في مساء الأربعاء الماضي، وقع انفجار داخل أحد المنازل بمنطقة ماركا الجنوبية، في العاصمة الأردنية عمّان وسُمع صوته من على بعد أحياء عدة في المنطقة المحيطة.هذا الخبر تناقلته وسائل الإعلام الأردنية في البداية بشكل عادي، إلا أنه لاحقا جرى التركيز عليه على أنه حدث أمني استدعى تدخّلا من مختلف الأجهزة الأمنية والكشف عن تحرّكات تحقيقية سابقة. وأصدرت المديرية العامة للأمن العام بيانا في وقت مبكّر من صباح السبت، أكدت فيه قيام الأجهزة الأمنية بمداهمة موقع الانفجار، حيث كشفت التحقيقات الأولية عن وجود كميات كبيرة من المواد المتفجرة مخزنة داخل المنزل.انفجار في عمّانوبحسب البيان، قام خبراء المتفجّرات من سلاح الهندسة الملكي والأجهزة الامنية قاموا بالتعامل مع تلك المواد وتفجيرها في الموقع بعد أخذ الاحتياطات اللازمة كافّة من عزل وإخلاء للمنطقة ودون أي إصابات تذكر. وأثار البيان موجة من التساؤلات حول طبيعة المواد وأسباب تخزينها في المنطقة السكنية ومن القائمين عليها. لم تمض سوى ساعات قليلة، حتى أعلن الأمن العام في الأردن عن أن تحقيقات الأجهزة الأمنيّة بقضية ماركا الجنوبية، أسفرت عن الوصول لموقع آخر أخفى به الأشخاص ذاتهم مواد متفجّرة في منطقة أبو علندا شرقي العاصمة. ولوحظ صباح الاثنين، تواجد أمني كثيف في المنطقة، جرى خلاله عزل محل تجاري استُخدم لتخزين المتفجّرات. وقال الأمن العام في بيانه الثاني، إن القضية ما زالت قيد التحقيق وسيتم نشر كافة تفاصيلها حال استكمالها. عملية ماركا الجنوبية في السياق، قال مدير مركز "شُرُفات" لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب الدكتور سعود الشَرَفات إن هذه العمليات تؤكد أن الأردن مستهدف بالفعل من أطراف معادية سبق أن عبّرت بالقول والفعل عن محاولة زعزعة الساحة الوطنية لتحقيق أجنداتها الخاصة التي تتعارض مع السيادة الأردنية. وأضاف الشرفات في حديثه لمنصة "المشهد" أن: هذه الأطراف تمتد من النظام الإيراني من خلال الحرس الثوري وأذرعه في سوريا والعراق، وصولا إلى أطراف منفلتة من حركة "حماس"، إلى الحركات "السلفية الإرهابية" مثل "داعش" وبقايا تنظيم القاعدة.لا نستبعد ظهور أشكال وتنظيمات "إرهابية" جديدة ساعدت ظروف الحرب الإسرائيلية في غزة على تكوينها.حرب غزةفيما أكد خبير الأمن الإستراتيجي الدكتور عمر الرداد، أن عملية ماركا الجنوبية وما تبعها من عمليات أخرى مرتبطة بها في منطقة أبو علندا، لا يمكن فهمها والتعامل معها بإطار التحليل الأمني، إلا في سياقات محددة معروفة. وقال الرداد في تصريحات لمنصة "المشهد" إن هناك اليوم "حالة تصعيد ناشئة منذ 7 أكتوبر سواء على الصعيد الداخلي برفع الهتافات وردود الأفعال الشعبية من جماعات مختلفة استفزتها صور الوحشية القادمة من غزة والتي تخالف كل الأعراف والتقاليد". وأضاف أن السياق الثاني وهو الأبرز والأهم في هذه المرحلة، بحيث لا يمكن التعامل مع قضية ماركا من دون ربطها في سياق التهديد الإيراني.