في ديسمبر 1983، وسط التوترات المتزايدة في "الحرب الباردة الثانية"، اتفق وزير الدفاع الأميركيّ كاسبار واينبرغر ونظيره الألمانيّ الغربيّ مانفريد فورنر، على برنامج بقيمة 3 مليارات دولار (تبلغ قيمته اليوم أكثر من 9 مليارات دولار) لتعزيز الدفاعات الجوية لحلف شمال الأطلسي، على طول الساحل. الجبهة المركزية: الحدود الألمانية الداخلية مع الكتلة الشرقية التي يسيطر عليها السوفيات. وبعد مرور 4 عقود، وفي ظل اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية، يقول موقع "ديفانس نيوز" في تقرير له، إنّ قادة "الناتو" يتصارعون اليوم مرة أخرى مع التعقيدات الاستراتيجية والتشغيلية والفنية لمهمة الدفاع الجوي، ويضيف أنه "ينبغي عليهم إعادة النظر في الاتفاقية التي مضى عليها 40 عامًا بين الولايات المتحدة وألمانيا الغربية". وبحسب التقرير فإنه طوال النصف الأول من الحرب الباردة، كانت الدفاعات الجوية الأرضية، في وضع يسمح لها بدعم استراتيجية الدفاع الأماميّ لحلف شمال الأطلسي في أوروبا الوسطى، وتم نشر صواريخ "نايكي" و"هوك أرض-جو" في حزام من طبقتين في ألمانيا الغربية، لكن وبحلول السبعينيات، وبعد العديد من برامج التحسين، كان كلا النظامين يستنفد إمكانات التحديث الخاصة بهما، في حين كان التهديد السوفياتيّ يتصاعد بشكل مطّرد. علاوة على ذلك، مع تحول حلف شمال الأطلسيّ نحو التركيز على الخيارات التقليدية المتدرجة في المقام الأول بشأن الانتقال النووي الشامل، كانت هناك رغبة في استبدال شركة "نايكي" بطريقة غير نووية، لكنّ ذلك، وفق التقرير، يتطلب سرعة أكبر ومدى وقدرة أكبر على المناورة للصواريخ الاعتراضية، وقفزة في تكنولوجيا الاستشعار والتوجيه، فضلًا عن تحسينات في أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات. وكان من المقرر أن يقوم "باتريوت" بتوفير هذه النقلة للقدرات للدفاعات الجوية الأرضية للولايات المتحدة وحلفائها.ميزانيات الدفاع الأوروبيةويتابع التقرير أنه مع إجهاد ميزانيات الدفاع بسبب أولويات التحديث الأخرى، توصلت بون وواشنطن إلى اتفاق مفصل لتقاسم التكاليف لتزويد القوات المسلحة الألمانية الغربية بـ36 وحدة نيران باتريوت، والتي تضم في نهاية المطاف ما مجموعه 288 قاذفة صواريخ مع ما يزيد عن 2300 صاروخ اعتراضي، ووفق الاتفاق ستقوم بون بشراء 12 وحدة إطفاء، بينما ستقوم واشنطن بتزويدها بـ12 وحدة أخرى و سيتمّ إقراض 12 مبلغًا إضافيًا لألمانيا الغربية من قبل الولايات المتحدة لفترة أولية مدتها 10 سنوات، سيتم تشغيلها جميعًا بواسطة ما يقرب من 2000 جندي من الجيش الألماني. واتفقت بون وواشنطن أيضًا على شراء العشرات من وحدات إطلاق النار من طراز "رولاند"، وهو نظام صاروخيّ أرض جو متنقل فرنسيّ -ألماني قصير المدى، لحماية المطارات الأميركية وألمانيا الغربية، وهذه أيضًا سيتمّ تشغيلها من قبل القوات المسلحة الألمانية، لكنّ الحرب الباردة انتهت قبل وصول جميع أنظمة باتريوت إلى ألمانيا الموحدة الآن.