استفاق أهالي قطاع غزة بعد 49 يومًا من الحرب الضارية على أرواحهم وممتلكاتهم، على مشهد مختلف يخلو من الاستهداف والقصف بشكل موقت، حرب هي الأشدّ في تاريخ الصراع الإسرائيلي -الفلسطيني، والهدنة ستكشف عن حجم الدمار والكارثة التي حلّت بديارهم، وذلك مع بدء سريانها والتي طال انتظارها بين إسرائيل وحركة "حماس" بوساطة قطرية مصرية، ودعم أميركي، وستشهد توقفًا للقتال ودخولًا للمساعدات، إضافة إلى تبادل محتجزين بين إسرائيل و"حماس"، وسط آمال وطموحات رسمية وشعبية بأن تكون مقدمة لإنهاء الحرب تمامًا.شمال غزة منطقة خطرة جدًاومع بدء سريان الهدنة الموقتة، شرع أهالي غزة بالتنقل نحو أحيائهم و منازلهم، وقضاء حوائجهم، وشوهدت الشاحنات المحمّلة بالمساعدات والوقود وغاز الطهو، بالعبور إلى شوارع قطاع غزة من معبر رفح المصري، وفي سياق متصل، ألقت الطائرات الحربية الإسرائيلية على أنحاء قطاع غزة، منشورات تحذّر أهالي غزة من مغبّة العودة شمالًا، فحواها بأنّ الحرب لم تنتهِ بعد، والعودة إلى الشمال ممنوعة وخطرة جدًا، حيث تعتبر القوات الإسرائيلية بأنّ شمال قطاع غزة، منطقة قتال وأمر كل المدنيّين بمغادرتها. وعلى صعيد الوضع الإنسانيّ في غزة، فإنّ الهدنة الموقتة تلبّي حاجة السكان الماسّة لتوفير الماء والغذاء والدواء، نظرًا لأعداد الجرحى الهائلة وكذلك للحالات المرضية العادية، حيث وصل الحال إلى مجاعة واسعة النطاق وفقًا لوصف برنامج الأغذية العالمي، بفعل الحصار الإسرائيليّ المطبق على غزة من كل الاتجاهات، ومنع دخول المستلزمات الحياتية اليومية للسكان، ما وضعهم في وضع حرج للغاية من العازة والقلة. والهدنة الموقتة هي فرصة لاستخراج العالقين والجرحى من تحت الأنقاض المتهاوية المدمرة، وكذلك آلاف الضحايا الذين سقطوا خلال الحرب، وهي مجريات وقضايا أساسية لتعزيز ثبات وصمود أهالي غزة وتزويدهم بمتطلباتهم اليومية.بحسب الكاتب والمحلل السياسي هاني أبو رزق في حديثه لمنصة "المشهد "، فإنّ "إسرائيل أظهرت همجية ووحشية في الدمار والقتل الواسعَين في قطاع غزة، ما عزز القناعة للفلسطينيّين عمومًا والغزّيين خصوصًا بعد هذه الحرب التي أسفرت عن قتل وركام وتخريب، بأنّ وقف الحرب غاية رئيسية تحظى بإجماع شعبي وتأييد واسع". ويشير أبو رزق "إلى أنّ الهدنة الموقتة سوف تمنح أهالي غزة فرصة لالتقاط الأنفاس ولملمة الجراح المثخنة التي ألمّت بهم بفعل القصف الإسرائيلي المكثّف الذي لم يُتِح لهم فرصة دفن موتاهم الذين ضاقت بهم الشوارع والمستشفيات، فاضطر ذووهم لمواراتهم الثرى في مقابر جماعية ". ويرى أبو رزق بأنّ الهدنة الموقتة "سيكون فيها تدفق معقول للمساعدات بما فيها الوقود، من خلال السماح بدخول 200 شاحنة تقريبًا يوميًا، وهذا أمر مهم ولربما يعيد الحياة ولو بالقليل لغزة". ويتابع أبو رزق قائلًا: "استراتيجية التهجير التي اتبعتها إسرائيل ضد أهالي غزة طوال الحرب، وما حلّ بآلاف الأهالي والعائلات من نزوح وفقدان لمنازلهم ولوازمهم، فإنّ هذه الهدنة الموقتة ستُسهم في إيصال المساعدات الإنسانية إلى شمال القطاع، حيث سيتمكن الراغبون فيه وعددهم قرابة الـ800 ألف، البقاء والصمود فيه