدثوا إلى مراسل رويترز خلال زيارة للمدينة استمرت 4 أيام، إنهم يشعرون بالأمان اليوم أكثر من أيّ وقت مضى خلال العقدين الماضيين.وقال زكريا عن الحياة وقت سيطرة التنظيم، "الحياة عبارة عن أكل ونوم وإغلاق بابك بالقفل حتى لا تتعرض للخطف أو القتل أو التفجير. كنا محرومين واليوم نعوّض ما فاتنا".وأصبحت مؤسسته التي تقع في بيت من بيوت الموصل التقليدية يتوسطه فناء داخلي، نقطة جذب للزوار من العراق وخارجه، ومن بينهم الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون عام 2021.وبعد وقت قصير من حديثه، دخل رجل كبير في السن إلى الفناء، وذرفت عيناه بالدموع عند رؤية الصور المعلقة على الجدار، لمن كانوا يمثلون يومًا النخبة الفكرية والثقافية في المدينة.وقال مدير مدرسة سابق في السبعينيات من عمره يدعى نزار الخياط، بصوت يرتجف: "هذه هي الموصل ذاتها غصب عنهم مدينة حضرية".ويقول مسؤولون وسكان بالمدينة، إنّ الطريق لا يزال طويلًا قبل أن تتخلص مدينتهم من إرث التنظيم المتشدد.جهود إزالة الأنقاض مستمرةولا تزال جهود إزالة الأنقاض مستمرة رغم مرور 7 سنوات على تحرير المدينة. كما لا يزال من الممكن رؤية ثقوب في جدران مبانٍ بأرضيات مهدمة إلى جانب قضبان حديدية مكشوفة تتدلى من منشآت في أنحاء المدينة، فيما لا يزال الدمار الواسع على حاله بالبلدة القديمة.لكن جرى تشييد جسور وافتتاح مطاعم جديدة يستمتع زوارها بالمأكولات اللبنانية، ويتمايلون على أنغام القدود الحلبية السورية.وتضج السوق والمقاهي الواقعة على جانب النهر بالحياة حتى وقت متأخر من الليل، وهو ما لم يكن من الممكن تصوره في السابق عندما كان الناس يحبسون أنفسهم في دورهم من قبل غروب الشمس.وقال معاون مدير بلدية الموصل للشؤون الفنية فراس السلطان، إنه بينما تعمل المدينة على ترميم البنية التحتية الأساسية، فإنها تركز أيضًا على توسيع المساحات الخضراء والمعالم السياحية، مثل الكورنيش الجديد على ضفاف النهر، كما تجري إعادة ترميم وإصلاح المعالم الأثرية لتاريخ المدينة الغني.(رويترز)