تضع طريقة تعاطي الغرب مع الحرب في غزة بتعاملها مع الحرب في أوكرانيا في مواجهة اتهامات كثيرة بـ "النفاق" واعتماد ازدواجية المعايير.وتواجه واشنطن والدول الغربية ومعها عدد من الهياكل والمؤسسات الدولية انتقادات واسعة بسبب صمتها على ما يحدث في غزة وتزييف الحقائق مقابل التعاطف والدعم اللا مشروط لأوكرانيا في صراعها مع روسيا. وقبل أيّام اتهمت منظمة "هيومن رايتش ووتش" الولايات المتحدة والدول الغربية بـ"النفاق والصمت" في تعاملها مع الحرب في غزة. وقالت المنظّمة في بيان على موقعها الاثنين، إنّ الغرب "يصمت إزاء انتهاك إسرائيل القانون الإنسانيّ الدوليّ، فيما لا يتردّد بالتنديد بالانتهاكات الروسيّة في حربها على أوكرانيا". وأضافت أنّ "مطالب القانون الإنسانيّ الدوليّ بحماية المدنيّين تنطبق على الجميع". وقالت إنّه "على خلاف الوضع في أوكرانيا، حيث بذلت الجهود لحشد الدعم الدوليّ لكييف وعزل روسيا، فإنّ العالم يرى الآن ردّ فعل صامت على الضرر المدمّر الّذي يلحق بالمدنيّين بسبب الحصار الإسرائيليّ والهجوم على غزّة". وفي 7 أكتوبر هاجمت حركة حماس مستوطنات إسرائيلية وأوقعت 1400 قتيل فيما ردّت إسرائيل بقصف غزة متوعدة بتدمير الحركة لتوقع أكثر من 7 آلاف قتيل طيلة نحو 3 أسابيع. قناع حقوقي "مزيف"حرص الغرب في الحرب ضد أوكرانيا على حشد الرأي العام الدولي والحقوقي خصوصا، مؤكدا على بشاعة ما ترتكبه روسيا هناك. وطيلة أكثر من 18 شهرا منذ انطلاق الهجوم الروسي على أوكرانيا لم تخفت أصوات العواصم الغربية عن اتّهام روسيا بارتكاب جرائم في أوكرانيا وفي السياق تهاطلت البيانات والقرارات المدينة لما يحدث هناك، لكن هذه الحدّة في الحرص على احترام حقوق الانسان خفتت طيلة الأسابيع الثلاثة الأخيرة وفق كثير من الحقوقيين. وأدانت الدول الغربية هجوم "حماس" في 7 أكتوبر على مستوطنات إسرائيلية، لكنّها ترفض ادانة القصف الإسرائيلي لغزة وفرض الحصار عليها.ويقول عضو الاتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين الجامعي إبراهيم الرفاعي، إن الحرب ضد غزة فضحت زيف كل الشعارات التي يرفعها الغرب، ويضيف " بين حرب أوكرانيا والحرب على غزة نحن اليوم أمام انتقائية في المعايير رغم أن الصانع واحد"، لافتا في تصريح لمنصّة "المشهد" إلى أن "العقل الإمبريالي هو من صنع الحرب في أوكرانيا وهو من يرتكب إبادة اليوم ضدّ سكّان غزة".وأكد أن "الغرب الذي يختبئ اليوم وراء قيم الديمقراطية والشعارات الفضفاضة المزيفة والمخاتلة عن حقوق الانسان هو الصانع لذات المأساتين"، مشددا على أن الشعب الفلسطيني لا يرضى أن ترتكب مجزرة في حقّ أي إنسان. وقبل أيّام قصفت إسرائيل مستشفى المعمداني في غزة ما أدّى لمقتل نحو 500 شخص في هجوم أثار انتقادات حقوقية واسعة. ويؤكد الرفاعي أن "الغرب من أجل مصالحه وتنفيذ أجنداته تلاعب بالدم الأوكراني في مواجهة الهجوم الروسي واليوم هو يواصل تلاعبه أيضا بالدم الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي". ويرى أن الغرب وضع قناع الحقوق الانسان في حرب أوكرانيا ولكنه استبدله عندما تعلّق الأمر بمجزرة ترتكب في حقّ شعب أعزل قائلا "وهو ما كشف نفاقه ونفاق المؤسسات الدولية