في تصريح مُفاجئ، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه يتعيّن على الأردن ومصر استقبال المزيد من الفلسطينيين من غزة، بعد أن تسبّبت حرب إسرائيل ضد حركة "حماس" في أزمة إنسانية. ترامب تحدّث في تصريحات صحفية عن اتصاله أمس مع العاهل الأردني الملك عبد الله بقوله "قلت له إنني أود منك أن تستقبل المزيد لأنني أنظر إلى قطاع غزة بأكمله الآن وهو في حالة من الفوضى، إنها فوضى حقيقية. أود منه أن يستقبل أشخاصًا". وأضاف "أود أن تستقبل مصر أشخاصًا أيضا"، مُضيفًا أنه سيتحدث إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اليوم. وتابع "اقتراح تحريك أعداد كبيرة من الفلسطينيين من قطاع غزة لدول مجاورة قد يكون مؤقتًا أو طويل الأمد".وتعقيبًا على ذلك، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، سام وولبيرغ، لمنصة "المشهد"، "لم نتلق أيّ إرشادات إضافية أو تفاصيل يمكننا مشاركتها. لذا ليس لدينا أيّ شيء نقدمه في هذا الوقت".تصريحات الرئيس الأميركي تفتح الباب مرة أخرى أمام المحاولات الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية عبر تهجير سكان غزة إلى مناطق أخرى، وفق مُحللين.ولكن ترامب لم يكشف المزيد حول رغبته بنقل بعض السكان من قطاع غزة، هل يكون هذا النقل مؤقت لحين الانتهاء من إعادة إعمار القطاع الذي دمرته الحرب الإسرائيلية أم يقصد بذلك نقل دائم للسكان؟وقال خبراء عسكريون ومحللون من مصر والأردن وواشنطن، إنّ مُقترح نقل سكان غزة إلى مصر أو الأردن والذي يهدف إلى خلق واقع جيوإستراتيجي جديد في الشرق الأوسط أمر مرفوض من الدولتين."أمر مرفوض"بدوره، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد حجازي "إذا كانت تصريحات الرئيس ترامب تتعلق باستقبال الجرحى والمصابين وبعض المحكوم عليهم بسنوات طويلة في السجون الإسرائيلية. فمصر تقوم بذلك... أما إذا كان يقصد أكثر من ذلك أو لتمكين إسرائيل من تهجير الفلسطينيين قسريا فهو أمر مرفوض". وأضاف حجازي في حديث لـ"المشهد" أن مصر لديها من الوسائل الدبلوماسية وقنوات التواصل مع الإدارة الأميركية ما يجعلها قادرة على إثناء الإدارة الأميركية عن هذا الطرح". وأشار إلى أن الفلسطينيين كافحوا من أجل الحفاظ على أرضهم و أفشلوا سياسة التهجير القسري ولم يتم تحقيقه بالقوة العسكرية، لافتا إلى أن الفلسطينيين سيظلوا في أراضيهم.وأوضح حجازي أن مجرد طرح الفكرة هو مخالفة صريحة لميثاق الأمم المتحدة ولكل الأعراف والقوانين الدولية، لافتا إلى أن الحل الأمثل هو "إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية للشعب الفلسطيني"، مؤكدا ضرورة تحقيق الشرعية الدولية بإقامة حل الدولتين.وأشار إلى أن مصر قادرة على توصيل رسالتها بشكل لا يؤدي إلى تدهور علاقتها بالولايات المتحدة خصوصا أن العلاقات بين البلدين إستراتيجية.من جانبه، علّق الخبير العسكري المصريّ اللواء سمير فرج على تصريحات ترامب بقوله: "نحن حتى الآن لا نعرف أبعاد تصريحات ترامب.. هل هي تسكين مؤقت لفترة محددة لحين إعادة إعمار غزة ثم يتم السماح بعودتهم إلى منازلهم مرة أخرى أم يتحدث عن نقل دائم". وأضاف في تصريح لـ"المشهد": "نقل الفلسطينيين بشكل دائم إلى مصر أمر مرفوض ومصر أعلنت ذلك من قبل.. ولكن إذا كنا نتحدث عن استقبال مصر للفلسطينيين كضيوف لفترة مُحددة لحين إعادة الإعمار فمن الممكن تحقيق ذلك". تطهير عرقيمقترح ترامب بشأن غزة أسعد قادة اليمين المتطرف في إسرائيل، إذ وصف وزير المالية بتسلئيل سموتريتش اقتراح ترامب بأنه "فكرة رائعة"، مضيفا أن "التفكير خارج الصندوق فقط حول الحلول الجديدة سيجلب السلام والأمن".وتعليقا على المقترح، قال المحلل السياسي الأميركي إتش إيه هيلير، إن مثل هذا النقل "يمكن أن يزعزع الاستقرار بشكل كبير خصوصا بالنسبة للأردن (الذي يضم بالفعل عددا كبيرا من السكان الفلسطينيين) وربما بالنسبة لمصر لنقل الفلسطينيين إلى سيناء على سبيل المثال، لأنه قد يعني أن الصراع بين المسلحين الفلسطينيين وإسرائيل سوف ينتقل إلى هناك".