والتزوّد بمستلزماتهم، والتصريحات الأسرائيلية بمواصلة الحرب بعد التهدئة ممكن أن يدفع إلى نزوح جزء ممن بقوا في شمال القطاع نحو مدينة غزة ومناطق الجنوب". استراحة من عناء حرب غزة في يومها الـ49 أحاديث أهالي غزة خصوصًا النازحين منهم، لا يسألون فقط عن تفاصيل الهدنة وماذا سيفعلون خلالها، فالمقيمون في المدراس ومراكز الإيواء أو عند الأصدقاء والأقارب في وسط وجنوب غزة، سئموا التهجير من منازلهم ومناطقهم وطريقة العيش المضنية المرة، التي لم يتأقلموا معها بحسب أقوالهم لمنصة "المشهد"، فهم يعبّرون بشكل صريح عن رغبتهم الجامحة في تمديد الهدنة الموقتة، لتصبح وقفًا شاملًا لإطلاق النار، لتريحهم من ويلات وعذابات الحرب الدامية.. لكن تتوقف بشكل كلي. أم كريم سلمان والتي تقيم في أحد مراكز الإيواء في جنوبي غزة والتي نزحت وأسرتها من شمال غزة بفعل القصف العنيف والدمار الذي حل به، تقول لمنصة "المشهد": "تابعنا أخبار الهدنة الموقتة لحظة بلحظة، بصراحة أريد العودة إلى منزلي في مدينة بيت لاهيا، ومعرفة إذا كان قد نجا من الغارات والقصف الإسرائيلي وهل بقي صامدًا". دموعها غلبتها على مصير بيتها وجيرانها، وتشير أم كريم "خلال فترة الهدنة الموقتة، أسعى لتوفير المستلزمات الأساسية لأسرتي التي تعاني قلة الملابس الشتوية وقلة التغذية". حيث غادرت أم كريم منزلها وكغيرها من النازحين، لم تحمل سوى القليل من الأمتعة بفعل القصف المدفعيّ لمنطقة سكنهم أثناء نزوحهم. فيما أكدت العوائل التي نزحت من مناطق عدة في غزة نحو مراكز الإيواء ومحيط المستشفيات ومدارس الأونروا، بأنها تسعى للاطمئنان على حياة أقاربهم وذويهم حيث تقطعت الأوصال وكذلك الاتصالات، يؤكد المسنّ حسن عياد النازح من حيّ الزيتون شرق غزة، بأنه ينام على البلاط في أحد مراكز الإيواء التي تفتقر إلى الطعام والشراب ولا يوجد فيها أيُّ من المستلزمات اليومية والمقومات الحياتية، "لا نريد حربًا، نحن شعب عظيم ويحب الحياة والفرح، لكنّ هذه الحرب الطاحنة أخذت في طريقها الأخضر واليابس، لكنّ الأمل موجود بالفرح، والعودة الحتمية لمنازلنا لكي نعمّرها ونعيش فيها ونستعيد كرامتنا التي شوهتها إسرائيل في الحرب، وقطعت عنا الغذاء والدواء والماء". وفي هذا السياق، تقول مصادر طبية لمنصة "المشهد"، على الرغم من الخراب والدمار الإسرائيلي الذي لحق بالمستشفيات كافة في غزة، والتي خرجت معظمها عن الخدمة ولحقت بها مئات الخسائر، نحن سنقوم بإعادة تشغيل المستشفيات، وسنعيد الأمل من جديد للمرضى والجرحى بإرادتنا وقوتنا، وسنعمّر ما خرّبته إسرائيل، حيث استهدفت المستشفيات منذ اليوم الأول للحرب، بما سيصلنا من إغاثة طبية وأدوية ".وتتابع "الهدنة الموقتة تحمل في ثناياها جانبًا إنسانيًا مهمًا، ولكن بحسب المعطيات الموجودة لن تكون كافية لتوفير المتطلبات والاحتياجات الطبية كافة، بسبب حجم الكارثة التي تسببت بها إسرائيل للقطاع الصحفي في غزة، وكذلك الاحتياجات الهائلة على مستوى القطاع الطبي والدفاع المدني، والمساعدات العاجلة". وتشير إلى أهمية الهدنة، فهي بمثابة الانفراجة الإنسانية للقطاع الصحي والمرضى والجرحى. (المشهد - القدس)