لم يهدأ لبنان من هجوم أمس الثلاثاء، حتى باغته هجوم جديد على أجهزة الاتصال اللاسلكي التابعة لـ"حزب الله" في لبنان، خلّف قتلى وجرحى، تزامنا مع تشييع جثامين 3 من عناصر الحزب الذين قُتلوا خلال تفجيرات أمس. أجهزة اتصال "الوكي توكي" الهجوم هذه المرة استهدف أجهزة اتصال "الوكي توكي" فيما أشارت مصادر أمنية إلى أن هذه الأجهزة جرى استيرادها في الوقت نفسه الذي استوردت فيه "حزب الله" أجهزة "بيجر" التي تعرضت للاختراق أمس.وأمام هذه التطورات، قال خبراء أمنيون وعسكريون في حديث لمنصة "المشهد" إنّ إسرائيل استطاعت أن تُحدث ارتباكا كبيرا داخل صفوف "حزب الله" في عملية استخباراتية تمكنت خلالها من رصد عمليات استيراد هذه الشحنات من الأجهزة.ورأوا أن هذه العملية ربما تكون مقدمة لعملية عسكرية وشيكة ستقوم بها إسرائيل على لبنان وأرادات من هذه الهجمات تحييد عدد كبير من عناصر "حزب الله" ومنعهم من المشاركة في المعارك.استمرار الاختراق الأمنيوفي التفاصيل، قال الخبير الأمني والإستراتيجي المصريّ، اللواء محمد عبد الواحد، إنّ التفجيرات الجديدة التي شهدتها أجهزة الاتصالات اللاسلكية التابعة لـ"حزب الله" في لبنان اليوم، هي استمرار للاختراق الأمني نفسه الذي حدث أمس. وأضاف في حديث لمنصة "المشهد" أنّ الأجهزة التي انفجرت اليوم تسمى "الوكي توكي"، لافتا إلى أنّ ما حدث هو عمل استخباراتي إسرائيلي ومن المرجّح أن يكون هناك تعاون مع أجهزة استخبارات أخرى. وتابع عبد الواحد:من الواضح أن عميلا تابعا لإسرائيل قام بتسريب معلومات عن حاجة"حزب الله" لاستيراد أجهزة اتصال وأشياء أخرى وبالتالي قامت تل أبيب بالتحرك من أجل تنفيذ عمليات زرع مواد متفجرة داخل هذه الأجهزة.شكل الانفجار وطبيعته يكشف أن التفجيرات ليس مجرد تفجير لبطارية الجهاز نتيجة إدخال برامج أو رسائل زائدة، ولكن من المرجح أن تكون إسرائيل قد وضعت مادة متفجرة خلال مرحلة التوريد الخاصة بالأجهزة.طبيعة المادة المتفجرةوأوضح الخبير الأمني المصريّ، أن المادة المتفجرة من المرجح أن تكون مادة "بي تي إن" وهي مادة شديدة الانفجار وتكون على شكل معجون أو بودرة، لافتا إلى أن عمليات الاختراق قد تكون داخل المصنع الذي قام بتصنيع هذه الأجهزة أو تكون خلال مرحلة التوريد من خلال استبدال البطاريات الأصلية بأخرى تحتوي على المواد المتفجرة. وقال إن مادة "بي تي إن" هي مادة شديدة الحساسية تجاه الموجات الكهرومغناطيسية، ولكن تفجيرها يحتاج إلى درجة حرارة عالية، لافتا إلى أن إسرائيل استخدمت هذه المادة من قبل في اغتيال شخصيات تابعة لـ"حزب الله" كما استخدمها تنظيم "القاعدة". وأشار عبد الواحد إلى أن ما جرى هو ضربة قوية لـ"حزب الله" والهدف منها هو تعطيل بنية الاتصالات داخل الجماعة، فضلا عن بث الرعب في صفوف عناصر "حزب الله"وهو ما نجحت فيه إسرائيل بشكل كبير،. وقال إنّ هذا الهجوم تسبب في إرباك شديد داخل صفوف "حزب الله" ومن الصعب أن يقوم حاليا بأي رد انتقامي من إسرائيل إلى أن يؤمن وسائل اتصالات أخرى. وأضاف الخبير الأمني أن الأجهزة التي يستخدمها "حزب الله" في الاتصال هي أجهزة بدائية وبالتالي من الصعب اختراقها تقنيا إلا من خلال الوصول إلى هذه الأجهزة وزرع المواد المتفجرة بداخلها.