تعود رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني هذا الأسبوع إلى تونس مرةً أخرى، وذلك بعد مرور أيّامٍ قليلة على زيارةٍ قد أجرتها الثلاثاء الماضي والتقت خلالها الرئيس قيس سعيّد، لكن على ما يبدو أنّ هذه المرة لن تكون وحيدة بل مصطحبة معها زعماء أوروبيين آخرين وحزمة مساعدات ماليّة والمزيد من الاتفاقات.ويصل زعماء إيطاليا وهولندا ورئيسة المفوضيّة الأوروبيّة إلى تونس الأحد، إذ من المقرّر أن يعلنوا خلال هذه الزيارة عن حزمة مساعدات من الاتّحاد الأوروبي لتونس. ما الهدف؟ يقول المتحدث الإقليمي باسم الاتحاد الأوروبي لويس ميغيل في تصريح خاص لمنصة "المشهد" إن "زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية إلى تونس تأتي على خلفية زيارات عدة من مسؤولين في الاتحاد الأوروبي أجريت في الآونة الأخيرة من أجل تعزيز العلاقات الثنائية في مجموعة من المجالات". ويضيف ميغل: "العلاقات مع تونس تُغطي مجالات عدة، حيث يعمل الاتحاد الأوروبي وتونس على تعزيز شراكتهما بشأن الهجرة، والتي تتضمن دعم إدارة الحدود، وتعزيز التعاون القضائي والشرطي، بما في ذلك توقيع مذكرة تفاهم مع الشرطة الأوروبية (اليوروبول) ووكالة التعاون القضائي (يوروجست)". ويؤكد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي أن "هناك رغبة في العمل على دعم تونس بخصوص العودة الطوعية للمهاجرين وإعادة الإدماج الاجتماعي والاقتصادي ضمن آلية تونسنا الوطنية، فضلا عن تعزيز الهجرة القانونية بالتعاون مع القطاع الخاص".الاستقرار الاجتماعي وخلال زيارتها لتونس الأسبوع الماضي دعت رئيسة الحكومة الإيطالية "إلى أهميّة تبنّي نهج ملموس على المستوى الأوروبي لزيادة الدّعم لتونس في مكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير القانونية وتوفير برنامج يشمل كلّ التمويلات" بما في ذلك مساعدة على ترحيل المهاجرين. وفي الفترة من 2021 إلى 2023 قدم الاتحاد الأوروبي لتونس ما يصل إلى 600 مليون يورو (645 مليون دولار) تمويلات، حسبما قال المتحدث الإقليمي لمنصة "المشهد"، والذي يضيف: "هذا يشمل قطاعات مثل سيادة القانون والحوكمة والنمو المستدام وخلق فرص عمل ودعم للانتقال للاقتصاد الأخضر. بالإضافة إلى دعم مكافحة التهريب على الصعيد الإقليمي". ويعتبر مراقبون وخبراء أنّ ما تقوم به الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتونس، يأتي في إطار خطّتهم لمنع الهجرة النظامية وغير النظامية إلى دول الاتحاد، وهو يؤكّده خلال حديثه مع منصّة "المشهد" الخبير الاقتصادي التونسي الدكتور رضا الشكندالي. ويقول الشكندالي: "دول الاتحاد الأوروبي تعيش حاليًّا مشكلة مؤرّقة تتعلّق بالهجرة النظامية وغير النظامية. وتونس تُعتبر الآن بوابة مهمّة جدا للمهاجرين إلى أوروبا، خصوصا إيطالية التي تقود الدعم والمساعدات الاقتصادية إلى بلادنا. لهذا ينظر الزعماء الأوروبيون إلى تونس بموضع اهتمام وتأكيد على أهمية استقرار الأوضاع المالية والاجتماعية لمنع الهجرة". ويتّفق مع هذا الباحث السياسي المقيم في باريس رامي الخليفة العلي والذي يقول خلال حديثه مع منصّة "المشهد" إنّ أوروبا لديها مصالح متعدّدة وكثيرة مع تونس، ومن بينها ملفّ الهجرة، على الرغم من أنّها ليست الوحيدة المعنية بهذا الملف باعتبار أنّ ليبيا أيضا تمثّل دولة عبور للمهاجرين". وكانت تونس قبل أيّام موضع اهتمام في مباحثات أوروبية بشأن إصلاح نظام الهجرة، حيث كانت إيطاليا تطالب بتمكين المهاجرين الذين لم يحصلوا على حقّ اللجوء من التوجه إلى بلدان "آمنة" مثل تونس وألبانيا، ويمكنهم أن يمرّوا عبرها حتى في غياب صلة محدّدة بين المهاجر المعني والبلد الآمن، لكن ألمانيا عارضت هذه الفكرة، قبل أن يتمّ التوصّل بعد ذلك لاتفاق من نصّين رئيسيين لإصلاح نظام الهجرة من بينهم تنفيذ إجراءات مسرّعة لمراجعة طلبات اللجوء لبعض المهاجرين غير المؤهلين بشكل واضح والقادمين من بلد يعتبر "آمنا" وتسهيل إعادتهم إلى هذه البلدان. لهذا يقول العلي