بعد نحو عام على زلزال 6 فبراير 2023 الذي دمر جنوب تركيا وحصد 50 ألف قتيل خلال 65 ثانية، لا يزال الناجون يعيشون في أوضاع بائسة في هذا البلد الواقع على صدعين جيولوجيين رئيسيين، ويخشون هزات جديدة. قبيل الفجر، شعر السكان بهزة أرضية بقوة 7.8 درجات وصلت تردداتها إلى مصر، متسببة بحالة ذعر وخراب في 11 محافظة تركية.لم تتبقَ أيّ مدرسة!وبعد مرور عام يقول علي كاراتوسان مختار منطقة كهرمان مرعش القريبة من مركز الزلزال: "كان لدي 3700 ناخب مسجل، ولم يتبق سوى 1300 ناخب. ليس لدينا أي مدرسة". في محافظة هاتاي التي تضم أنطاكية القديمة، يعيش أقل من 250 ألف نسمة في الغبار والفوضى من أصل 1.7 مليونا قبل الكارثة بحسب مسؤولين محليين، مع شعور بخسارة لا تعوض. يقول مولود أيدين الذي فقد حوالى 10 أشخاص من أقربائه: "هاتاي كما كنا نعرفها لم تعد موجودة". وتفيد السلطات أن 850 ألف منزل ومكتب ومبنى قد دمر أو تضرر ما عدا الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس.وعد إردوغان وعد الرئيس رجب طيب إردوغان الذي واجه اتهامات بالتأخر في حشد وسائل الاغاثة، سريعا ببناء 650 ألف وحدة سكنية جديدة خلال العام. وبعد مرور 11 شهرا، بدأ بناء 307 ألف وحدة سكنية، منها 46 ألفا جاهزة للتسليم، بحسب وزارة البيئة والتخطيط المدني. في الانتظار، يتم إيواء الأسر التي لم تتمكن من العثور على مسكن جديد بمفردها، في صفوف حاويات تبلغ مساحتها ثلاثة أمتار بـ7 مع توفير المياه والكهرباء مجانا لكن في بعض الأحيان من دون وسائل نقل أو وظائف. وتفيد مؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية (تيباف)، أن محافظة هاتاي فقدت خلال الزلزال عددا من الأبنية، يوازي عدد المباني الذي يشيد في غضون عقد من الزمن.كارثة اقتصادية في تقرير حول العواقب الاقتصادية للكارثة، توقعت المؤسسة أن تترك كلفة إعادة الإعمار وإعادة التأهيل التي تقدر بحوالى 150 مليار دولار على مدى خمس سنوات.وقالت المؤسسة في تصريحات سابقة: "التأثير سيكون سلبيا على المدى الطويل على الاقتصاد التركي والنمو والوظائف". يضاف إلى ذلك أن المحافظات المتضررة التي تستقبل نصف اللاجئين السوريين البالغ عددهم 3.5 مليون شخص، تحل في أسفل المقياس الوطني للدخل والتنمية. في كهرمان مرعش على بعد 50 كيلومترا من مركز الزلزال، يعمل قادر ينيغلي، وهو متقاعد يبلغ من العمر 70 عاما، على بيع المثلجات ليستكمل معاش التقاعد الضئيل الذي يتقاضاه.ويقول قادر ينيغلي: "لا مال ولا وظائف، نحن بعيدون عن العودة إلى الوضع الطبيعي، والناس لا يعرفون ماذا يفعلون. يجب على الدولة مساعدتنا". رغم المخاطر العالية لوقوع زلزال، دفع السكان ثمن رداءة نوعية البناء وجشع المطورين العقاريين، حيث انهارت مبان تم تشييدها في أماكن غير قابلة للبناء وبتكلفة متدنية، وسقطت في غضون ثوان، مثل مدينة أبرار في كهرمان مرعش التي راح خلالها قرابة الـ1400 قتيلا أو مبنى فخم في انطاكية انهار على مئات من سكانه.إصلاح جذري لكن حتى الآن، جنبت الملاحقات القضائية القليلة وحفنة من المحاكمات المفتوحة، المسؤولين الذين أصدروا تصاريح البناء. ويقول خبراء أجروا مقابلات مع "وكالة فرانس برس"، إن تركيا ليست أفضل استعدادا اليوم لمواجهة زلزال جديد.ويؤكد البروفيسور "مقدات كاديوغلو" المتخصص في إدارة المخاطر في قسم الهندسة بجامعة إسطنبول التقنية: "علينا أن نذهب إلى ما هو أبعد من بعض التدابير المعالجة الموقتة، والقيام باصلاح جذري لإدارة الكوارث". لا يخفي هذا الخبير مرارته قائلا: "حتى لو تم تشييد مبان جديدة بموجب قواعد مقاومة الزلازل، بدون إجراء دراسات للتربة أو الاراضي غير المناسبة، مثل مجاري الأنهار، فإنها ستستمر في الانهيار".تنديد تندد ديلفوروز شاهين رئيسة غرفة التخطيط المدني في دياربكر التي يتبع اليها كل جنوب شرق البلاد، حيث انتقدت بشدة، كثافة البناء غير القانوني، وغياب الضوابط، وعدد حالات العفو التي منحت في السابق لمطورين قاموا باعمال احتيال. لكنها تعتقد أن: "الجميع قد تعلم الدرس" موضحة في الوقت نفسه وقالت: "الآن نقوم بإجراء دراسات جيولوجية ويتم تحديد مناطق الخطر، ويتم تحديث الخرائط الزلزالية مع عمليات التفتيش أكثر صرامة، وعدد المفتشين أكثر". إلا أن البروفيسور زهني تكين المهندس والاستشاري لا يشاطرها هذه الثقة خصوصا مع إعادة انتخاب إردوغان انتخابه في مايو رئيسا لولاية جديدة. وقال زهني تكين: "لا يمكن حل المشكلة من قبل طبقة سياسية متعصبة وغير متعلمة" - في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ الحاكم - و"أشخاص فاسدين وجاهلين بالكامل". (وكالات)