في ظل استمرار التصعيد العسكري في قطاع غزة، تزداد التساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراء التحركات الإسرائيلية الأخيرة، خصوصًا بعد توسيع ما يُسمى بـ"المناطق العازلة" داخل القطاع، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم السبت الانتهاء من حصار مدينة رفح بالكامل عبر محور "موراغ" الفاصل بين المدينة وخان يونس.وقال الجيش الإسرائيلي إنّ قوات الفرقة 36 أكملت تطويق مدينة رفح في قطاع غزة بالكامل، وقامت بفتح محور موراغ الذي يقسم جنوب القطاع بين رفح وخان يونس.وأضاف أنّ قواته قضت خلال الأسبوع الماضي على عشرات المقاتلين التابعين لحركة "حماس" كما دمرت مسارات أنفاق تحت الأرض وبنى تحتية تابعة للحركة.وتعتقد إسرائيل أن هذه الإستراتيجية الجديدة ستعزز فرصها في القضاء نهائيا على حركة "حماس"، إلا أن السيطرة على القطاع الفلسطيني للمرة الأولى منذ عقدين ستكون مغامرة محفوفة بالمخاطر بحسب المراقبين، إذ ستُخاطر بزيادة حصيلة القتلى في غزة، وسحب المزيد من جنود الاحتياط من اقتصادٍ خانق بسبب الحرب، وزيادة عزلة إسرائيل.كما أن هذا الأمر يزيد من احتمالات إطالة أمد الحرب التي تستمر بالفعل منذ 18 شهراً ولا تظهر أيّ مؤشرات على قرب انتهائها.فهل تمثل هذه الخطوات ضغطاً عسكرياً على "حماس"، أم أنها تحمل أبعاداً سياسية وخطط تهجير أوسع؟ ولماذا ترفض إسرائيل حتى الآن العودة إلى طاولة التفاوض، في حين تتجه نحو خطوات ميدانية مثيرة للجدل؟إجراء أمني أم واقع جديد؟وفي هذا السياق، قال منسق الشؤون الأمنية السابق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية موشيه إلعاد في تصريح لمنصة "المشهد": "لا أستطيع أن أسميها توسعًا بمعنى الاستيلاء على الأراضي. هناك قضية أمنية وعسكرية هنا. لقد أدت أحداث السابع من أكتوبر إلى أن المسؤولين في إسرائيل لم يعودوا على استعداد للمخاطرة، ولذلك تقرر إنشاء منطقة عازلة بين القطاع والمستوطنات المحيطة بغزة".وأشار إلى أن الهدف من إنشاء مناطق حظر التجول هو "منع إمكانية وصول المنظمات الإرهابية والأفراد من قطاع غزة إليها بحرية وسهولة كما في الماضي. ومن بين الإجراءات التي يتم اتخاذها تحويل بعض المناطق إلى مناطق عازلة يحظر على سكان غزة الاقتراب منها، لأن أيّ شخص يقترب من هذا الخط سيتم تحذيره وربما يتم إطلاق النار عليه وقتله". أما الكاتب الفلسطيني المقرب من حركة "حماس" إبراهيم المدهون، فرأى أن "إقامة مناطق عازلة والتوسع الإسرائيلي داخل قطاع غزة يشكلان ضغطاً كبيراً على الحالة الفلسطينية عموماً، وعلى شعبنا وحاضنته الشعبية بشكل خاص. يحاول الاحتلال من خلال هذا التوسع فرض وقائع جديدة على الأرض، بأهداف سياسية أكثر منها عسكرية. فهو يسعى لإعادة فرض السيطرة والتحكم في غزة".وفي حديثه مع "المشهد" أضاف المدهون "لكن ما يمنعه من التوغل الكامل هو وجود المقاومة، التي يخشاها الاحتلال ويتجنب الاشتباك المباشر معها. لذا يعمل على تنفيذ خطط العزل من الشمال والشرق والجنوب، وأخذ محافظة رفح يعدّ تطوراً خطيراً ومؤشراً مخيفاً لما هو قادم".