لم تعلم الشابة الإيرانية من أصول كردية مهسا أميني، أنّ ارتداءها للحجاب بطريقة لا ترضي الشرطة الإيرانية، والتي يُختصر اسمها بـ"شرطة الأخلاق"، سيؤدي إلى موتها تحت التعذيب، إذ خرجت أميني كغيرها من الفتيات، متعطّرة، مهتمّة بتفاصيل مظهرها وأناقتها، متباهية بشبابها الذي سُرق منها عنوةً. يصادف غدا ذكرى مقتل الشابة مهسا أميني، التي قُتلت على أيدي شرطة الأخلاق الإيرانية، داخل مركز الأمن في العاصمة طهران، بعد اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق بذريعة أنها لم تكن ترتدي "لباسا يحترم الديانة الإسلاميّة". يشير الشعار الأساسي لهذه التظاهرات "المرأة-الحرية-الحياة"، إلى تململ الشعب الإيراني، وبالتحديد فئة الشباب، من القوانين الصارمة التي فُرضت عليهم من دون وجه حق، بوجهة نظرهم، وليس ذلك فحسب، بل باتوا يشعرون في كثير من الأحيان، بأنّ السلطات في البلاد تقف في وجه تطورهم واندماجهم مع التقدم التكنولوجي الذي يحصل في العالم، وذلك بسبب تضييق الخناق على استخدامه. الشعرة التي قصمت ظهر البعير بعد مقتل أميني بساعات، عمّت التظاهرات مختلف أنحاء المدن الإيرانية، بمختلف الطوائف والأعراق، سواء الكردية أم العربية منها، فيما جاء مقتل أميني كالقشّة التي قصمت ظهر البعير، في وقت يعاني فيه الشعب الإيراني وضعا اقتصاديا صعبا، بسبب العقوبات الغربية المكثفة على البلاد، يتزامن ذلك مع قمع للحريات، خصوصا تلك المرتبطة بالدين. وعلى الرغم من قيام السلطات الإيرانية بداية باستيعاب التظاهرات وتقديم بعض الإصلاحات، إلا أنّ الشعب اعتبرها كـ"المسكّن"، هدفها السيطرة على الاحتجاجات فقط، خصوصًا أنها تجاوزت الاختلافات المذهبيّة والعرقيّة. يقول المحلل الإيراني وجدان عبد الرحمن في حديثه إلى منصة المشهد، "الاحتجاجات منذ مقتل مهسا أميني إلى اليوم، مرت بـ3 مراحل، الأولى هي الخروج إلى الشارع بعد مقتل أميني. المرحلة الثانية، استخدام الرصاص الحيّ بعد 4 شهور من بدء الاحتجاجات. المرحلة الثالثة، وهي خلع الحجاب للتعبير عن رفضهم لسياسة النظام، وبالفعل استطعنَ أن ينجحنَ في ذلك".وبرأي عبد الرحمن، "بالتأكيد الخروج ليس فقط بسبب مقتل أميني، حيث إنّ الشرطة الإيرانية قتلت العديد من الناشطات في وقت سابق، وأيضا بعد مقتل الشابة إتم، قُتل العديد من الناشطات داخل السجون الإيرانية، خصوصا اللواتي اعتُقلن خلال الاحتجاجات، لكن لم يحدث كما حدث بعد مقتل مهسا أميني، فيما لجأ الثائرون إلى حرق الحجاب والعمائم والهتافات، وكذلك حرق صور مسؤولي النظام من المرشد الأعلى إلى قاسم سليماني إلى الرئيس الإيراني". ويضيف، "الاحتجاجات قائمة ولم تخمد، وبدأنا نلمس النتائج اليوم، إذ إنّ النساء يتحدّين الشرطة الإيرانية، أصبح النظام يواجه أزمة حقيقية، رغم أنه يعتبر أنّ الحجاب خطا أحمر". وعلى الرغم من الجو المشحون في المدن الإيرانية المختلفة، وحشد القوات في عدد من المناطق لمواجهة أيّ احتجاجات في يوم الذكرى، إلا أنّ والد مهسا أميني أكد إحياء الذكرى الأولى لمقتل ابنته يوم غد. وبحسب "إيران إنترناشيونال"، فإنّ أمجد أميني تم استدعاؤه إلى استخبارات مدينة سقز بمحافظة كردستان مرات عدة في اليومين الماضيين، وتعرّض لضغوط لعدم إحياء الذكرى السنوية الأولى لمقتل ابنته، لكنه لم يأبه لهذه الضغوط.