التي لم تتوان عن إصدار بيانات الإدانة والتهديد عندما تعلّق الأمر بالأوكرانيين، لكنها اليوم تصمت بل وتبارك ذات الأفعال التي يرتكبها الاسرائيليون بحق الفلسطينيين". ويتساءل الحقوقي والجامعي الفلسطيني عن قيمة المواثيق والمعاهدات الدولية وكل الحديث عن حقوق الانسان: "في ظلّ ازدواجية المعايير التي فضحها وكشفها النفاق الغربي في التعامل مع الحرب على غزة مقارنة بتعاملها مع وقائع الحرب في أوكرانيا". ويواصل المتحدث مؤكدا أن المسؤولين الغربيين توّجهوا إلى كييف للحديث عن قتل الأطفال وتفجير المدارس والمستشفيات منددين بما سمّوه "الإجرام الروسي" لكن نفس المسؤولين اليوم يقفون صامتين أمام قتل أطفال فلسطين وقصف المستشفيات والكنائس وفرض حصار على الدواء والطعام على سكانها، "بل إنّهم وقفوا في صفّ القاتل مقدمين دعمهم اللا مشروط له". "انحياز إعلامي فاضح"ولم يشذ الإعلام الغربي عن سياسة ازدواجية المعايير والانحياز التام لإسرائيل في حربها على غزة ما وضعه في مواجهة اتّهامات عديدة بعدم احترام المعايير المهنية خدمة للأجندة السياسية الغربية بعد أن تحوّل إلى ذراع لتسويق "البروبغندا " الإسرائيلية على عكس ما قام به في الحرب ضدّ أوكرانيا. ويرى كثيرون أن الاعلام الغربي تعامل مع الحرب في غزة بانحياز تام وروّج للسردية الإسرائيلية وزيّف الحقائق في حين حشد لكشف ما تقوم به روسيا في أوكرانيا. ويقول رئيس مركز حماية وحرية الصحفيين بالأردن نضال منصور، لمنصّة "المشهد" إن الحرب في غزة وقبلها في أوكرانيا كشفت عن سقوط الإعلام الغربي في اختبار المهنية. ويضيف منصور أن هذا السقوط ليس ناتجًا عن عدم معرفة، فهم وفق تعبيره "يعرفون كيف يدققون صحّة الخبر ويعرفون أن هناك معاييًرا مهنية وأخلاقية يجب احترامها، وكيف أنه من المهم أن يكون هناك الرأي والرأي الآخر"، لكنّهم بحسب تقديره "اختاروا الانحياز السياسي والاصطفاف مع الاحتلال الإسرائيلي مقابل الاصطفاف مع الغرب وأوكرانيا في حربها ضدّ روسيا". ويواصل مؤكدا "ما يحدث يشير إلى قضيّة مهمّة وهي أن الإعلام الغربي يتحدث عن أهمية الاستقلالية للمؤسسات الإعلامية والخط التحريري وكيف لا يجب أن يكون هناك استقطاب سياسي لها ولكن في أوكرانيا على سبيل المثال قرر ان ينحاز للأوكرانيين فكان يقول هؤلاء مثلنا وعلينا أن نستقبلهم، في حين كانت له مواقف مختلفة بل ومضادة مع قضايا المهاجرين واللجوء في دول أخرى". ويعتبر أنّ هذا الانحياز تتكرر في الحرب ضد غزة "وبشكل أكثر نفاقا وانكشافا"، مشددا على أن" الجميع يعلم أن ما يحدث هو جرائم حرب وعقاب جماعي وتهجير قسري تمارسه إسرائيل ومع ذلك ينقل الإعلام الغربي الأكاذيب ويرّوج لإشاعات قتل وقطع رؤوس أطفال في إسرائيل وينشر صور أطفال فلسطينيين على أنهم اسرائيليون في المقابل يخفي الحقائق عن حصار الماء والدواء والأكل". وتقول الاحصائيات الرسمية إنّ ثلث قتلى القصف الإسرائيلي لغزة من الأطفال. ويطرح النفاق الغربي في التعامل مع الحرب في غزة الكثير من الأسئلة حول تداعيات هذا الانحياز مستقبلا على ما حققه الحقوقيون من مكاسب خلال سنوات من العمل لتعزيز وتوحيد معايير حماية المدنيين في مناطق النزاعات حول العالم. (المشهد)