لا يختلف الجميع في أنّ مقتل الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، هو صيد ثمين بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتانياهو، الذي رفع شعار القضاء على قيادات ما يُعرف بـ"محور المقاومة" ردًا على أحداث أكتوبر الماضي، وهي التي كانت صفعة قوية كادت أن تطيح بحكمه. لكنّ مقتل حسن نصر الله الذي من المؤكد أنّ نتانياهو سيستثمره سياسيًا وعسكريًا على المستوى الداخليّ والخارجيّ لا يبدو مؤثرًا فقط في الحرب الدائرة في المنطقة، إذ قد يكون الملف النوويّ الإيرانيّ من أبرز الملفات التي ستطالها شظايا هذا الحدث الفارق. فكيف ذلك؟ طهران والرغبة في العودة للتفاوض والحديث عن علاقة مقتل نصر الله بمستقبل الملف النوويّ الإيرانيّ يطرح نفسه باعتبار العلاقة الوثيقة بين نصر الله وحزبه وإيران، فـ"حزب الله" صناعة إيرانية وكل ما يشهده من تغييرات يعني إيران وكل الملفات الحارقة فيها، وبدرجة أولى الملف النووي. وخلال الأيام الأخيرة وفيما كان "حزب الله" يواجه إسرائيل وحيدًا، عاد الحديث على المستوى الرسميّ عن الملف النوويّ الإيراني، فقد أعلن الرئيس الإيرانيّ مسعود بزشكيان، بعد عودته من نيويورك، أنّ المسؤولين الإيرانيّين أجروا محادثات مع مسؤولين أوروبيّين، حول الاتفاق النووي، خلال زيارته نيويورك، وقال إنه تم الاتفاق على قيام وزراء خارجية إيران والدول الأوروبية بإعادة مناقشة هذا الموضوع. وليس بزشكيان وحده من تطرق لمفاوضات الاتفاق النوويّ الإيراني، فالأسبوع الماضي ألمح الرئيس السابق والمرشح الرئاسيّ الجمهوريّ دونالد ترامب، الذي كان وراء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النوويّ في عام 2018، وفرض عقوبات صارمة على طهران الخميس في تصريح بدا للبعض مفاجئًا، إلى أنّ "التفاوض مع طهران ضروري، بسبب التهديد الناجم عن امتلاك إيران للأسلحة النووية"، مضيفًا "بالتأكيد، سأفعل ذلك. يجب علينا التوصل إلى اتفاق، لأنّ العواقب ستكون كارثية، لا بد من الاتفاق". والجمعة وقبل ساعات من مقتل نصر الله، كرر وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي، تأكيد بلاده رغبتها في العودة للتفاوض، وقال في تصريحات صحفية، إنّ "العودة إلى طاولة المفاوضات هو الجو السائد في محادثاتنا مع الدول الأوروبية".ترتيب أولويات إيرانويعتقد عدد من المحللين، أنّ عودة التفاوض حول الملف النوويّ الإيرانيّ لن يعرف أيّ تغيير حتى حسم الانتخابات الأميركية. ويقول السفير التونسيّ السابق أحمد بن مصطفى، أنّ الحديث عن تأثير مقتل حسن نصر الله على مفاوضات الملف النوويّ الإيرانيّ سابق لأوانه، مؤكدًا في تصريح لمنصة "المشهد"، أنّ تداعيات ما حدث على هذا الملف لا يمكن التكهن بها في الوقت الحالي. ويشير إلى أنّ التفاوض حول هذا الملف له صلة كبيرة بمن سيتولى الإدارة الأميركية، وبالتالي فإنّ "طرح الملف حاليًا يبدو بلا معنى، خصوصًا وأنّ أميركا تعيش انتخابات لا يمكن التكهن بنتائجها". ويرى كذلك أنّ الملف النوويّ الإيرانيّ ليس مطروحًا في المرحلة الحالية بالنسبة لإيران، التي تدرك جيدًا طبيعة تداعيات التطورات الأخيرة عليها وعلى المنطقة ككل. ويعتبر أنّ هذا الملف ليس من أولويات الإدارة الحالية على الرغم من خطابها المرن حول إعادة ترتيب العلاقات الخارجية، وابدائها لانفتاح للعودة للتفاوض حوله. ويلفت إلى أنّ صناعة القرار في إيران معقّدة، وهنا يذكّر بتصريحات المرشد الأعلى التي تضاربت مع تصريحات بزشكيان، مشيرًا إلى أنه شدد على أنّ الردّ على اغتيال إسرائيل لهنية "آتٍ في الوقت المناسب". وفي تقدير الدبلوماسيّ التونسي، فإنّ إيران تبدي حذرًا شديدًا في تحركاتها ومواقفها في المرحلة