ميليشيات إيرانأوضح الرداد أن الأردن يتعرض منذ أعوام لمحاولات اختراق الأمن الوطني، حيث أصبح ذلك "واضحا لارتباطها بميليشيات تتبع لإيران والحرس الثوري الإيراني بصورة مباشرة أو غير مباشرة والتي تتمركز في مناطق الجنوب السوري". وخلال العامين الماضيين ومع التصاعد البياني في هذه العمليات التي بدأت بمحاولات لتهريب المخدرات من جنوب سوريا واشتباكات دوريّة مع القوات المسلّحة وحرس الحدود والأجهزة الأمنية، غير أن المتغيّر الأبرز كان عبر إرسال المتفجرات والأسلحة بواسطة الطائرات المسيرة أو حتى عبر الأفراد وشبكات من المهربين. وأضاف الرداد "تبيّن لدى الأجهزة الأمنية وكان هذا معلنا من قبل الأوساط الرسمية بأن هذه الأسلحة لا علاقة لها بغزة ولا بدعم المقاومة الفلسطينية بل كانت ضمن مخطط لهذه الميليشيات والجهات التي تقف خلفها من أجل استهداف الأمن الوطني الأردني". وأكد أن كميات الأسلحة المضبوطة ونوعيات المتفجرات، طرحت تساؤلات تؤكد الإجابات عنها أن هدفها زعزعة الأمن الأردني بالإضافة لاعترافات الخلايا التي تم إسقاطها. تهديد أمني وقال الردّاد إن ما تم الكشف عنه، يؤكد أن الأردن يتعرض ليس لتهديد أمني عابر، "بل من الواضح أن هناك مخطّطا إيرانيا بالتعاون مع جهات محدّدة داخليا لاستهداف الأمن الوطني الأردني واستخدام غطاء حرب غزة ونصرتها وما إلى ذلك". وفيما يخص التحقيقات الأمنية، اعتبر الرداد أن الحقائق ستتكشف قريبا بشكل أكبر و"ربما نكون أمام مفاجآت صادمة" حول حجم المخططات التي تُحاك للأردن.ما الرسالة الأردنية؟وأكد الشرفات أن الرسالة التي يريد الأردن التأكيد عليها، هي أن خطر هذه المصفوفة الطويلة من الجهات المعادية هو خطر حقيقي ومُحدق ويهدّد الأمن الوطني. وأضاف "هذا الخطر يتغذى على مناخات الغضب والإحباط واليأس وقلة الحيلة تجاه استمرار الحرب في غزة". فيما اعتبر الرداد أنه إن كان الأردن قد بدأ بحملة أمنية متشدّدة ضد الجماعات المسلّحة والخلايا "الإرهابية" النائمة، قال الرداد إن ذلك سيكون منسوبا للتقدير الأمني لخطر هذه الجماعات وأدواتها وما تملكه على الأرض من موارد مثل المواد المتفجرة والأهداف والمخططات إلى جانب الارتباطات الخارجية. وتساءل: "هل نحن أمام مخطّط كبير تقوده جهات إقليمية تستهدف الأردن؟"، مشيرا إلى مستوى الربط بين ما يجري من إعداد بالمنطقة وما ينتج من تسريبات حول سيناريوهات حرب إقليمية متوقّعة. وأضاف الرداد "هذه الجماعات تحاول النفاذ تحت غطاءات مختلفة وتستثمر عناوين عدة. الأردن ثابت في مقاومة الإرهاب وليس هناك مهادنة في هذا الخصوص، لكن مستوى أي حملات أمنية سيبقى مرتبطا بمستوى التهديد وهذا ما يتم تقديره من قبل الجهات الأمنية المختصة بكيفية إدارة أي تهديدات قادمة وكيفية التعامل معها".وفي انتظار البيان النهائي الرسمي من قبل الأجهزة الأمنية، تبقى هناك تساؤلات ومخاوف من قدوم أخطار تهدّد الأردن في ظلّ وجود حدود شمالية مع سوريا وشرقية واسعة مع العراق، مع نشاط كثيف هناك لجماعات عسكرية ومسلّحة مدعومة من قبل إيران.(المشهد)