نوع جديد من الحروبولفت إلى أن هذا الهجوم يفتح نوعا جديدا من الحروب وهو النوع الرابع الذي يُطلق عليه في العلوم العسكرية حروب "سايبر سبيس" وهو سلاح مختلف عن الحروب التقليدية التي تعتمد على الهجوم من خلال البر أو الجو أو البحر. وقال عبد الواحد إن إسرائيل تستطيع بهذا السلاح قتل أو إصابة عدد كبير من الأشخاص عن بعد دون الحاجة إلى الوصول إليه، مشيرا إلى امتلاك إسرائيل إلى تكنولوجيا متقدمة متفوقة، وهو الأمر الذي يجعل "حزب الله" في موقف صعب لعدم قدرته على مجاراة إسرائيل في هذا النوع من الهجمات.تمهيد لاجتياح لبنان؟بدوره، قال الخبير العسكري الأردني، العقيد إسماعيل أيوب، إن ما حدث أمس هو خرق أمني غير مسبوق لأجهزة الاتصال الخاصة بـ"حزب الله"، مشيرا إلى ضرورة قيام الحزب بمراجعة كل الصفقات التي عقدها مع الشركات خلال الفترة الماضية.وأضاف في حديث لـ"المشهد" أنّ تكرار هذا الهجوم دليل على أن:الحزب لا يزال واقعًا تحت الصدمة والاندهاش من جراء الهجوم الذي تعرض له أمس وتسبب في خسائر كبيرة.سقوط عدد كبير من قيادات "حزب الله" في هذا الهجوم وبالتالي ليس هناك وقت لمعالجة الأمر بسرعة من خلال تجنيب كل وسائل الاتصال التي جلبها الحزب خلال الشهور الماضية.تكرار الهجوم بهذا الشكل يدل على أن الحزب لم يكتشف بعد الثغرات الأمنية في الأجهزة اللاسلكية.وأشار أيوب إلى أنه في حالات الحروب لا يمكن الاستغناء عن أجهزة الاتصال اللاسلكي، لافتا إلى أن الخرق الكبير ليس في زرع مواد متفجرة داخل هذه الشحنات، ولكن في كيفية معرفة إسرائيل بنية "حزب الله" شراء هذه الأجهزة وهو ما يُشير إلى وجود خرق أمني كبير داخل الجماعة.ورأى الخبير العسكري الأردني، أن إسرائيل تقوم بهذه العمليات ربما تمهيدًا لعملية عسكرية كبيرة تنوي القيام بها في لبنان خلال الأيام القليلة المقبلة ورغبت في تحييد عدد كبير من مقاتلي الحزب حتى لا يشاركوا في المعارك.وقال إن ما جرى يشكل عبئا كبيرا على المستشفيات في لبنان وبالتالي في حال اندلاع حرب مع إسرائيل سيكون هناك ضغط كبير على تلك المستشفيات، فضلا عن فقدان "حزب الله" لعدد كبير من عناصره وربما قيادات عليا في الحزب بهذه التفجيرات.استهداف سلال الإمدادبدورها قالت خبيرة تكنولوجيا المعلومات، إنجي السبكي، إنّ ما حدث من انفجارات للمرة الثانية يشير إلى أن الهجوم لم يكن مقتصرًا على اختراق أجهزة الاتصال اللاسلكي عن بعد ولكنه امتد إلى سلاسل الإمداد، لافتة إلى أن التقارير تكشف أن التفجيرات شملت خلايا ضوئية وأجهزة اتصال جرى استيرادها قبل 5 أشهر. وأشارت في حديث لـ "المشهد" إلى احتمال وجود عملية اختراق لبرامج التشغيل حيث تم تعديل خصائص بعض المكونات كالرقائق الإلكترونية والبطارية. وأضافت السبكي:"ربما جرى استبدالها بأخرى قبل توريدها بحيث تتيح للمتحكم بتخطي إجراءات الأمان، أو تعديل برمجة الرقائق و استغلال ثغرات بالبرنامج الثابت (Firmware) للمكونات مما يمكنه بزيادة الحمل التشغيلي لها فوق الطاقة الاستيعابية للجهاز مع رفع حرارته لدرجة تؤدي لانفجار الجهاز".وأوضحت أن هذا النوع من الهجمات غالبا ما يستهدف البنية التحتية، مشيرة إلى أن التحليل المبدئي يكشف أن ما حدث هو هجوم على سلاسل التوريد والبنية التحتية.واعتبرت خبيرة تكنولوجيا المعلومات أن هذه الهجمات تشير إلى تغير خصائص الحرب وأدواتها حيث اعتمدت هذه الهجمات على ما يعرف بحروب الجيل الخامس وهي الحروب السيبرانية التي يتم إدارتها عن بعد، لافتة إلى أن هذا النوع من الحرب لا تتطلب وجود العنصر البشري على أرض المعركة مما ينقل الحرب إلى الفضاء السيبراني حيث يصعب تحديد مصدر الموقع ونوع السلاح. (المشهد)