بعدما تلقت كل القوى المناهضة لليمين المتطرف ضربة قوية في انتخابات البرلمان الأوروبي التي انتهت الأحد، ظهرت أولى التداعيات الكبيرة لهذا التحول السياسي في فرنسا حيث أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون بشكل مفاجئ، قرار حلّ الجمعية الوطنية (البرلمان) وإجراء انتخابات مبكرة في غضون 30 يوماً.قال ماكرون مفسّراً خطوته إن القرار كان "خطيرا وثقيلا"، لكنه لا يستطيع أن يسلّم بواقع أن "أحزاب اليمين المتطرف تتقدم في كل مكان في القارة". وبالتالي وجد من المنطقي أن يحتكم إلى الشعب الفرنسي مبدياً ثقته بأن الناخبين "سيقومون بالخيار الأنسب".اليمين المتطرف في فرنسافي موقف قومي مناهض للاتحاد الأوروبي، يقول مصدر مقرب في حزب "التجمع الوطني" لـ"المشهد" إنّه "بحلّ الجمعيّة الوطنية يسعى ماكرون إلى جعل البلاد غير قابلة للحكم من الداخل وبالتالي قابلة للحكم من الخارج بعد تدهور المالية العامة، وستكون فرنسا تحت وصاية المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي".بدوره، أكد النائب في حزب "التجمّع الوطني" جان لين لاكابيل أن: زعيم حزب التجمع الوطني جوردان بارديلا كان أول من حث ماكرون على الدعوة لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، مباركاً للفرنسيين الذين أعربوا عن رغبتهم في التغيير، مشدّداً على أن "فرنسا أصدرت حكمها ولا يوجد أي استئناف".من جهة أخرى، يرى مصدر مقرّب من حزب "النهضة" أن:عندما تحصل داخل الحكومة خلافات بشأن المواضيع الأوروبية، فإن اليساريين الذين لم يصوتوا لماكرون مع أنه خرج من رحم الحزب الإشتراكي وأعطوا أصواتهم لـ"التجمع الوطني" نكايةً به، سيترددون خلال الانتخابات المقبلة، لأنهم مع أوروبا. وعندما تحصل الخلافات في شأن مسائل تتصل بالاتحاد الأوروبي سيقف الفريق اليميني المتطرف في جهة والأعضاء الآخرون في الحكومة في جهة أخرى.الناخبون اليساريون لن يعطوا عام 2027 أصواتهم لمارين لوبن خشية أن تصبح رئيسة وتقود فرنسا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي على غرار ما فعلته بريطانيا.معركة الانتخابات الرئاسيةبمعزل عن الموقف الرسمي الظاهر، يرى المحاضر الجامعي والصحافي المتخصص في الشؤون الدّولية أنطوان الحاج، أن "ماكرون قرر إجراء انتخابات ليتلمس كيف ستُخاض معركة الانتخابات الرئاسية لاحقا. فهو يتوقع أن يحقق اليمين المتطرف نتائج جيدة في انتخابات البرلمان، وبالتالي سيجر حزب التجمع الوطني إلى دخول حكومة ائتلافية، وربما ترؤسها بشخص زعيمه جوردان بارديلا (28 عاماً)، مراهنا على فشله". ويتابع قائلا: "بالتالي ستتراجع حظوظ اليمين المتطرف في الانتخابات الرئاسيّة عام 2027 التي قد تتواجه فيها زعيمة الحزب مارين لوبين مع مرشح ماكرون رئيس الحكومة الحالي غابريال أتال".ويضيف الحاج: "يراهن ماكرون الذي يملك صلاحيات تجعله شريكاً فاعلاً في السلطة التنفيذية على فشل اليمين المتطرف وعلى عدم كفايته، فيضعه تحت المجهر داخل السلطة ليُظهر أخطاءه، وبالتالي تكون لماكرون اليد العليا في الانتخابات الرئاسية المقبلة".زلزال سياسي واقتصادي"زلزال سياسي واقتصادي"، بهذه الكلمات لخص رئيس قسم العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في مركز جنيف للدراسات ناصر زهير الوضع إثر نتائج الانتخابات الأوروبية. واعتبر زهير في حديث لمنصة "المشهد" أن حالة الفزع الكبيرة لا يمكن أن تكون موجودة إلا في حالتين: تحقيق اليمين المتطرف لنتائج كبيرة في فرنسا في الانتخابات البرلمانية، وهذا أمر ممكن لأن ماكرون بحله البرلمان قام بمقامرة سياسية تقوم على أن حزب التجمع الوطني لا يملك مشروعا اقتصاديا متكاملا.وعلى كون الحسابات الفرنسيّة الدّاخليّة تختلف عن الانتخابات الأوروبية. لكن هنا أيضاً، لا يمكن لماكرون ألا يتوقع تصويتاً عقابياً يكون بمثابة ضربة تُخرج حزبه (النهضة) من الحكم.أمّا على مسار الاتحاد الأوروبي، فرأى زهير أن "التوازنات لا تزال في البرلمان الأوروبي نوعاً ما تعطي الغالبية لحزب الشعب الأوروبي والديمقراطيين والاشتراكيين لأن اليمين المتطرف لا يمتلك الغالبية في البرلمان الأوروبي، مشيراً إلى أن هناك انقسامات داخل أحزاب اليمين المتطرف فيما بينها أيضاً في البرلمان الأوروبي وهذه نقطة مهمة قد تُعرقل توجهاتهم الحالية، ولكن هذا لا يُلغي أن هناك ناقوس خطر يُدق حالياً في أوروبا للأحزاب والحكومات التقليدية لتعدل من سياساتها وإلا فإن اليمين المتطرف سيكون البديل".ويبدو المشهد الفرنسي بخلفيته المستجدة صورة مصغرة عن المشهد الأوروبي عموماً، وهو مشهد لا يمكن فصله عن الحرب في أوكرانيا بكل تداعياتها الجيوسياسية والجيواقتصادية، والصراع الأطلسي - الروسي. ويرى مراقبون أن الاتحاد الأوروبي تعرّض وسوف يتعرض لاهتزازات كبيرة وامتحانات عسيرة قد تخرج منها أوروبا "جديدة" لم تتضح ملامحها بعد.(المشهد)