وهو أيضا أستاذ الفلسفة السياسية: "هنالك رغبة أوروبيّة بأن تقوم تونس بدور حاسم في محاربة الهجرة غير الشرعيّة وهذا بحاجة إلى مساعدات وتسعى إليه دول الاتحاد الأوروبي. لكن في نفس الوقت من مصلحة أوروبا أيضا استقرار الأوضاع الداخلية في تونس"، مشيراً إلى أنّه من الجيّد أن تسعى أوروبا لتقويم العلاقات بين ضفتيّ المتوسط، "خصوصاً أنّها ليست على المستوى المطلوب". بدوره يؤكّد الخبير الاقتصادي التونسي ما جاء من وجهة نظر سياسية، قائلا: "أوروبا تيقّنت أنّه دون استقرار اجتماعي في تونس قد تتفاقم أزمة المهاجرين إليها، وهي تحاول حشد الدعم المالي، لإتمام الإصلاحات الاقتصادية التي تضمن للاقتصاد الانتعاش والنمو. لكن في نفس الوقت ترهن هذا وتضغط من أجل تنفيذ إصلاحات اقتصادية بالتعاون مع مؤسّسات دوليّة، وهو ما يرفضه الرئيس سعيّد". الإصلاح الاقتصادي تحاول أوروبا إقناع الرئيس سعيّد بالمضيّ قدماً في اتّفاقٍ مع صندوق النقد الدولي، خصوصا أنه يرفض برنامج الإصلاح الذي ينصّ على إعادة هيكلة أكثر من 100 شركة عموميّة مثقلة بالديون ورفع الدعم الحكومي على بعض المواد الأساسية، حيث قال في أبريل الماضي إنّه "لن يجازف بتهديد السلم الأهلي في البلاد"، وذلك بعد تعثّر التوصّل لاتّفاقٍ نهائيّ منذ عدة أشهر. وعلى النقيض ممّا يقوله المسؤولون في تونس، يعتبر صندوق النقد الدولي نفسه "شريكا وثيقا لتونس في معالجة التحدّيات الاجتماعية والاقتصادية على مدى العقد الماضي"، بحسب ما قالت متحدّثةً باسم صندوق النقد الدّولي لمنصّة "المشهد" قبل شهرين ردًّا على رفض تونس المضيّ قُدماً في الإصلاحات. لكنّ الخبير الاقتصاديّ التونسي كرّر خلال حديثه ما يقوله رئيس بلاده، حيث أكّد أنّ "تونس لن توافق على إملاءات صندوق النقد الدولي التي تهدد السلم الاجتماعي، خصوصاً في ظلّ ارتفاع مستويات التضخّم التي تهدّد بالفعل الأوضاع المعيشية في البلاد". وتعثّرت تونس، التي تعاني أزمةً ماليّة شديدة الوطأة، في التوصّل لاتّفاق نهائي مع صندوق النقد لاقتراض 1.9 مليار دولار في ديسمبر 2022، حيث أرجأ النظر في طلب تونس بسبب التأخر في تنفيذ بعض الإجراءات الإصلاحية المتّفق عليها. ويعتبر رضا الشكندالي أنّ فكرة رهن أوروبا الدعم المالي لبلاده بالوصول إلى تفاهمات معها بشأن المهاجرين، أمرٌ غير وارد وهذا "ملفّ معقد بالنسبة للطّرفين"، لكنه لا يستبعد في نفس الوقت أن تحاول "بلاده الحصول على دعم أوروبيّ في مفاوضاتها مع صندوق النقد لتأجيل الإصلاحات الخاصّة بإلغاء الدعم الحكومي عن السلع مقابل الاتّفاق على ملفّ المهاجرين". وأكّدت رئيسة الحكومة الإيطالية الأسبوع الماضي أنّها تقدّم "الدعم لتونس" خلال محادثاتها مع صندوق النقد الدّولي لنيل قرضٍ جديد، معتبرةً أنّ "استقرار الوضع السياسي والأمني وتقدّم الديموقراطية في تونس أمرٌ لا غنى عنه". ووفق بيانات المرصد الاجتماعي التونسي، بلغ عدد التونسيين الواصلين إلى السواحل الإيطاليّة بطريقة غير نظامية خلال عام 2022، نحو 18,148 شخصا، بزيادة نسبتها 26.5% عن عام 2021، و274% عن عام 2018. لهذا تقود إيطاليا الجهود الأوروبيّة نحو دعم تونس لدى صندوق النقد الدولي والتعهّد بتوفير موارد ماليّة ضخمة، من أجل الوصول إلى اتّفاق أيضا بشأن المهاجرين، حسبما يقول الخبير الاقتصادي التونسي، والذي يضيف: "يجب أن يكون هذا وفق ما يتناسب مع رؤية تونس". وتابع الشكندالي بالقول: "أوروبا لديها هدفٌ واضح، الحدّ من أعداد المهاجرين. فيما تهدف تونس إلى إصلاحات اقتصادية تحسّن مستوى المعيشة وليس إملاءات من صندوق النقد الدولي تفاقم الأوضاع". والجمعة خفّضت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتمانيّ تصنيف تونس الائتماني إلى"ccc-"، مرجعةً ذلك إلى النقص الملموس في التمويل الخارجي لتونس بما يتجاوز تصوّرها الأساسيّ ممّا سيزيد الضغوط على الاحتياطيّات الدولية "وبما يعكس عدم اليقين بشأن قدرة البلاد على جمع التمويل الكافي لتلبية متطلّباتها الماليّة الكبيرة".(المشهد)