"كفى موتًا، نريد العودة إلى منازلنا حتى لو مدمرة، واسترجاع حياتنا الطبيعية وطقوسنا اليومية"، في قطاع غزة أمنيات ودعوات الأهالي والأطفال متواضعة، يشعرون بأنه لا حقّ لهم في الاحتفال بقدوم شهر رمضان المبارك، أو التحضير والاستعداد له ضمن العادات والتقاليد المتبعة سنويًا.فهم يعيشون تحت ظل الحصار والنار والحرمان، والأصعب أنهم باتوا يرون صغارهم يموتون أمامهم من شدة الجوع، من دون تمكّنهم من حمايتهم، نصف أهالي غزة فقدوا منازلهم، ومأواهم الوحيد خيام متهالكة لم تحمِهم من برد الشتاء، وقائمة الفقد والعوز من جرّاء الحرب، لا تنتهي.يستقبل أهالي غزة قدوم شهر رمضان، بقلوب ترنو بين أمنيات السلام والوقف الفوريّ للحرب الأليمة، في حين يواصل الطيران الحربيّ الإسرائيليّ، تسجيل فصول دامية من الخراب والدمار، الذي لحق بتفاصيل حياتهم، وقلبها رأسًا على عقب.يسيطر الجوع على الفلسطينيّين في غزة، مع قرب بلوغ شهر رمضان، فنيران الحرب مشتعلة، والترقّب بات سيّد الموقف، مع تضارب الأنباء حول جهود التهدئة التي يبذلها الوسطاء لوقف إطلاق النار، وعقد صفقة تبادل أسرى، آمالهم كبيرة وطموحاتهم لا تتعدى العودة لمنازلهم والحصول على العيش الكريم.أحوال مريرة يعيشها أهل غزةوتحدثت منصة "المشهد" مع عدد من الفلسطينيّين في قطاع غزة، للاطّلاع على أحوالهم، وكيفية استقبالهم لشهر رمضان بالحرب، في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية، والحصار المطبق عليهم مع صعوبة توفير المواد الغذائية واللحوم، وشحّ الموادّ الغذائية الرئيسية، ومعاناة معظم المناطق من "الجوع".يعاني أهالي شمال مدينة غزة البالغ عددهم 800 ألف، نقصًا حادًا في الموادّ الغذائية، ومن ارتفاع أسعار السلع الغذائية إن توافرت، يقول المواطن حسام جودة الموجود في منطقة شمال مدينة غزة لمنصة "المشهد"، إنّ استعدادات رمضان هذا العام غائبة تمامًا، كيف يمكن أن يهلّ علينا الشهر ونحن نعيش مأساة كارثية، وعلى هذا الحال؟ بالأساس منطقة الشمال تعاني الجوع، لا يوجد أرزّ، أو طحين أو لحوم، وإن وُجدت فهي باهظة الثمن".وأضاف، "فقدت نصف عائلتي في بداية الحرب، ورمضان سوق يقلّب علينا المواجع، لأنه يجمع العائلة على المائدة وفي الصلاة، حتى مساجدنا هُدمت، ما علينا سوى الصبر".تتفاقم معاناة النازحين بمدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، مع بلوغ عددهم أكثر من مليون شخص، خصوصًا مع اقتراب شهر رمضان، وانقطاع الأطعمة الأساسية وفي مقدمتها الدقيق والأرزّ، وبات غالبيتهم ينامون جَوْعى، ما أصاب الكثير منهم بأمراض سوء التغذية.وأوضح المواطن صالح الدبّاغ لمنصة "المشهد"، أنه "لا يعلم كيف سنستقبل شهر رمضان ونحن بالأساس جوعى وعطشى، أمنياتنا أن يحلّ علينا وقد توقفت الحرب تمامًا، لكي نعود إلى بيوتنا، سأجد صعوبة بتوفير وجبات الأفطار لعائلتي المكونة من 7 أفراد داخل خيمة النزوح في رفح، حتى المساجد هدمتها إسرائيل".