استيطان غزةموشيه إلعاد نفى ذلك قائلاً: "لا توجد أيّ نية لإقامة المستوطنات. هذا هو حلم اليمين المتطرف، ولكن أغلبية سكان إسرائيل، أكثر من 70%، يعارضون إقامة المستوطنات في غزة بعد انسحابنا من القطاع في عام 2005. المستوطنات في غزة ليست ضمن خطة الحكومة الإسرائيلية".من جانبه، قال أمير أفيفى العميد المتقاعد الذي تربطه علاقات وثيقة بقادة الجيش وحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو: "الطريقة الوحيدة للقضاء على حماس هي غزو غزة". وعندما سُئل عن خطة الجيش، قال متحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلية إنها تعمل في إطار القانون الدولي وعلى أساس الأهداف التي حددتها الحكومة.وقال أفيفي لوكالة "بلومبرغ": "عارض رئيس الأركان ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق هذا الأمر، وكذلك فعلت إدارة بايدن. أما الحاليون، فيعتقدون أنه الصواب، ونحن نحظى بدعم إدارة ترامب الآن".وحذّر المدهون من أن الوضع قد يتطور قائلاً: "حتى الآن، لا يوجد حديث رسمي عن إقامة مستوطنات، لكن إذا تمكن الاحتلال من تثبيت سيطرته على المناطق العازلة واستدامتها، فمن المحتمل أن يتم التمهيد لبناء مستوطنات، أو على الأقل السعي لضم تلك المناطق إلى الكيان الصهيوني بشكل رسمي. ومع ذلك، من المبكر الجزم بذلك".التهجير.. بين الواقع والمخاوف وفيما يخص تهجير سكان القطاع، أوضح موشيه إلعاد أنّ "خطة الهجرة ليست خطة إسرائيلية، بل خطة أميركية. ويزعم وزير الدفاع الإسرائيلي أن 40 ألف شخص غادروا القطاع طواعية، وأن إسرائيل ساعدت بعضهم في الوصول إلى المطارات للمغادرة إلى البلاد بتذكرة ذهاب فقط".وأضاف أن "العديد من الإسرائيليين يتمنون أن تكون غزة خالية من الناس، ولكن الجميع يدركون أن هذا لن يحدث، ليس لأن الفلسطينيين مرتبطون بغزة، وهي مكان صعب العيش فيه، ولكن لأنهم يخشون على حياتهم لأنهم ينتهكون وحدة الصف الفلسطيني".وتابع "على أيّ حال فإن إسرائيل لا تتوقع أن يصبح القطاع خالياً من السكان لأن هذا غير واقعي ولا عملي. في الواقع، يريد الأميركيون تجميل غزة، وإعادتها إلى واحدة من أجمل الأماكن في الشرق الأوسط، وإعادة الغزيين إلى هناك. ولن تنجح هذه الخطة أيضًا".وشكك إلعاد في خطة ترامب قائلا: "أنا أشك في أن الدول المانحة ستكون على استعداد لإرسال المساعدات إلى غزة، وهي منطقة غير مستقرة أمنيًا، لأنه بعد بضع سنوات سوف ينهض السنوار مرة أخرى ويدمر كل شيء باسم الجهاد. لن يستثمر في غزة اليوم إلا المجانين".أما المدهون، فذهب إلى أبعد من ذلك: "تهجير الفلسطينيين لا يزال هدفاً مركزياً للحكومة الإسرائيلية الحالية، وللأسف يحظى بتأييد من بعض الأطراف الدولية، وعلى رأسها إدارة ترامب. لكن ما نشهده اليوم هو أبعد من مجرد تهجير؛ إنه تطهير عرقي وإبادة جماعية".وأضاف في حديثه مع "المشهد" أن "الاحتلال لا يكتفي بدفع الناس للنزوح، بل يمارس سياسة قتل ممنهجة، إذ يُقتل يومياً أكثر من 100 فلسطيني، ويُجرح المئات، ويُهجّر الآلاف قسراً من منازلهم. الهدف النهائي هو إفراغ غزة من سكانها أو تقليص عددهم إلى الثلث أو الربع. هذه جريمة حرب وجريمة إبادة، وعلى المجتمع الدولي والقوى الإقليمية التدخل العاجل قبل فوات الأوان".