بعد أسبوع من اقتراح خطة جديدة للسيطرة على قطاع غزة وإعادة تطويرها إلى "ريفييرا في الشرق الأوسط"، لا يزال الرئيس الأميركي دونالد ترامب عازمًا على التفاوض مع الأردن ومصر على خطته في تهجير فلسطينيي غزة نحو البلدين.وقال ترامب خلال عطلة نهاية الأسبوع "أعتقد أنه يمكنني عقد صفقة مع الأردن. أعتقد أنه يمكنني عقد صفقة مع مصر". كوسيلة ضغط، يستخدم ترامب مليارات الدولارات من المساعدات الأميركية المقدمة للأردن ومصر كل عام من أجل القبول بطرحه. وقال ترامب في المكتب البيضاوي مساء الاثنين عندما سُئل عما إذا كان سيعيق المساعدة الأميركية للأردن ومصر "إذا لم يفعلوا ذلك، فمن المحتمل أن أحجب المساعدة، نعم". ويوم الأحد، بدأ العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني زيارة عمل إلى الولايات المتحدة، يلتقي خلالها اليوم الثلاثاء مع ترامب. وبات من المعروف، أن محادثات الزعيمين اليوم الثلاثاء ستدور حول حرب غزة وبحث فكرة ترامب تهجير الفلسطينيين من القطاع إلى الأردن ومصر. وقالت مصر يوم الأحد إنها ستعقد "قمة طارئة" في 28 فبراير في القاهرة لمناقشة "التطورات الجديدة والخطيرة" في القضية الفلسطينية. فيما أكد المدير التنفيذي للمركز العربي في واشنطن خليل جهشان: "ما فعله ترامب هو وضع مستقبل المملكة الأردنية الهاشمية على المحك، فالتيار السياسي الأقوى في الأردن لا يقبل فكرة أن الأردن هو فلسطين". جاهزية مصريةمن جانبه، قال مساعد وزير الخارجية المصري السابق السفير حسن هريدي، إن مصر جاهزة مسبقا لمثل هذا الاحتمال. وأضاف هريدي في حديثه لمنصة "المشهد" إنه لغاية اليوم، "تنظر مصر إلى تصريحات ترامب بمثابة تلويح بالتهديد". ولفت إلى أن المساعدات العسكرية الأميركية للعام المالي الحالي وفق المنظور الأميركي، تبدأ من الأول من أكتوبر 2024 حتى 30 سبتمبر 2025، وقد تمت الموافقة عليها من قبل إدارة الرئيس السابق دو بايدن والكونغرس. وأكد هريدي "لا أعتقد أن يقوم ترامب باستخدام المساعدات ضدّ مصر للضغط من أجل القبول بأفكار حول تهجير سكان غزة". وأشار إلى أن تهديد ترامب سيكون مرتبطا بالعام المالي القادم لأنه لا يستطيع وقف المساعدات التي سبق وأن وافقت واشنطن عليها.وشدد السفير المصري السابق على أن مصر ملتزمة ومتمسكة بالموقف الذي سبق وأن أعلنت عنه مرارا على أعلى المستويات. وقال إن "ربّ ضارة نافعة"، مشيرا إلى أن هذه المساعدات كانت دائما تستخدمها الولايات المتحدة من حين لآخر كوسيلة للضغط على القرار المصري واستقلاله.وأضاف هريدي "شخصيا، أتمنى أن نتخلص من هذه المساعدات لنبتعد عن السياسة والإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط". تنويع في المصادروأكد الدبلوماسي المصري، أن مصر لديها خبرة كبيرة في موضوع التسليح، بما أن السواد الأعظم من المساعدات الأميركية للقاهرة، هي عسكرية. وشدّد هريدي على أن مصر انتهجت خلال الأعوام العشرة الماضية، سياسة تنويع مصادر السلاح، مبينا أن الدولة المصرية باتت تصنع أسلحتها على أرضها ولها علاقات قوية وتاريخية مع روسيا والصين. وأشار إلى أن مصر قادرة على التعامل مع أي حظر أميركي لتقديم السلاح لمصر طبقا لسياسة بدأت في عام 1979 إبان رئاسة جيمي كارتر والرئيس الراحل محمد السادات. ومن الناحية الاقتصادية، قال هريدي إن حجم المعونة الأميركية لمصر في عام 1979 كانت تقدّر بنحو مليار و300 مليون دولار كمساعدات عسكرية بالإضافة إلى ما يقارب من 850 مليون دولار ممساعدات اقتصادية.