الحالية، "لأنها تعي جيدًا أنّ استراتيجية إسرائيل هي جرها نحو حرب شاملة، وهو ما تحرص طهران على تجنّبه" وفق تعبيره. ولأعوام طويلة تجنبت طهران الدخول في حرب مباشرة مع إيران، واكتفت بالرد عليها عبر ما يعرف بوكلائها في المنطقة، وكانت مهاجمة تل أبيب ببضع عشرات الطائرات المسيّرة قبل أشهر، ردًا على ضرب سفارة طهران بدمشق، المرة الوحيدة التي تواجه فيها الطرفان مباشرة. ويرى بن مصطفى:مقتل حسن نصر الله لن يكون له تأثير على الملف النوويّ الإيرانيّ على الأقل في الوقت الحاليلا نستبعد أن يتم استثمار ذلك مستقبلًا لتحقيق تقدم عبر مفاوضات غير مباشرة.نتانياهو نجح في تحقيق أهدافه في المقابل أصبحت إيران في الواجهة، وزادت عليها الضغوط التي تطالبها بالرد، في حين أنّ أولوياتها إعادة ترتيب الأوضاع في لبنان حتى لا ينهار "محور المقاومة"، فهي "ليست مستعدة لخسارة تلك الجبهة، ما يعني خسارتها لكل جبهاتها في المنطقة، والتي عبرها تتعامل عادة مع إسرائيل.ويزيد بن مصطفى أنّ طهران تتفادى المواجهة وتحرص على التصرف بحكمة وبعقلانية وببرودة دم، لأنها لا تريد القيام بفعل عشوائيّ قد ينسف كل ما حصدته القضية الفلسطينية من تضامن دوليّ ولا ترغب في خسارة الغرب، لذلك فإنها في اعتقاده لن تردّ الفعل في الوقت الحالي. نصر الله مقابل الملف النوويوعلى عكس بن مصطفى يرى المحلل والباحث السياسيّ نزار مقني، أنّ السياسة الخارجية الإيرانية هي سياسة براغماتية بالأساس، قائمة على حسابات الشد والجذب وعلى الثابت والمتحول، مشددًا على أنّ "الإيرانيّين يعرفون متى وكيف يفاوضون". ويزيد في تصريح لمنصة "المشهد"، مؤكدًا أنّ الثابت في السياسة الخارجية الإيرانية هو الملف النوويّ الذي كلفها كثيرًا وبسببه واجهت أزمات اقتصادية حادة تسببت بدورها في بوادر أزمات داخلية أخرى تخشى السلطة أن تتحول لثورة مثلما ما حدث في ثورة 1979. ويشير مقني إلى أنّ الثورة في عام 1979 قادها اليسار، "والسلطة في إيران تحسن قراءة التاريخ وتتجنب تكراره، لذلك هي تسعى لعدم السماح باندلاع ثورات أيديولوجية مطالبة بالحريات، قد تنقلب إلى ثورة اجتماعية تمسّ الشباب الذي يشكل شريحة كبيرة من النسيج الديمغرافيّ في البلد". ويزيد مقني: انسحاب ترامب في عام 2018 من الاتفاق النوويّ وفرض المزيد من العقوبات على طهران عمّق أزمتها الاقتصادية، لذلك فإنّ هناك حاليًا تيار يدفع بكل الأوراق نحو الذهاب للمفاوضات من جديد.هناك مفاوضات سرية حول النووي الإيرانيّ قد يكون التخلي عن أذرع إيران في المنطقة مقابل التهدئة من بين اشتراطاتها، و'هنا قد يكون نصر الله و"حزب الله" دفعا ثمن هذه التسوية.إيران لا تريد السقوط في فخ إسرائيل التي باتت تتصرف حتى دون مشورة الولايات المتحدة، لجرها لحرب شاملة، لذلك فإنها وفي سبيل إنجاح مفاوضات ملفها النوويّ مستعدة لإزالة جميع العقبات التي قد تهدد مستقبلًا جلوسها مع من سيحكم البيت الأبيض.ولا يستبعد مقني أن يكون "نصر الله قد قُتل ضمن معادلة إضعاف "حزب الله "مقابل استئناف التفاوض حول الملف النوويّ الإيرانيّ على تفاهمات 2016 مع وضع آليات جديدة للضمانات وتعديل السياسات الخارجية". وفي تقديره قد يكون تم التخلي عن نصر الله مثلما تم التخلي عن إسماعيل هنية، ويقول الباحث مقني في السياق، "لم نسمع ولم نرَ ردود فعل ميدانية قوية من طهران على مقتل هنية، ولا أتوقع أن تكون هناك ردود فعل ميدانية على مقتل نصر الله، فحتى المقاومة العراقية اكتفت بإطلاق بضعة صواريخ لم يكن لها أيّ تأثير". وكانت طهران قد توعدت بالرد على مقتل رئيس المكتب السياسيّ لحركة "حماس" إسماعيل هنية، لما كان في زيارة لطهران، لكنها لم تفعل ذلك رغم مرور نحو شهرين.(المشهد)