تراكمات قديمة تشير الشعارات التي رُفعت خلال التظاهرات، والهتافات التي رددها المتظاهرون، إلى عدم قبول السلطة القائمة، وعدم قدرة الشباب على التعايش معها. في هذا السياق، يبيّن عبد الرحمن أنّ "السبب الرئيسيّ يعود إلى العديد من الأمور، أبرزها البطالة والتضخم وقمع الحريات. الجيل الجديد الذي بدأ يرتبط مع العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لا يمكن فرض قوانين عليه تعود إلى ما قبل 4 عقود، ولا يمكنه تقبّلها، لذلك حصلت هذه الاحتجاجات". القمع الذي تمارسه القوات الإيرانية، لم يوقف الشباب (جيل Z) عن المطالبة بحقوقهم وفقا لعبد الرحمن، "ما يدلّ على أنّ الشارع الإيرانيّ لم يعد يتخوف من أيّ شيء، وهيبة النظام المتمثلة بالمرشد لم يعد لها قيمة، لذلك لجأ النظام على استخدام القوة المفرطة، منها الرصاص والسلاح الحيّ، وهذا فشل في مقاومة إرادة الشباب، النظام الإيرانيّ دخل في مرحلة حساسة جدا، حيث إنّ الشعب لم يعد يخشى من السلاح". من وجهة نظر أخرى، ووفقا لاطّلاع منصة "المشهد" على العديد من صفحات نساء إيرانيات على مواقع التواصل الاجتماعي، تبيّن أنّ فرض الحجاب هو أمر واحد من مجموعة أمور وقرارات ظالمة بحق المرأة، كما أشاورا إليها، إذ إنّ الأمر يتعدى الحجاب ليصل إلى تحجيم المرأة، وتأطير دورها في المجتمع، بما يتناسب والعقائد التي تتبعها السلطة، وفق تعبيرهم، وضمن هذه التراكمات أيضًا هي حجب الحكومة للعديد من المواقع التي تهمّ الشباب، وتضييق الإنترنت، ومحاولة وضع الشباب دائما في حالة "المراقَبون" من قبل السلطة. أكدت على ذلك المحللة والناشطة الإيرانية منى السيلاوي خلال حديثها إلى منصة "المشهد"، قائلةً: "الاحتجاجات حققت أمورا كثيرة ليس فقط للمرأة الإيرانية، بل إنها كسرت حاجز الخوف وهيبة النظام، وكسرت حاجز إجبار النساء على ارتداء ملابس معيّنة، مثل الحجاب أو العباءة السوداء، والتي ليست نابعة من الثقافة الإيرانية. تساوت إيران مع طالبان في التطرف، لذلك أسقطت كل هذه الأكذوبة التي كان يروّج لها عبر اللوبي حول العالم". وتضيف السيلاوي، "هناك دعم عالميّ للمرأة، سابقا عندما كانت الدول الغربية تتحدث عن حقوق المرأة، كان يتمّ اتهامها على أنها تروّج للقيم الغربية، لكنّ هذه الاحتجاجات أظهرت أنّ النساء هم من يطالبن بحقوقهنّ، والقضية لا تتعلق فقط بالحجاب، بل هناك أمور عدة، إذ إنّ المرأة الإيرانية لا تستطيع الخروج من البلاد، أو العمل، من دون إذن من زوجها، إضافة إلى قضية الشهادة في المحكمة، والمهن التي يُمنع على المرأة ممارستها، مثل القضاء وغيره". وتُنهي السيلاوي حديثها لـ"المشهد" بقولها: "إيران ما قبل ثورة مهسا أميني ليست كما بعدها".(المشهد)