ما زالت رحى الجدل تدور في الأردن حول مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الجديد لسنة 2023، والمعروض حاليا على مجلس النواب، في الوقت الذي تؤكد فيه جهات عدة محلية أو دولية، أنه قانون يأتي لقمع الحريات وتكبيلها.وأجرت اللجنة القانونية النيابية الثلاثاء، تعديلات طالت عددا من المواد في مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، قبل أن ترسله إلى مجلس النواب لمناقشته الخميس، وفق وسائل إعلام محلية.وخفضت اللجنة في التعديلات الغرامة المالية في المادتين 15 و17 في مشروع القانون بنسبة 50%، فيما أبقت على المادة 16 كما هي من دون تعديل. وقررت اللجنة القانونية النيابية الموافقة على المادة 15 مع شطب عبارة "20 ألف دينار ولا تزيد عن 40 ألف دينار، والاستعاضة عنها بعبارة 5 آلاف دينار ولا تزيد على 20 ألف دينار". كما قررت تعديل المادة 17 عبر شطب عبارة "النيل من الوحدة الوطنية والاستعاضة عنها بعبارة تستهدف السلم المجتمعي"، وكذلك "شطب عبارة 25 ألف دينار ولا تزيد عن 50 ألف دينار والاستعاضة عنها بعبارة 5 آلاف دينار ولا تزيد عن 20 ألف دينار". إلى ذلك، دعت منظمات حقوقية عدة الحكومة الأردنية، إلى سحب مشروع قانون الجرائم الإلكترونية.وأكدت في بيان لها، أنّ مشروع القانون من شأنه تقويض حرية التعبير على الإنترنت بشكل أكبر، كما أنه يهدد حق مستخدمي الإنترنت في إخفاء هويتهم، ويقدم سلطة جديدة للسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي من شأنها أن تمهد الطريق لطفرة مقلقة في الرقابة على الإنترنت. ولم يقف الموضوع عند هذا الحد، حيث عبّرت وزارة الخارجية الأميركية الأربعاء، عن انتعاضها من مواد القانون الجديد التي اعتبرته مقيدا للحريات. غموضوقال الخبير الدستوري والقانوني الدكتور ليث نصراوين في تصريح لمنصة "المشهد"، إنه لغاية اللحظة لم يصدر أيّ تصريح عن اللجنة القانونية النيابية، حول طبيعة التعديلات التي قامت بها في ما يخص مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، مبينا أنّ التسريبات الصحفية تفيد بأنه كان هناك تخفيض بنسب معينة على قيم الغرامات. وأضاف أستاذ القانون في كلية الحقوق بالجامعة الأردنية، أنّ المشكلة الموجودة في مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، لا تقتصر فقط على طبيعة الغرامات التي جاءت في مسوّدة الحكومة، إلا أنها تمتد لأوسع من ذلك، بما يخص توضيح المفاهيم والمصطلحات المبهمة الغامضة التي جاءت فيه. ومن المفاهيم الغامصة التي تحدث عنها نصراوين، "اغتيال الشخصية والأخبار الكاذبة والقدح والفتنة"، معتبرا أنّ هذه الأمور لغاية اللحظة لم يتبين موقف اللجنة القانونية النيابية منها، وأيّ تعريف أو توضيح أو تفسير لها. ومشروع القانون يتحدث عن ضرورة إخبار الشخص صاحب الحساب على وسائل التواصل الاجتماعي، أنّ هناك تعليقا مسيئًا مع ضرورة حذفه، وإلا سيتعرض للعقاب، أوضح نصراوين أنّ "هذا الموضوع بحاجة إلى توضيح. كيف يتم إعلام صاحب الحساب أو الصفحة، وكيف يتم الإخبار والتبليغ، وما هي المدة الزمنية اللازمة للتصرف؟". وفي ما يخص موضوع الخروج عن القواعد العامة في ما يتعلق بالذم والقدح في المؤسسات الحكومية، والهيئات العمومية والموظفين العموميين، قال الخبير الدستوري، إنّ القانون ألغى فكرة الإدعاء بالحق الشخصي وتقديم شكوى، وأعطى النيابة العامة حرية التصرف وتحريك دعوى الحق العام. غرامات موسعة وبالعودة إلى الغرامات المالية، قال نصراوي إنه إن صحّت الأنباء عن أنّ اللجنة