على ما يبدو أنّ تأثيرات غضب الطبيعة التي حلت مؤخرا بعدد من دول المنطقة، من زلازل وفيضانات لم تقف مخاوفها عند حدود تلك الدول فحسب، بل ذهبت لما هو أبعد من ذلك، فالقلق البالغ بدأ يدبّ في نفوس الجميع داخل مصر، والسبب "سدّ النهضة الإثيوبيّ"، الذي فشلت كل مساعي الحلول في التوصل إلى اتفاق بشأنه خلال أكثر من 10 سنوات مضت.المخاوف في مصر بدأت تتصاعد مؤخرا من حدوث انهيارات بسدّ النهضة، خصوصا مع تكرار حدوث الكوارث الطبيعية داخل القارة الإفريقية، وازدادت حدّة تلك المخاوف، بعد انهيار السدود في مدينة درنة الليبية عقب إعصار دانيال المدمر، الذي ضرب المدينة في الأيام القليلة الماضية.تساؤلات عدة على ألسنة الكثيرين في الداخل المصري والسوداني أيضا، رافقت انهيار السدود في مدينة درنة، حول مستقبل سدّ النهضة الإثيوبي، الذي جرى تشييده في ظل عدم توافق بين دول المصبّ "مصر والسودان"، في ظل ازدياد وتيرة الزلازل والفيضانات داخل القارة السمراء.سد النهضة.. "قنبلة موقوتة"منصّة "المشهد" استطلعت أراء عدد من المتخصّصين في مجال الجيولوجيا والهندسة الإنشائية، حول إمكانية حدوث انهيارات محتملة من عدمها، في سدّ النهضة.في البداية يصف الخبير الجيولوجيّ عادل يحيى سدّ النهضة، "بالقنبلة" الموجهة لمصر والسودان، ويشكل خطرًا كبيرًا على كلا الدولتين من حيث السلامة الإنشائية، مؤكدا أنّ هذا السدّ يدعو للقلق، حيث إنّ السعة التخزينيّة للسدّ مبالغ فيها بنسبة 300%، ويجب أن تقلّص إلى الثلث.وأوضح الخبير الجيولوجي أنّ العمر الافتراضي لسدّ النهضة، لا يتعدى 50 عامًا، بسبب تراكم الطمي أمامه بمعدل 300 ألف متر مكعب سنويًا، محذرًا من أنّ السدّ يؤدي إلى دمار لمصر وتدمير سدود الروصيرص وسنار وموروني السودانية، حال انهياره بشكل كامل.يأتي هذا في الوقت الذي يرى فيه أستاذ جيولوجيا المياه أحمد جابر، أنّ الفيضانات المفاجئة أو التدفقات المائية غير المتوقعة من الأمطار الغزيرة، التي يُتوقع أن تزداد مع تغيّر المناخ، يمكن أن ترفع المياه إلى مستويات قد لا يكون السدّ قادرًا على التعامل معها، ما يجعل الطمي المتكوّن أكثر عرضة للانهيار أو الفيضان، وأوضح في الوقت نفسه، أنه على مدى السنوات الـ40 الماضية، فقدت السدود الموجودة في السودان وإثيوبيا نحو نصف قدرتها على احتجاز الطمي.سدّ النهضة مهيّأ للانهيار في أيّ وقتأما أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة، والخبير الجيولوجيّ عباس شراقي، فراح يزيد من مخاوف المصريّين المتعلقة بتعرّض سدّ النهضة للغرق في أيّ وقت، كاشفا عبر "المشهد" أنّ السدّ مقام على منطقة زلزالية، والمنطقة تقع في الأخدود الإفريقي، وبكل تأكيد الجانب الإثيوبيّ يعرف أنّ السدّ تم إنشاؤه فوق فالق زلزاليّ، لذلك فالسدّ معرّض للانهيار.ويضيف أستاذ الموارد المائية، أنّ منطقة الهضبة الإثيوبية، بها مشاكل كبيرة من الناحية الجيولوجية، منها الأخدود الإفريقي العظيم، الذي يعدّ أكبر فالق في الأرض، مشيرًا إلى أنّ هذا الفالق نشط ويحتوي على العديد من البراكين، خلاف أنّ الهضبة الإثيوبية بها أكبر نشاط زلزاليّ في القارة السمراء.تصميم السدّ به عيوب كثيرة واتفق عدد من المراقبين السودانيين مع الطرح المصري المتوجّس من فرضية انهيار سدّ النهضة، وأبدى البعض منهم تخوّفهم الشديد من هذا الأمر، حيث أكد في البداية المحلل السياسيّ السودانيّ صلاح غريبة في حديث مع "المشهد"، أنّ انهيار سدّ النهضة متوقع بسبب الفيضان الأقصى المحتمل، موضحا أنّ الرسم الكروكي لسدّ النهضة للمخارج السفلية 565 مترا فوق سطح البحر، والمدخل للتوربينات 560 مترا، وهذا عيب تصميميّ خطير.