ما هي أوراق "حماس"؟وأوضح المدهون في هذا السياق أن "الاحتلال يتجنب عمداً أي اشتباك مباشر مع المقاومة، ويكتفي بالقصف الجوي والبحري والمدفعي من مسافات آمنة. طوال هذه المعركة، اتبعت المقاومة سياسة ترتيب أوراقها وإدارة المعركة وفق أولويات ميدانية مدروسة. وقد نُفذت بالفعل عمليات هجومية وإطلاق صواريخ خلال الفترة الماضية. لكن لا شك أن طول أمد المعركة أنهك الشعب الفلسطيني وأرهقه، في ظل سياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها الاحتلال".وقال المدهون: "اليوم، لا نتحدث عن أوراق تفاوضية بقدر ما نتمسك بإرادة شعبنا الصلبة، التي ترفض التهجير، وتواجه الإبادة، وترفض الاستسلام. مطالب شعبنا واضحة: وقف الحرب، ووقف المجازر، ورفع الحصار. ورغم صعوبة الوضع وخطورته، فإن شعبنا قدّم تضحيات هائلة، ويشعر بالخذلان، سواء من الصمت العربي أو التواطؤ الدولي. العالم يتفرج على الإبادة، وهذا أمر في غاية الخطورة".وجددت حركة "حماس" في بيان لها اليوم السبت، شروطها لوقف الحرب حيث شددت على ضرورة إطلاق سراح الأسرى، في الوقت الذي أعلن فيه مصدر مطلع أن وفدا من كبار قادة الحركة يصل إلى القاهرة لإجراء محادثات مع مسؤولين مصريين حول هدنة غزة.وقالت "حماس" في بيانها: "تصاعد الدعوات داخل الكيان المحتل لوقف الحرب وتحرير الأسرى يؤكد مسؤولية (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتانياهو عن إدامتها"، مضيفة أن "المعادلة واضحة هي إطلاق الأسرى مقابل وقف الحرب العالم يقبلها ونتانياهو يرفضها".وتابع البيان "كل يوم تأخير يعني مزيدا من القتل للمدنيين العزل من شعبنا ومصيرا مجهولا لأسرى الاحتلال.. أطفال غزة وأسرى الاحتلال ضحايا طموحات نتانياهو للبقاء في الحكم وللهروب من المحاكمة".وقال المصدر المقرب من "حماس" مشترطا عدم الكشف عن اسمه: "نأمل أن يحقق اللقاء (في القاهرة) تقدما حقيقيا للتوصل لاتفاق لوقف الحرب ووقف العدوان وانسحاب قوات الاحتلال الكامل من قطاع غزة".من جهته قال موشيه إلعاد في هذا السياق: "تزعم الاستخبارات الإسرائيلية أن حماس هُزمت وأن هناك مجموعات مختلفة هنا وهناك تستمر في ممارسة الإرهاب. وتزعم معلومات من الخارج أن حماس تزداد قوة وتقوم بتجنيد عناصر جديدة. ويقود رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير حملة للقضاء على حماس، خصوصا في الأماكن التي لم يدخلها الجيش بعد. وهذا يتناسب مع تجزئة القطاع وتحويله إلى نوع من الكانتونات الصغيرة".وتابع "من الواضح أن غزة لن تعود إلى وضعها الطبيعي بهذه السرعة، وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية في غزة، فإن إسرائيل عازمة على إطلاق سراح الأسرى ومستعدة للاستثمار في القتال طالما كان ذلك ضروريا. وهذا ليس من أجل المفاوضات، بل من أجل إنقاذ الأسرى الأحياء، الذين تتفاقم حالتهم يوما بعد يوم".(المشهد)