القانونية قد قامت بتخفيض الغرامة إلى 50% من قيمتها، فإنه لا يزال هناك خروج عن القواعد العامة في التشريع، في ما يخص الغرامات التي تقررها التشريعات الوطنية خصوصا تلك المتعلقة بالحقوق والحريات. وأضاف: "القوانين الأخرى الناظمة للحقوق والحريات في الأردن لا تأخذ بمبدأ وجوبية الجمع بين الغرامة والحبس". وزاد: "مشروع قانون الجرائم الإلكترونية يوجب على القاضي الحكم بالحبس والغرامة، فيما تعطي القوانين الأخرى صلاحية تقديرية للقاضي إما بالحبس وإما الغرامة". وأكد أنّ هذه المادة القانونية جديدة ومع تخفيض العقوبات المالية إلى النصف، ستبقى قيمتها مرتفعة ولا تقارن مع التشريعات الحالية في مجال فرض العقوبات على الحقوق والحريات. دعوات دولية وبعد أن دعت منظمات حقوقية ودولية للتراجع عن القانون، قال نصراوين "يبدو أنّ ردة الفعل المحلية والعالمية على مشروع القانون، جاءت أكبر من توقعات الحكومة. تدخل منظمات دولية وجهات أجنبية ضد مشروع القانون أكاد أجزم بأنها ردة فعل لم تكن الحكومة تتوقعها". ولفت إلى أنّ مصير هذا القانون قد خرج عن اللجنة القانونية وأصبح في يد مجلس النواب، مبيّنا أنه نظريا ودستوريا، فإنّ مجلس النواب يملك في أيّ وقت ردّ مشروع القانون. وأضاف نصراوين: "مجلس النواب يمتلك حق رد القانون حتى أثناء مناقشته وتملك الحكومة الحق في أيّ وقت، أن تسحب مشروع القانون وهذه نقطة مهمة". وأوضح أنه لا يمكن للحكومة أن تتمسك بفكرة أنّ حقها قد سقط في السحب وحق الحكومة الدستوري في سحب القانون قائم في أيّ لحظة، قبل التصديق عليه من قبل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. وقال نصراوين: "لن نعوّل اليوم على مجلس النواب وأعضاء المجلس في إدخال تعديلات، فلا أعتقد ذلك. ستكون هناك فوضى في النقاش، ولكنّ التعديلات ستكون من اللجنة القانونية، وإن لم يتم رد القانون أو سحبه لا أعتقد بأنه سيكون هناك تعديلات جوهرية كبيرة داخل المجلس". جدلية قديمة وفي الحديث عن سبب إقدام الحكومة على مشروع قانون جديد للجرائم الإلكترونية، فال نصراوين إنّ القانون الحالي صدر عام 2015 وهو ليس بالقديم. وبيّن أنّ مشروع القانون الجديد صدر ضمن الثورة التكنولوجية والتقنية وانتشار المنصات الإلكترونية، مضيفا: "لو كانت الحكومة جادة في معالجة الظواهر الإجرامية الإلكترونية الجديدة لكانت قد قدّمت مشروع قانون معدّلا، وأضافت إلى القانون الحالي صورا وسلوكيات جرمية جديدة". وقال: "عندما ألغت القانون القديم وعمدت إلى تقديم مشروع جديد بالكامل، فإنّ ذلك يجسّد رغبة الحكومة في التشدد مع موضوع الجرائم الإلكترونية". وأضاف الخبير الدستوري: "اليوم حرية الرأي والتعبير هي حرية خاضعة للتنظيم وليست مطلقة، ويجب على الحرية أن تُمارس وفق أحكام القانون". وتساءل: "هل ما جاء في مشروع القانون يشكّل قيودا تنظيمية أم قيودا تقييدية للحق في حرية الرأي والتعبير؟". واعتبر أنّ المحكمة الدستورية الأردنية في أكثر من قرار لها، اعترفت بالسلطة التقديرية للمشرّع في تنظيم الحقوق والحريات، ولكن قالت إنه عندما تصل سلطة المشرع إلى تقييد هذا الحق يصبح هذا القانون غير دستوري. وأضاف نصراوين: "إن ثبت فعليا أنّ ما قامت به الحكومة وما قدمته من نصوص قانونية هو تقييد للحقوق والحريات، فنعم هو من باب تكميم الأفواه، وسيكون هناك طعن بعدم دستوريته في المستقبل استنادا للمادة 128 من الدستور". وتنص المادة 128 من الدستور الأردني على أنه "لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها".(المشهد)