وحول الآثار السلبية للسدّ على بلاده، أوضح غريبة أنّ هناك آثارا سلبية عديدة للسدّ على السودان، وتتمثل بانخفاض منسوب النيل، وهذا يكلف طاقة كهربائية أكبر، بالإضافة لحجز الطمي وحرمان السودان من الزراعة الطبيعية في أطراف النيل، وتضييق مساحة الأراضي، كما يمثّل خطرا جزئيا على الثروة السمكيّة في أطراف النيلمخاوف من انهيار السودانوفي ما يتعلق بالأضرار المحتمل حدوثها حال إنهيار سدّ النهضة لأيّ سبب، كان صلاح غريبة قد حذّر من اختفاء السودان، في حالة حدوث هذا الانهيار، حيث سيتبع ذلك بأيام عدة، انهيار سدّ الروصيرص، وبعدها بأيام قليلة سينهار سدّ مروي، وحين ذاك ستصبح السودان بحيرة ممتدة، معلّلا حديثه بأنّ سدّ النهضة يفتقد للدارسات الفنية الجادة، وهو مشروع سياسيّ بعيد عن المصالح العلمية والمنطقية المفيدة لجميع الأطراف.وفي السياق ذاته، يؤكد أستاذ جيولوجيا المياه الدكتور أحمد جابر لـ"المشهد"، أنّ إثيوبيا من أكثر الدول الإفريقية نشاطًا زلزاليًا، ففي السنوات الـ5 الماضية تعرضت لـ5 زلازل على الأقل، تتراوح قوتها من 4 إلى 5.3 درجات على مقياس ريختر، موضحا أنّ أديس أبابا لديها تاريخ سيّء في إنشاء السدود، فهناك سدّ على نهر عبارة بإثيوبيا، تعرّض للانهيار قبل الانتهاء من الأعمال الإنشائية بعامين، ما أدى لوفاة 47 فردًا في هذا الحادث.أكبر مناطق الصدع على كوكب الأرضواستشهد جابر بأبحاث تشير إلى أنّ سدّ النهضة معرّض للمخاطر البيئية التي قد تتسبب في انهياره، ويرى أنّ الزلازل ليست أقل هذه المخاوف، حيث إنّ السدّ يتاخم واحدة من أكبر مناطق الصدع على الأرض، والمعروفة باسم وادي الصدع الأكبر (Great Rift Vally).وبحسب جابر فإنّ السدّ نفسه وخزّانه، يقعان على "صدع"، وجزء من السدّ مقوّس، بحيث يواجه الجانب المقعّر البحيرة، ما يجعله ضعيفا وعرضة للانهيار، مؤكدا أنّ موقع السدّ نشط "تكتونيًا"، وبالتالي فإنّ الضغط المفرط يمكن أن يتسبّب في انزلاقات.قليل على مصر كثير على السودانويشرح جابر أنه في حالة حدوث انهيار في سدّ النهضة، ستكون العواقب أقلّ ضررا على مصر من السودان، لأنه في هذه الحالة سيقوم السدّ العالي بحجز نحو 140 مليار متر مكعب من المياه، وفي حالة تدفق المياه القادمة من الانهيار المدمر، ستقوم الحكومة المصرية بفتح مفيض توشكى لاستيعاب المياه الزائدة، كما ستُفتح قناطر فارسكور في دمياط لتصريف المياه نحو البحر الأبيض المتوسط، لذلك سيكون الضرر خفيفا، وقد يسفر عن خسائر بسيطة بالنسبة لمصر، أما السودان فالعواقب ستكون وخيمة للغاية.مخاطر حقيقيةمن جهة أخرى، يؤكد عباس شراقي لـ"المشهد" على أنّ سدّ النهضة معرّض للانهيار من تلقاء نفسه، وأنّ الفوالق التي بها نشاط للزلازل والبراكين، يمنع منعا باتًا إقامة السدود عليها، معززا حديثه بأنّ القرن الإفريقي يحتوي على فالقين أرضيين، أحدهما يأخذ الهضبة الإثيوبيّة، والثاني يصل حتى أوغندا وبحيرة فيكتوريا والنيل الأبيض بالكامل.وتابع شراقي أنه ثبت علميًا أنّ هذه الفوالق، في حالة نشاط كبير جدا للزلازل والبراكين بحيث إنّ القرن الإفريقيّ بالدول الـ 9 الموجودة عليه سينفصلون عن إفريقيا بالكامل.كما كشف أستاذ الموارد المائية، أنّ الشركة المصمّمة لسدّ النهضة الإثيوبيّ، هي الشركة نفسها التي شيّدت سدّ على نهر أومو على فالق أرضي مجاور للنيل الأزرق، وينزل على كينيا، حيث انهار هذا السدّ بعد 15 يوما من ملئه مرتين، مرة عام 2016، ومرة عام 2018.(المشهد - القاهرة)