هذا العام سيحلّ رمضان على الغزّيين في ظل أوضاع مريرة، بل الأصعب على الإطلاق، فالحرب أفقدتهم منازلهم وأعمالهم، وجعلتهم نازحين داخل ديارهم، من دون طعام أو شراب بفعل حصار إسرائيل المُطبق عليهم، وتمنع دخول البضائع أو المساعدات إليهم، ومع قرب قدوم الشهر الفضيل، لا مؤونة، ولا فرحة، ولا زينة، فمعالم موائد الإفطار المزينة بالأكلات والحلويات الغزّية، لن تكون كسابقاتها، فطعمها مرّ وأسى، على من فُقدوا، ورحلوا، وتهجّروا.نداءات إغاثية للأونروا في غزةالأمل يحذو أهالي قطاع غزة، بأن تضع الحرب أوزارها في القريب العاجل، لوقف المعاناة الإنسانية العسيرة، حيث لم تفلح نداءات المنظمات الأممية الإغاثية في إنهاء الوضع الإنساني، ظروف تدفعهم لمتابعة أخبار تطورات اتصالات التهدئة، من خلال أجهزة المذياع ووسائل التواصل الإجتماعي.من جانبه أكد المستشار الإعلاميّ لوكالة الأونروا عدنان أبو حسنة، لمنصة "المشهد"، أنّ "الكارثة الإنسانية المحدقة بكل فرد في قطاع غزة بفعل الحرب ومآلاتها، سوف تزداد ضراوتها وعمقها في شهر رمضان، في ظل الظروف والمعطيات الموجودة، خصوصًا مع مواصلة الحصار الإسرائيلي، ومنع شاحنات المساعدات من دخول معابر غزة، وبالتالي النقص الشديد في الوقود والأغذية والمستلزمات الحياتية، سوف يتفاقم وينذر بمأساة حقيقية على الأرض".وأضاف أبو حسنة قائلًا: "على جميع الجهات الدولية المسؤولة، أن تتجنب وقوع انهيارات إنسانية غير مسبوقة في غزة، ونطالب مجددًا من الأمم المتحدة، بوقف شامل وفوريّ لإطلاق النار، والسماح لوكالات الإغاثة الوصول لشمال قطاع غزة، والنازحين في مدينة رفح".مبادرات إنسانية في غزة"رغم الحرب والجوع، رمضان كريم" عبارة تحمل في معانيها، رسالة ألم وأمل للغزّيين والعالم، خطّها شباب فلسطينيون في شوارع مدينة غزة، ضمن مبادرة أطلقوا عليها "حقّ لغزة أن تفرح"، المبادرة أقدم عليها الشبان بأدوات بسيطة ضمن الإمكانيات المتاحة بين أيديهم لاستقبال الشهر الفضيل، ومحاولتهم رسم البهجة على وجوه الأهالي والأطفال قدر المستطاع.يقول مراد شعث، أحد المشاركين في المبادرة، لمنصّة المشهد، "أطلقنا المبادرة من رحم المعاناة، فنحن شعب يحبّ الحياة ويرفض الموت بهذه الطريقة التي تريدها إسرائيل، رمضان شهر الخير والتسامح والسلام، وهذه هي أبسط أمنياتنا، أن يتحقق العدل وتزول الحرب، شوارعنا رغم فداحة الدمار، حاولنا أن نزيّن جدرانها بعبارات التهاني لاستقبال شهر رمضان".فيما أقدمت بعض العائلات في خيم النازحين بمدينة رفح، بأقل القليل وبأدوات بسيطة، من وضع الفوانيس، والملصقات التي كُتب عليها رمضان كريم، في محاولة لرسم البسمة على وجوه أطفالهم، وهذا ما أكده الأربعينيّ أبو هشام لمنصة "المشهد"، أنه "قام بتزيين الخيمة للتخفيف من الحزن والخوف الذي يلتف بأولادي الخمسة، ويطاردهم يوميًا بفعل أصوات الغارات، والزنانة التي لا تتوقف ليل نهار، هي بهجة ولو منقوصة تتحدى الحرب، أمنياتي ودعواتي أن أتمكن وعائلتي من عيش أجواء وطقوس شهر رمضان كما في السابق، وأن تتوقف الحرب".(المشهد)