وأضاف في تصريح لصحيفة "فايننشال تايمز"، "هذا سيثير غضب العرب لأن السجل التاريخي واضح للغاية؛ في كل مرة يجبر فيها الفلسطينيون على مغادرة جزء من فلسطين، لم يعودوا أبدا... إن إفراغ غزة من سكانها لن يحظى بأي دعم من العرب، أو حتى على الصعيد الدولي، لأنه تعريف للتطهير العرقي". وأشار إلى أن مثل هذه الخطوة ستقوض احتمالات إقامة علاقات بين إسرائيل والسعودية، التي طالما كانت محور الجهود الدبلوماسية الأميركية في المنطقة.مخطط لتغيير شكل المنطقةبدوره، قال الخبير العسكري والإستراتيجي الأردني نضال أبو زيد، إن تصريحات ترامب تتزامن مع قرار وقف المساعدات الأميركية الخارجية لجميع الدول يضاف إلى ذلك حالة التصعيد العسكري من قبل إسرائيل الذي تشهده المنطقة، خصوصا في الضفة الغربية ما يعني أن هناك ترتيبات يجري العمل عليها لحل الملف الفلسطيني "حزمة واحدة" وليس فقط ملف غزة. وفي تصريحات لـ"المشهد"، أضاف أبو زيد "لكن يبدو أن هناك أولوية للإدارة الأميركية لملف غزة أكثر من ملف الضفة الغربية". وقال: السياسة الخارجية الأميركية لا تختلف بين ديمقراطيين أو جمهوريين لأن الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات ومن يضع السياسة الخارجية هو الكونغرس ويلزم الرئيس بها، لكن تختلف أدوات تطبيق هذه السياسة.من هنا يمكن الاستدلال إلى أن هناك مخطط أميركي لتغيير شكل المنطقة جيوإستراتيجيا عبر اتفاق ديمقراطي جمهوري، لكن يبدو أن الجمهوريين استخدموا أدواتهم الدبلوماسية الخشنة المعتادة تجاه تنفيذ الملفات.في ظل التناغم بين طاقم ترامب الجديد والرؤية الإسرائيلية حول العديد من ملفات المنطقة يبدو أن الرؤى اليمينية الراديكالية بدأت باكرا تضغط على الأردن لتنفيذ هذه السياسات خصوصا في ظل إنهاء عمل السفيرة الأميركية في عمّان.وأضاف أبو زيد أن الضغط الأميركي يتجلى أيضا فيما يشير إلى أن الأردن واقع تحت ضغط اليمين في الإدارة الأميركية الجديدة لتنفيذ أجندات إسرائيلية يمينية تنقذ إسرائيل من مأزق التورط والخسائر في غزة وجنوب لبنان."هل يوجد حل آخر؟"من جانبه، قال المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية والعضو بالحزب الجمهوري حازم الغبرا، إنه بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام، فإن قطاع غزة مدمّر بشكل واسع جدا الآن ويحتاج إلى عملية إعادة إعمار "جزء منها قد يكون ترميمي وقصير المدى، وجزء آخر قد يكون لأحياء ومناطق كاملة في منطقة مكتظة جدا بالأبنية". واعتبر الغبرا في تصريح لـ"المشهد" أن القصة "لا تنتهي بأيام أو أسابيع أو أشهر، وإنما لفترة طويلة يحتاجها القطاع لإعادة الإعمار ليكون صالحا للحياة".وأضاف "نتحدث ليس فقط عن الأبنية، وإنما أيضا البنية التحتية وهناك حاجة لإزالة جميع الأنفاق التي تركتها حماس". وأكد الغبرا أنه "من المنطقي أن تكون هناك فترة يتواجد فيها سكان القطاع في منطقة توفّر احتياجاتهم الأساسية من بُنى تحتية وغذاء ومستشفيات وما إلى ذلك من متطلبات الحياة اليومية التي باتت مفقودة اليوم".وقال الغبرا إن ردّ "حماس" كان أن هذه "خطة لتهجير السكان كي لا يعودوا إلى القطاع أبدا"، متسائلا: "هل لدى حماس حلّ آخر لنسمعه؟". وأوضح أنه لا يوجد طرح لحلول منطقية أخرى.ولفت الغبرة إلى أن "حماس" ليس لديها أي حلول للوضع الإنساني والبنية التحتية والإعمار في قطاع غزة و"هي تريد فقط محاربة الآخرين ونشر الإرهاب".وأكد أنه إذا كان لدى "حماس" أي حلّ آخر لإعادة إعمار القطاع "لتتقدم به لكن حتى الآن لا يوجد حلّ آخر منطقي سوى كما قالت ترامب.. أن يكون هناك مخيمات أو مناطق محددة" كما جرى بالنسبة للشعب السوري الذي عاش لفترة طويلة جدا خارج بلاده. وقال الغبرا: "أعتقد أن الوضع في مصر والأردن مختلف، حيث إن حجم الكتلة السكانية في مصر أكثر من 10 أضعاف الكتلة السكانية الأردنية، وعندما نتكلم عن مليون شخص في الأردن هذا يغيّر البنية السكانية بنسبة 10%.. هذه نسبة كبيرة جدا لدولة وضعها الاقتصادي معقد".(المشهد)