عجّت الأوساط الإسرائيلية الرسمية والعسكرية والإعلامية، بظهور لافت لعناصر حركة "حماس" وفرض سيطرتهم المدنية على مناطق شمال غزة، تزامن ذلك، مع زيادة نسبية في عدد عمليّات إطلاق الصواريخ من شمال القطاع، الذي دخله الجيش الإسرائيليّ وخاض فيه معارك عنيفة، ومن ثم قلّص حجم قواته، حيث شهدت منطقة الشمال أشدّ معارك القتال بين "حماس" والقوات الإسرائيلية التي مُنيت بخسائر فادحة، لكنها أعلنت عن سيطرتها الكاملة وهزيمة "حماس" وإلحاق الأضرار الفادحة بقدراتها العسكرية. وحيال عودة عناصر"حماس" إلى شمال غزة عقب المعارك التي دارت بين الجانبين، أعربت مصادر عسكرية إسرائيلية خشيتها من تنامي القدرة العسكرية لـ"حماس" شيئًا فشيئًا في المناطق التي ينسحب منها الجيش الإسرائيلي، وهو ما بات يثير القلق الإسرائيليّ بشكل متزايد. وفي هذا الإطار، كشفت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عن علامات خوف متجدّدة في المنطقة التي سبق للجيش الإسرائيليّ أن بسط سيطرته عليها في الشمال، كما أبدت قلقها من مغبّة تآكل الإنجازات التي حققتها في شماليّ القطاع، عقب الانتهاء من مرحلة القتال العنيف، فما الدوافع إزاء القلق الإسرائيلي؟ وما الدلالات والارتدادات لظهور عناصر من "حماس" في شمال غزة؟ زيادة النشاط العسكري الإسرائيلي شمال غزةوحول تبعات إعادة الوجود من قبل عناصر "حماس" في شمال غزة، يقول المحلل السياسيّ شلومو غانور لمنصة "المشهد"، إنّ "التوجس الإسرائيليّ يتمحور حول قيام "حماس" بإعادة قدراتها العسكرية، وتأهيل قواتها وعناصرها في شمال غزة، حيث طرأت مؤخرًا بعدما انسحبت القوات الإسرائيلية منها، زيادة ملحوظة ونسبية في عدد عمليات إطلاق الصواريخ من هناك، باتجاه البلدات الإسرائيلية، خصوصًا المناطق التي كانت القوات الإسرائيلية، قد حققت فيها سيطرة عملياتية وقلّصت حجم قواتها فيها". وأردف غانور قائلًا: "وبالتالي هذا الظهور الميدانيّ لعناصر من "حماس" في هذه المنطقة بالذات، أدى إلى قلق وانزعاج المؤسّستين الأمنية والعسكرية في إسرائيل، ومن المحتمل أن يعود ليشتعل القتال فيها، وبالتالي قد يؤدي إلى زيادة النشاط العسكريّ الإسرائيليّ، لمنع تكاثر عناصر حماس". تآكل الإنجازات الإسرائيلية في شمال غزةوأمام هذا الواقع، إسرائيل مهددة بخسارة ما حققته في الأشهر الأربعة من القتال في شمال غزة، ويشرح الخبير العسكريّ إيال عليما لمنصة "المشهد"، كيفية تآكل الإنجازات الإسرائيلية بشمال غزة، قائلًا: "في الواقع، هذه المتغيرات الميدانية، والتطورات على ساحة شمال غزة، وبعد أن أنهى الجيش الإسرائيليّ مرحلة القتال في مدينة غزة وما حولها، وذهب باتجاه التركيز على العمليات النوعية، والغارات خصوصًا في الجنوب، وبالتالي في منطقة شمال غزة التي سيطرت عليها إسرائيل، لم يتم إنشاء آلية مدنية بديلة، لخدمة ما يقرب من 200 ألف فلسطينيّ تمكنوا من البقاء فيها، ما دفع بالعناصر المرتبطة بـ"حماس"، من السيطرة عليها