وأضاف "اليوم، فإن المساعدات الاقتصادية لا تتجاوز 200 مليون دولار، 60 مليون دولار منها مخصصة لدعم القطاع الخاص المصري"، وهي تأتي لخلق اعتماد للقطاع الخاص المصري على أميركا.وأكد هريدي أن الولايات المتحدة لم تقف إلى جانب مصر في أشد الأوقات التي كانت فيها القاهرة تواجه أزمات اقتصادية، وتحديدا بعد هجوم "الحوثيين" في البحر الأحمر والإضرار بعمل قناة السويس التي خسرت الحكومة المصرية جراء ذلك أكثر من 7 مليارات دولار. وشدد على أن الولايات المتحدة لم تتحرك إطلاقا، في ظل تقارير أشارت إلى أن أميركا هي من أعطت الضوء الأخضر لصندوق النقد الدولي لمنع أية قروض لمصر.3 "لاءات" أردنيةقال المبعوث السابق لترامب إلى سوريا جيمس جيفري "من الواضح أن الملك لا يستطيع استقبال هؤلاء الأشخاص. هذه قضية وجودية بالنسبة له".ولطالما أكد العاهل الأردني على "لاءاته الثلاث" وهي "لا للتوطين.. لا للتهجير.. القدس خط أحمر".وفي هذا السياق، قال نائب رئيس الوزراء الأردني السابق ورئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور جواد العناني، إن العاهل الأردني سيلجأ إلى الأسلوب الدبلوماسي محاولاً إقناع ترامب بوجهة نظر الأردن. وأكد العناني في حديثه لمنصة "المشهد" أن الملك سيذكر الرئيس الأميركي بأن الأردن هو حليف إستراتيجي لأميركا وأن علاقته بحلف شمال الأطلسي "الناتو" وثيقة، وسيذكّره بوجود قواعد أميركية على الأراضي الأردنية. وقال إنه لا يجوز لدولة ما أن تضرّ بالمصالح العليا والأساسية لدولة حليفة أخرى، خصوصا في مثل الحالة الأردنية. وشدد العناني على أن وجود الأردن في المنطقة، هو ضمانة أمن وسلام لكل دول المنطقة وأن أي حل مستقبلي مقبول يُنهي الأزمة الفلسطينية كلها يجب أن لا يكون على حساب الأردن وبدونه. ولفت إلى أن تصريحات ترامب تعرض الأردن إلى تهديد وجودي. وطرح العناني تساؤلات عدة منها: ما هو العذر الذي سيستخدمه ترامب لكي يعاقب الأردن؟هل الأردن عادى الولايات المتحدة؟هل الأردن رفض استقبال لاجئين في السابق؟هل قصّر الأردن في تطبيق حقوق الإنسان؟وشدد على أن ترامب يطلب من الأردن المشاركة في طرح معروف دولياً أنه مخالف للقانون الدولي، "فهل هذا مقبول؟". وأكد العناني أن الأردن اتخذ موقفه من صميم مصلحته الأساسية التي ليس فيها تهجّم على أحد. وقال "إن كان هذا لا يرضي نتانياهو، فالأفضل من ترامب التوجّه إليه والحديث معه في هذا الموضوع"، مشددا على ضرورة أن يكون الرئيس الأميركي إن أراد "وسيطا نزيها". لا اعتماد على المساعدات الأميركيةوأكد أن موقف الأردن من نتانياهو "واضح منذ زمن طويل. الأردن لا يؤمن بهذا الرجل ولا يريد التعامل معه لأنه يشجّع الإرهاب والتطرف"، وهذه الأمور لا تقبل بها عمّان. وشدد العناني أن تهديد ترامب بقطع المساعدات الأميركية عن الأردن يثير التساؤلات. وقال إن الأردن لطالما كان داعما للمواقف العربية ولمحيطه العربي، وبالتالي فإن المملكة عندما تمرّ بأزمات، على الدول العربية الوقوف إلى جانبه ودعمه. وأوضح أن العلاقات الأردنية الأوروبية بأفضل حالاتها، لافتا إلى أنه أثناء تلويح ترامب بقطع المساعدات الأميركية عن الأردن، كان العاهل الأردني في بروكسل ويوقّع اتفاقية شراكة إستراتيجية مع دول الاتحاد الأوروبي التي قدمت تسهيلات ومنح للمملكة الأردنية بقيمة 3 مليارات يورو على مدى ثلاث سنوات مقبلة. وشدد العناني على أن الأردن مرّ بالكثير من الأزمات طيلة العقود الماضية، إلا أنه استمر على مواقفه بحماية سيادته وهويته. وقال إن الموقف الأردني واضح وثابت ولن يستطيع ترامب وأمامه جدول مزدحم من الرفض العالمي لمشاريعه أن يؤثر على الأردن.(المشهد)