ما بعد الحرب الباردةوفي فترة ما بعد الحرب الباردة، كانت أنظمة الدفاع الجوي المكلفة هدفًا مرحبًا به لخفض الميزانيات العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وتعثرت جهود تطوير نظام الدفاع الجوي المتوسط، الممتد المشترك بين الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا؛ كما أنّ القدرات المضادة للطائرات من دون طيار لم تحظَ باهتمام كبير. وتقدم الدراسة الأخيرة التي أجراها ضابط القوات الجوية الألمانية فريدريك هارتونغ نظرة عامة على الدور المتغير لقدرة الجيش الألمانيّ المتقلّصة بعد عام 1990، والتي بالكاد كانت قادرة على الاستمرار في تشغيل عشرات بطاريات "باتريوت" والقليل من الأشياء الأخرى عندما شنت روسيا هجومًا واسع النطاق على أوكرانيا في فبراير 2022.وأدت الهجمات الصاروخية والطائرات من دون طيار التي شنتها روسيا على أهداف عسكرية ومدنية في جميع أنحاء أوكرانيا، وصدمة الحرب على نطاق أوسع، إلى استجابة سريعة من الزعماء الأوروبيّين لمتابعة خطط حلف شمال الأطلسيّ لإعادة بناء الدفاعات الجوية للحلفاء. ومن خلال التبرع بأنظمة مختلفة، ساعدوا كييف في إقامة أنظمة الدفاع الجوي.نظام "باتريوت" لكنّ ذلك زاد من إجهاد القدرات الأوروبية بحسب التقرير، الذي أكد أنّ مبادرة "درع السماء" الأوروبية التي أطلقها المستشار الألمانيّ أولاف شولتز، تحاول تجميع الطلب والاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير لأنظمة "GBAD" "الجاهزة، وفي المقام الأول نظام "باتريوت" ونظام IRIS-T SLM" المنتج في ألمانيا. وفي حين اشترك 18 من شركاء ألمانيا الأوروبيّين في المبادرة حتى الآن، انتقد البعض اختيار الأنظمة المتضمنة، وأعربت باريس عن مخاوفها بشأن التداعيات الاستراتيجية لقرار برلين شراء صاروخ "آرو 3" الإسرائيليّ للحماية من التهديدات الخارجية، معربة عن قلقها من أنّ ذلك يمكن أن يقوّض الاستقرار الاستراتيجي.ويقول التقرير إنه يمكن لآلية اتفاقية عام 1983 الخاصة بوحدات إطلاق النار "GBAD" المملوكة للولايات المتحدة والتي سيتمّ تشغيلها من قبل جنود ألمانيا الغربية، أن تكون بمثابة نموذج للانتقال إلى ركيزة أوروبية أكثر تكاملًا في بنية الدفاع الجوي والصاروخيّ لحلف شمال الأطلسي. وترى الصحيفة أنّ الاستثمارات الأوروبية المبكّرة لتوسيع القدرة الصناعية لأنظمة الدفاع الجوي، تعود بالنفع على أوكرانيا أيضًا، وأنّ إنشاء منشأة إنتاج صواريخ "اتريوت" المتقدمة ذات القدرة المتقدمة التوجيهية في ألمانيا، سيساعد أيضًا على تجديد مخزونها. ولكن للحصول على قاذفات ووحدات إطلاق نار مطلوبة بشكل أكثر إلحاحًا هناك، فإنّ نموذج الإقراض الذي تنصّ عليه اتفاقية عام 1983، قد يكون جاذبًا لشركاء أوكرانيا من خلال خفض العبء الماليّ الفوريّ مقارنة بالتبرعات.ويختم التقرير مشددًا على أنه اليوم، أصبحت حدود حلف شمال الأطلسي مع روسيا، ضعف طول الخط الفاصل بين الألمانيّتين أثناء الحرب الباردة، لذلك فإنّ مد الدرع الصاروخيّ الفعّال ليشمل كامل الأراضي الأوروبية لحلف شمال الأطلسي، أو حتى الحلفاء في الخطوط الأمامية فقط، يكون غير ممكن من الناحية الفنية وباهظ التكلفة. من هنا يتعين على الحلفاء الأوروبيّين في حلف شمال الأطلسي، أن يكملوا الجهود الرامية إلى تعزيز الاستثمار في قدرات الضربات العميقة.(ترجمات)