من الواضح أن الحرب التي طال أمدها في غزة، ليست مدمرة فقط للشعب الفلسطيني، ولا تشكل تهديدًا لأرواح الأسرى الذين تحتجزهم "حماس" فحسب، بل لها عواقب وخيمة أيضًا على شمال إسرائيل، الذي أصبح منطقة حرب مهجورة إلى حدّ كبير منذ أكتوبر الماضي. ومن المؤكد أنه من دون وقف إطلاق النار، ستتدهور الحالة على الحدود الشمالية بسرعة كبيرة، لتفتح حربًا واسعة النطاق بين إسرائيل و"حزب الله" اللبناني، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".وفي هذا الشأن، صرح زعيم "حزب الله" حسن نصر الله مرارًا وتكرارًا أنّ الحزب سيواصل هجماته طالما أنّ الأعمال العدائية في غزة مستمرة.وكان للإجلاء الجماعيّ للمدنيّين الإسرائيليّين من شمال إسرائيل، وإنشاء منطقة عازلة بحكم الواقع عواقب وخيمة، إذ تمكن "حزب الله" من القتال بحريّة أكبر، ومن استهداف مناطق واسعة ككريات شمونة وميتولا ومارغاليوت، من دون تكبد الخسائر في صفوف المدنيّين، الأمر الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى تصعيد سريع وضخم. قلق بين الإسرائيليينلكن لا شك أنّ استمرار القتال لا يزال يسبب أضرارًا للعديد من المنازل والبنية التحتية في الشمال الإسرائيلي، ولا يزال عشرات الآلاف من الإسرائيليّين الذين تم نقلهم إلى الفنادق، ليس لديهم أيّ فكرة عما إذا كان بإمكانهم العودة إلى منازلهم ومتى، أو تحت أيّ ظروف. ومع انتهاء العام الدراسي وحاجة العائلات إلى التخطيط للخريف، ليس لدى المستوطنين أيّ فكرة عما إذا كانوا سيعودون إلى حياتهم الطبيعية قبل حرب غزة. ويعاني الكثيرون منهم ضائقة اقتصادية لأنّ أعمالهم توقفت، ولم تزوّدهم الدولة بجدول زمنيّ أو خطة للعودة.وفي سياق متصل، تدّعي إسرائيل أنها تحقق إنجازات تكتيكية مهمة ضد "حزب الله" في جهودها لتأمين الحدود. ولكن مع تزايد عدد الطائرات بدون طيار والصواريخ التي يتم إطلاقها من لبنان، من المحتمل أن يكون التجوال في البلدات الشمالية شبه الفارغة، أكثر خطورة مما هو عليه في المدن القريبة من غزة.حرب شاملة ضد إسرائيلكما أنّ الإنجازات التكتيكية الإسرائيلية التي تم الترويج لها قد فشلت في إحداث تأثير في قدرات "حزب الله". وقد تشير هذه التطورات أيضًا إلى وضع أكثر خطورة، فقد يعتقد "حزب الله" أنه يحقق مكاسب إستراتيجية تفوق خسائره، خصوصًا وأنه يدرس بجدّية أنظمة الدفاع والمراقبة الإسرائيلية منذ فترة طويلة. ومن الواضح أنّ الحزب يبحث عن نقاط ضعف إسرائيل ويكتشفها، من أجل اختراق دفاعاتها وإرباكها من خلال هجمات متعددة الجوانب، بعبارة أخرى، قد يكون "حزب الله" يستعد لحرب شاملة مع إسرائيل، حيث سيحاول تحريك الدفاعات الإسرائيلية وتحييدها.ومن جهتهم، يصرّ المسؤولون العسكريون والسياسيون الإسرائيليون، على أنّ إسرائيل لا يمكنها وقف الحرب في غزة، لأنّ "حماس" لم تُهزم بعد، ويعتقدون أنّ حربًا أخرى مع "حزب الله" هي مسألة وقت، خصوصًا أنّ السياسيّين اليمينييّن المتطرفين يدعون إلى هجوم على لبنان.وفعليًا، أنّ الاستمرار في المسار الحالي لتصعيد الهجمات المتبادلة أمر خطير جدًا، لأنّ خطر اندلاع حرب شاملة، حتى لو لم يرغب أحد في ذلك، يتزايد باستمرار كل يوم، بسبب الحسابات الخاطئة في ساحة المعركة وفعالية الأسلحة المستخدمة، وكلما طالت فترة حرب الاستنزاف مع "حزب الله"، كلما زاد احتمال انجرار إسرائيل إلى صراع أعمق.ومن المؤكد أنّ وقف إطلاق النار في غزة سيجلب الهدوء إلى الشمال، ويمهد الطريق أمام المستوطنين للعودة إلى ديارهم، ويفتح المجال أمام إمكانية التفاهمات الدبلوماسية بين إسرائيل ولبنان.(ترجمات)