مدنيًا، وهذا الحال ممكن أن يؤدي إلى تآكل الإنجازات التي سجلتها القوات الإسرائيلية". ويؤكد عليما لمنصة "المشهد"، أنّ "الوضع حاليًا في شمال القطاع يصبّ في مصلحة "حماس" في حال لم تتلافَ القوات الإسرائيلية ذلك، حيث جددت نفوذها وعززت وجودها، سيؤدي ذلك إلى ضياع الإنجازات التي قام بها الجيش الإسرائيلي، في مرحلة القتال الشديد الذي وقع بينهما وأدى إلى سيطرة إسرائيلية كاملة، وقضى على وجود "حماس" فيها".دلالات عسكرية وإخفاقات ميدانية على المقلب الثاني، يوضح الخبير في الشأن الإسرائيليّ ساري عربي لمنصة "المشهد"، دلالات ظهور عناصر من "حماس" في شمال غزة، قائلًا إنّ "أهداف إسرائيل المعلنة من الحرب على الفلسطينيّين داخل غزة، هي القضاء على "حماس"، أي القضاء على التنظيم، و"كتائب القسام"، والتسليح والقدرات العسكرية، والبنية الإدارية الحكومية والسلطة داخل القطاع، لكنّ صورة عودة كوادر "حماس" لإدارة شمال غزة على المستوى التنظيميّ والإداري، إضافة إلى ظهور القدرات العسكرية مجددًا، هو في الحقيقة يضرب الإعلان الإسرائيليّ عن تحقيق الأهداف المرادة من الحرب". ويشدد عربي قائلًا: "بمعنى آخر إنّ ظهور كوادر "حماس" وقدرتها على إعادة تشكيلاتها وبناها التنظيمية والعسكرية والإدارية والحكومية، على الرغم من ظروف الحرب القاسية، يعني أنّ إسرائيل فشلت في حربها ومهمتها، وغير قادرة على القضاء على "حماس" كما أعلنت منذ بداية الحرب، وعلى ما يبدو بأنّ المسافة لا تزال بعيدة للوصول إلى الهدف الإسرائيلي، فحالة المقاومة ما زالت مستمرة، وكذلك إطلاق الصواريخ على تل أبيب وعجز إسرائيل عن استرداد الأسرى". سقوط للرواية أم دافع لعودة النشاط العسكري الإسرائيلي من جهته، اعتبر الأكاديميّ والمحلل السياسيّ د. أحمد رفيق عوض في حديث لمنصة "المشهد"، بأنّ القلق الإسرائيليّ من ظهور عناصر حماس في شمال غزة، ينبع من الأسباب التالية:أولًا، ظهور عناصر حماس في شمال غزة، هو سقوط للرواية الإسرائيلية القائلة إنّ شمال غزة لم يعد فيه وجود لقوات حماس، وتم تدمير معظم قدراتها وقتل عناصرها، وبالتالي يتحوّل لأن يكون كذبًا أمام الرأي العام الإسرائيلي. ثانيًا، عودة عناصر "حماس" لتقديم الخدمة يعني بأنّ البنية السلطوية والقانونية والفردية والهيكلية التنفيذية لم تختفِ، وما زالت "حماس" قادرة على أن تتجاوز كل ظروف الحرب، وتقود المجتمع من جديد، وهذا ما لا تريده إسرائيل، هي تسعى إلى هدم ونفي وتغييب "حماس" عن القطاع. ثالثًا، هذا يضرب فكرة إسرائيل، بأن تعطي إدارة غزة لإدارات ثانية تقوم بتعيينها، وهذا الظهور لعناصر "حماس" في الشمال، يناقض الرؤية الإسرائيلية للحل، أو ما تطلق عليه اليوم الثاني للحرب.رابعًا، ظهور عناصر "حماس" تحدّ كبير جدًا للوجود الإسرائيلي، وعمليًا كسر لإسرائيل.خامسًا، رسالة داخلية بأنّ قوة "حماس" قادرة أن تقود وتحمي وتوجد من جديد على الأرض، هذا بالنسبة لإسرائيل نسف لروايتها. (القدس - المشهد)