بدأت قوى الإطار التنسيقيّ وعلى رأسها ائتلاف دولة القانون (تحالف سياسيّ بقيادة رئيس الوزراء العراقيّ الأسبق نوري المالكي)، تحركاتها السياسيّة لتعديل قانون الانتخابات البرلمانية العراقية رقم 12 للعام 2018، بهدف إلغاء نظام الدائرة الواحدة في كل محافظة، والعودة إلى الدوائر المتعددة.وهذه المرة الرابعة التي يتم فيها تعديل قانون الانتخابات البرلمانية، حيث لم يمض سوى عام واحد فقط على التعديل الثالث، الذي تمّ تطبيقه على انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة فقط. حيث شهد العراق تغييرات متكررة في نظامه الانتخابي خلال 5 دورات تشريعية، واعتمدت غالبية تلك الانتخابات على نظام "سانت ليغو" بمعادلة 1.7.ونظام سانت ليغو، هي طريقة تمّ ابتكارها في العام 1910، للتخفيف من العيوب الناتجة عن عدم التماثل بين عدد الأصوات وعدد المقاعد، وقد شكّل تطبيق هذا النظام فائدة جمّة للأحزاب الكبيرة على حساب الأحزاب الصغيرة، وأول الدول التي اعتمدته هي النرويج والسويد.لماذا السوداني؟ وفي الوقت الذي تؤكد فيه الكتل السياسية الكبرى على ضرورة تعديل القانون لضمان مشاركة أكبر عدد من الناخبين في الانتخابات النيابية المقبلة التي ستنطلق مع نهاية العام 2025، وستمهّد لتشكيل الحكومة الجديدة، يرى مراقبون أنّ الكتل الشيعية المسيطرة على قرارات مجلس النوّاب تسعى لتفصيل قانون يتناسب فقط مع مصالحها السياسية وأطماعها في السيطرة على القرار السياسي.ويبرز رئيس الحكومة الحالي محمد شياع السوداني، كنقطة أساسية يدور حولها الخلاف السياسيّ، حيث تؤكد بعض الكتل السياسية على ضرورة الإبقاء على نظام الدائرة الواحدة أي أن تكون بغداد دائرة انتخابية واحدة، بينما ترغب قوى الإطار التنسيقي بتقسيم بغداد لأكثر من دائرة انتخابية، خوفاً من شعبية السوداني، مما سيؤدي لفوزه في الانتخابات البرلمانية المقبلة 2025. وبالتالي تقسيم بغداد إلى دوائر انتخابية عدة، سيؤدي لتقليص فرص السوادني بالفوز، على اعتبار أن جمهوره متفرق جغرافياً، ونظام الدوائر المتعددة سيقلل من حظوظه بدورة حكومية ثانية. بينما سيزيد من فرص المالكي في قيادة الحكومة العراقية الجديدة في حال قام بترشيح نفسه.ما دور المالكي؟ وصرّح قيادي بارز في ائتلاف دولة القانون، فضّل عدم ذكر اسمه، لمنصة "المشهد"، بأنّ نوري المالكي عازم على تعديل قانون انتخابات مجلس النواب خلال المرحلة المقبلة، حيث سيتم طرح التعديلات داخل أروقة مجلس النواب من أجل مناقشته بين الأطراف السياسية الموافقة والأخرى المعترضة على تعديله.وأكّد القيادي، أنّ تعديل القانون لن يكون سهلاً لوجود انقسام سياسيّ بين الكتل الكبرى على شكل القانون الجديد، مضيفاً: "يريد المالكي إضافة فقرة استقالة المسؤول التنفيذي قبل الانتخابات النيابية بـ6 أشهر، وعلى رأسهم رئيس الحكومة محمد شياع السوداني".وأضاف القيادي البارز، أنّ بعض القوانين الانتخابية أدّت إلى خلل في بعض المحافظات، لذلك ما يطرحه ائتلاف دولة القانون من أجل مشاركة الكتل الأخرى، كما أن المطالبين بالتعديل ليس فقط دولة القانون، بل أيضاً هناك كتل سياسية أخرى ترغب بذلك، وسيتم طرحه من قبل الإطار التنسيقيّ إلى باقي الأحزاب. دور المشهدانيويرى مراقبون أنه كان من المتوقع أن تكون أولى خطوات رئيس مجلس النواب الجديد محمود المشهداني، هي المطالبة بتعديل قانون الانتخابات، من أجل ضمان مصالح الكتلة الشيعية في البرلمان، إلا أنّ التعديل لا يعبّر عن رغبة الشعب العراقي، حيث إنّ نظام الأكثرية المعمول به حالياً هو من أقدم الأنظمة وأبسطها في التطبيق، وما يزال مستخدماً في العديد من دول العالم.