سلّطت وسائل الإعلام حول العالم الضوء على التوتّر الحاصل بين إسرائيل وإيران والذي تطوّر منذ الأول من أبريل، عندما قصفت تل أبيب مبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، ما أسفر عن مقتل جنرالين و5 ضباط في الحرس الثوري.وإثر تلك الحادثة، ردّت إيران بعد 12 يومًا، بشن هجوم عسكري مباشر غير مسبوق على إسرائيل، استخدمت فيه أكثر من 300 صاروخ وطائرة بدون طيار. إلا أن انفجارات عدة هزّت مدينتي أصفهان وتبريز الجمعة، في الوقت الذي اتجهت الأنظار نحو إسرائيل والتي أشارت إلى أنه ردّ إسرائيلي على هجوم إيران. وفي الوقت الذي قلّلت فيه طهران من الهجوم، لم تتبن إسرائيل العملية، ما يشير إلى عودة كلا البلدين لحرب "الظل" التي سادت على مدار عقود، في حين طرح الهجوم تساؤلات عن الاختراق الأمني الذي تعرّضت له إيران في الساعات الماضية. وتحدّثت تقارير غربية سابقة عن توتّرات بين إيران وأذربيجان بسبب علاقات الأخيرة مع إسرائيل، ومزاعم إيرانية بأن تل أبيب قد تستخدم المطارات في أذربيجان لشن هجمات على إيران. يُذكر أن إيران نفّذت مناورات عسكرية على الحدود مع أذربيجان وأعربت عن قلقها من النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، فيما نفت باكو اتهامات طهران بوجود قوّات إسرائيلية على حدودها مع إيران. رسالة إسرائيلية لإيران وقال الباحث الإستراتيجي الدكتور منذر الحوارات في حديثه لمنصة "المشهد"، إنه حتى الآن لم يتضح كيفية الهجوم الإسرائيلي على إيران، ولم تعترف إسرائيل أساساً بأنها قامت بهذه العملية ولم ينسبها جيشها إلى نفسه لسببين. وفي السبب الأول، أكد أن الجيش اعتبر أنها ربما تكون عملية استخباراتية قام بها الموساد، وقد تكون من داخل أو خارج إيران وهذا متوقع. وقال "هذا الحديث قدمته إسرائيل لتحتفظ بحق الردّ؛ لأنها عندما لا تتبنى العملية لا تلتزم بأنها ردّت على الهجوم الإيراني، ولكنها توصل قناعة إلى طهران بأنها قادرة على الوصول إلى أماكن دقيقة محدّدة داخل البلاد وبالذات أصفهان حيث المجمع النووي ومجمع قاعدة التدريب الجوية وما إلى ذلك". وأكد الحوارات أنه تم تعطيل المضادات في هذه القاعدة، حيث إن الثابت أن الهجوم تم بوساطة طائرات مسّيرة، في حين أن البعض يقولون إنها أُطلقت من داخل إيران في حين تنفي الأخيرة ذلك لدرء فكرة اختراق أجوائها". وقال إنه إن صحّ الأمر، فهذا "يشير إلى ضعف جوهري في دفاعات إيران إذا ما كانت اخترقت الأجواء ووصلت إلى هذا الحد بالذات معنى ذلك أن دفاعاتها ومقدرتها على مراقبة الأجواء ضعيفة لذلك تحاول أن تتبنى رواية أن هذه المسّرات أطلقت من داخل إيران لتُسقط عن نفسها الاتهامات بأن أجواءها غير مراقبة جيدا". واعتبر الحوارات أن إسرائيل لا تهتم بذلك حقيقة، حيث إنها أوصلت رسالتها بدقة في حين ذهب البعض للحديث عن أن المسيّرات قد تكون جاءت من أذربيجان.هل لأذربيجان علاقة بالهجوم؟ إلى ذلك، رجّح دبلوماسي فرنسي أن يكون الهجوم الإسرائيلي الذي جرى تنفيذه الجمعة، على إيران، قد تم بطائرات مسيّرة انطلقت من أذربيجان. ونقل الصحفي الفرنسي المختصّ في شؤون الشرق الأوسط جورج مالبرونو، عن الدبلوماسي الفرنسي قوله إن "الهجوم وتوجيه الطائرات الصغيرة تم من أراضي جمهورية باكو"، تعليقاً على تحليق المسيّرات في أجواء أصفهان وتبريز. وأضاف نقلاً عن دبلوماسي آخر قوله: "إن الردّ الإسرائيلي قد يستهدف موقع نطنز النووي، مع العلم أن المواقع النووية الإيرانية الرئيسة مدفونة بعمق تحت الأرض". إلا أن قال الحوارات إن "الشواهد تُدلل على أنها جاءت من سوريا وصولا إلى العراق، خصوصا بعد الكشف عن صواريخ سقطت جنوب بغداد وبالتالي فإن مسار الطائرات يبدو أكثر تحديداً خلال هذه الأيام". ولفت الحوارات إلى أنه بالتالي، تكون الطائرات قد حلّقت بمسار تقليدي ووصلت إلى مكانها وهذا يضع عبأ على إيران في أن الطائرات اخترقت مجالها الجوي دون أن يتم ملاحظتها إلا في أصفهان معتبرا أن هذا الأمر "بالنسبة للمراقبين هو أمر خطير". وقال: "أعتقد أن إسرائيل تحيط بطهران من أكثر من جهة وهي قادرة على الوصول إليها من أكثر من مكان لكن في هذه المرة بالذات يُراد تسجيل الوصول من أراضيها إلى طهران حتى تصل الرسالة المطلوبة". وأكد أن إيران تعلم ذلك حقيقة، وبالتالي "دخلنا الآن في إطار الغموض الإستراتيجي التي ظلّت إسرائيل تمارسه خلال العقود الماضية عندما تقوم بعمليات تتركها مفتوحة وتستطيع الاستثمار والبناء عليها دون أن يكلفها ذلك تنازلات". وأشار الحوارات إلى أن إسرائيل تمكّنت من ذلك إرضاء الولايات المتحدة وأوصلت رسالة لطهران، واستطاعت الحصول على ضور أميركي أخضر بالاستمرار في ضرب أذرع إيران في المنطقة. وأضاف "ربما أخذت الضوء الأخضر أيضا بشنّ عملية عسكرية في رفح كونها التزمت بالمطلب الأميركي، خصوصا بعد أن كانت واشنطن تعارض هجوماً برياً على المدينة الواقعة جنوبي قطاع غزة". فيما استبعد المحلل الإستراتيجي والعسكري هشام سليمان خريسات، أن يكون الهجوم الإسرائيلي نُفّذ من أذربيجان. وأكد أن هذه هي المرة الأولى التي لم تنطلق بها المسيّرات من أذربيجان، معتبرا أن باكو لم تشترك بالعملية نظرا لمخاوف لديها من قصف طهران لها إن تم اكتشاف الأمر. وبين خريسات في تصريحات لمنصة "المشهد" أنه في أذربيجان، هناك نحو 1200 خبير عسكري يديرون حربا سرّية ضد إيران.كيف تمت العملية؟ أكدت صحيفة "هآرتس" العبرية في تقرير لها نُشر مؤخرا، أن أذربيجان تعهّدت بمنح الإذن لإسرائيل باستخدام مطاراتها في حال شن هجوم إسرائيلي محتمل ضد منشآت إيران النووية. وقالت إنه في يونيو الماضي، وبعد أن تصاعدت التوترات بين طهران وباكو، رفضت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأذرية ليلى عبد الله يوا، ادعاء السلطات الإيرانية بوجود عسكري إسرائيلي بالقرب من حدود أذربيجان وإيران، ووصفته بأنه لا أساس له من الصحة. ومن هنا، قال خريسات إن عدد المقاتلات الإسرائيلية المشاركة بالهجوم على أصفهان وتبريز بلغ 3 طائرات من طراز "إف - 35". ولفت إلى أن المقاتلات كانت محمّلة بصواريخ توما هوك "AGM-158 JASSM"، حيث إنه صاروخ كروز شبحي يبلغ سعره نحو مليون دولار، وتم تطويره و إنتاجه بوساطة شركة لوكهيد مارتن الأميركية، وصُمّم بشكل أساسي للقوات الجوية الأميركية لكن تم بيعه لاحقاً لبعض الدول الحليفة مثل إسرائيل. ويرجّح خريسات أن الهجوم الإسرائيلي تمّ عبر طائرات "إف - 16 بلوك 20" التي قصفت قبل الهجوم بساعتين رادار إنذار محلي في إيران تابعا للحرس الثوري بقرية قرفا في ريف درعا الشرقي. وأشار إلى أن الرادار المربوط بطهران جرى تدميره، بعدها تم تدمير رادار في بابل في العراق يبعد عن تل أبيب نحو 893 كلم. ولفت خريسات إلى أن قاعدة كالسو التي تم تدميرها اليوم السبت، يستخدمها الحشد الشعبي وهي تتبع للحرس الثوري الإيراني، انطلقت منها صواريخ باليستية من طراز الفاتح 110 في الهجوم الإيراني على إسرائيل. وأوضح أن طائرات f-35 الإسرائيلية التي نفّضت الهجوم داخل الأراضي الإيرانية، حملت كل واحدة منها 3 صواريخ من طراز AGM-158 حيث عبرت شمال إسرائيل نحو صحراء سوريا وصولا إلى إقليم كردستان العراق وصولا إلى أصفهان. وبين خريسات أن الهدف لديها كان قاعدة جوية بمدينة كجافارستان في محافظة أصفهان وسط إيران، حيث دمرت الصواريخ التسعة 9 أهداف منها رادار منظومه صواريخ اس 300، القادرة على كشف الصواريخ بمدى 700 كلم. وأكد تدمير بعض مستودعات ومصانع مسيرات شاهد -136. وقال إن العملية الإسرائيلية شلّت مراكز السيطرة والتحكم والصواريخ والاتصالات وشاشة الرادار وانقطعت الاتصالات بين القيادات والمواقع الفرعية لمدة 8 ساعات، إلى أن عاد الطيارون إلى قواعدهم في 8 صباحا بتوقيت إسرائيل. وأشار إلى أنه قبل تنفيذ الضرية الجوية، قامت 318 طائرة كواد كابتر مسيرة إسرائيلية لا تظهر على الرادر، بإشغال المضادات الأرضية الإيرانية قبل وصول المقاتلات الإسرائيلية بربع ساعة. ولفت خريسات إلى أن هذه المسيّرات خرجت من جبال تبريز وأصفهان، وبقيت تشاغل الدفاع الجوي حتى بعد انسحاب الطائرات المغيرة.(المشهد)