ويرى القياديّ في تيار الحكمة الوطني، رحيم العبودي، أنّ محاولة تغيير قانون تعديل الانتخابات، من قبل بعض القوى السياسية، هو فقط لتحكم سيطرتها السياسية وتحقق أرقامًا مرتفعة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بالتالي لا يوجد إجماع على التغيير، بل محاولات من جانب سياسيّ واحد، وأيّ تغيير في القانون الحالي لا يمثل الإرادة الشعبية أو رغبة حقيقة بالتصحيح أو التطوير.ويؤكد العبودي لـ"المشهد" أنّ "تيار الحكمة لا يؤيد الذهاب باتجاه رفع مستوى التوتر بالنسبة للداخل العراقي، بل نسعى إلى إيجاد رؤية إستراتيجية تحقق المصلحة العامة للشعب العراقي، أما الولاية الثانية للسيد السوادني، لا يمكننا القول إن تعديل القانون يسعى لتنحيه بشكل مباشر".ويضيف العبودي أن التغيير "إنّ كان ضرورة، فلا بد أن يتم بالإجماع وليس من جانب واحد، وأن تكون المعادلة باتجاه عملية التمثيل لضمان حقوق الناخب، وهدم الهوة مع الشعب، لذلك نعوّل على إدارة السوداني في المرحلة السابقة أنه استطاع كسر هذه الهوة".وكان رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي قد أكد قبل أسبوعين على ضرورة الإسراع في تعديل قانون الانتخابات وإقراره، وطالب رئيس مجلس النوّاب الجديد محمود المشهداني بذلك، مشيراً إلى وجود مسودة قانون مكتوب لدى رئاسة الجمهورية.وقال المالكي في كلمته: "يجب الاتفاق على تقديم مسودة مشروع لتعديل قانون الانتخابات البرلمانية، كما يجب إيضاح نظام الانتخابات هل هو دائرة واحدة أم دوائر متعددة، وهل هناك انتخابات مبكرة؟". كما شدد على ضرورة حسم موضوع اعتماد البطاقة الموحدة في الانتخابات أو البطاقة البايومترية، ودعا جميع المواطنين إلى تحضير البطاقة البايومترية للمشاركة في الانتخابات. غياب النظام الثابت من جانبه، يرى المحلل السياسي عصام حسين، أنه "لا يوجد في العراق قانون انتخابات ثابت، حتى تتمكن الكتل السياسية من التكيف مع هذا القانون، بل في كل موسم انتخابي يوجد تغيير أو تعديل حسب مصالح الأحزاب السياسي".ويؤكد حسين لـ"المشهد" أنه "يوجد صراع داخل الكتل السياسية حول موضوع الدائرة الواحدة أو الدوائر المتعددة، حيث ترى بعض الأحزاب السياسية أن نظام الدائرة الواحدة يوفر لها بعض المقاعد في المرحلة المقبلة، إذاً خوفهم من الخسارة الانتخابية تجعلهم متسمكين بالقانون الحالي، بينما يرى ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي أن القانون الحالي يخدم محمد شياع السوداني".ويضيف حسين أن هذه التعديلات المستمرة، وعدم وجود قانون انتخابات ثابت، "يخل بالحالة الديمقراطية، إذاً غياب قانون انتخابات ثابت يتم استخدامه وتطبيقه في الانتخابات المحلية والبرلمانية، يزيد من هيمنة الكتل السياسية التي تستطيع تعديل القانون وفقاً لمصالحها".وبالنسبة لرأي التيار الصدري، يؤكد حسين أن التيار الصدري "ما يزال صامتاً، ولا يوجد رأي واضح حول مشاركتهم المقبلة في الانتخابات من عدمها، كما لاحظنا وجود لا مبالاة من التيار الصدري حول هذا الصراع الدائر، وعليه موقف التيار هو من موقف السيد مقتضى الصدر، وإلى الآن لم يتم إصدار أي رأي سياسي بما يخص الانتخابات أو قانونها". (المشهد - بغداد)