شهدت الدراما السورية في موسم رمضان 2025 حضورًا قويًا كما في السنوات السابقة، قدمت من خلاله مجموعة متنوعة من المسلسلات، جمعت بين العمق الاجتماعي، والتشويق، والكوميديا، مع التطرق بشكل واضح إلى التطورات السياسية التي شهدتها البلاد في الأشهر الأخيرة. وشارك في المسلسلات نخبة من الفنانين السوريين، الذين أثبتوا حضورهم على مر السنوات، ولا سيما تيم حسن وكاريس بشار وبسام كوسا، وغيرهم. بالإضافة إلى الكتاب الشباب الذين برزوا في السنوات الأخيرة مثل علي معين صالح، ورامي كوسا الذين قدموا رؤيتهم بأسلوب جديد. وكان من اللافت انسجام بعض أحداث مسلسلات موسم رمضان 2025 مع التغيرات التي حصلت في سوريا خلال الأشهر الـ3 الأخيرة والمتعلقة بسقوط رئيس النظام السابق بشار الأسد، حيث انتقدت بعض المسلسلات بعض سلوك الأجهزة والأشخاص التابعين لنظام الأسد بشكل صريح. تنوع درامي لم يؤثر سقوط نظام بشار الأسد، الذي حدث قبل أشهر قليلة من موسم شهر رمضان، على الحريات في المسلسلات الدرامية، حيث كانت العديد من الأعمال شبه منتهية من التصوير. ومع ذلك، ظلت هناك مخاوف من أن تقوم الإدارة الجديدة، ذات الخلفية الأيديولوجية المتشددة، بتشديد القيود على الحريات في الدراما، مما قد يؤثر على المحتوى الفني في المستقبل. "يعود النجم تيم حسن إلى الدراما الاجتماعية عبر مسلسل"تحت سابع أرض"، إلى جانب نخبة من الفنانين مثل كاريس بشار، منى واصف، أنس طيار، وبيدروس برصوميان، العمل من تأليف عمر أبو سعدة وإخراج سامر برقاوي، ويقدم قصة ضابط أمني فاسد يتورط في قضايا تزوير عملة. فيما يجمع مسلسل "البطل" بين الكاتب رامي كوسا والمخرج الليث حجو، ويجمع العم نخبة واسعة من الفنانين مثل بسام كوسا، نور علي، محمود نصر، خالد شباط، هيما إسماعيل، جمال العلي، ونانسي خوري، ويقدم قصة مجموعة من الشخصيات التي تعيش في قرية سورية صغيرة تعاني من آثار الحرب في سياق اجتماعي درامي مشوق. أما مسلسل "نسمات أيلول"، للمخرجين رشا ويزم شربتجي وتأليف علي معين صالح فهو يجمع بين الدراما الاجتماعية والكوميديا، ويتناول العمل قصة ريفية، مع التطرق إلى التناقضات والفروقات بين حياة الريف البسيطة والحياة بالخارج بطريقة طريفة. يجمع العمل نخب من الفنانين مثل صباح الجزائري، رواد عليو، نادين تحسين بيك، ومحمد حداقي. في هذا السياق يقول الناقد الفني السوري وسام كنعان في حديثه إلى منصة "المشهد" إن "الحلقات الست الأولى، جاءت مخيبة، بعدما تبيّن أنّ العمل يفتقر إلى أي بنية حكائية متماسكة، بالإضافة إلى وقوعه في فخ غريب يتعلّق بمحاولة نقل الضحك بالعدوى من أبطال العمل إلى المشاهد".ويضيف كنعان "يجد المتابع نفسه أمام مجموعة من الشخصيات الهائمة على وجهها من دون أي فعل تراكمي، أو بناء منطقي للحدث، أو تعاقب مفيد. فكلّ ما تفعله هذه الشخصيات هو الثرثرة المجانية في ما بينها والضحك المتواصل بطريقة مستفزة جداً، لتنحدر في منطق الطرفة مع محاولة إعادة تدوير إيفيهات مواقع التواصل الاجتماعي". بدوره، يشرح الناقد الفني جمال فياض لـ"المشهد" أنه "عندما يصبح المخرج "تريند" وعلامة فنية بحد ذاته، يصبح من الصعب الحكم على أعماله بشكل مطلق، فقد تكون جيدة أو لا، لكن المؤكد أنه يعمل تحت ضغوط كبيرة بسبب المسؤولية التي يحملها اسمه. في حالة الكوميديا، هناك نقص واضح في هذا النوع من الأعمال، حتى في المسلسلات التي كان من الممكن أن تحتوي على لمسات كوميدية أكثر". ويضيف فياض "اليوم، رشا شربتجي، التي عُرفت بأعمالها الدرامية، تعود إلى الكوميديا لتكسر الحاجز الذي فرضته الأعمال المشحونة بالعنف والجدية. هذا التحول يأتي في وقت يحتاج فيه الجمهور إلى أعمال تخرجهم من أجواء الأخبار القاسية والضغوط اليومية". تيم حسن يكرر نفسه؟ في السنوات الأخيرة لاحظ بعض المراقبين أن الفنان تيم حسن بات يكرر نفسه في بعض أدواره في المسلسلات الرمضانية، وذلك بسبب تقديمه شخصيات مشابهة في العديد من الأعمال التي يشارك فيها، حيث يظهر في غالب الأحيان بدور البطل القوي أو الشخصية الملتزمة بالقيم الأخلاقية الذي يواجه تحديات كبيرة ويتغلب عليها. فيما رأى البعض أن تيم حسن نجح في بناء شخصية محورية تحظى بشعبية واسعة، وأنه يركز على تقديم الأدوار التي ترتبط بطبيعة الشخصية التي يحبها الجمهور. يقول فياض إن "تيم حسن يعتمد دائماً على اختيار أدوار مميزة تسمح له بإظهار قدراته التمثيلية، وهذا ما يفسر غيابه المتكرر عن الإعلام لفترات طويلة، حيث يركز على تحضير شخصياته بدقة. في "تحت سابع أرض"، يتعاون تيم مع المخرج سامر البرقاوي، الذي يُعتبر من أبرز المخرجين العرب، حيث يتميز بأسلوبه العالمي وقدرته على إخراج أعمال ذات جودة عالية". ويرى فياض أن "مسلسل "تحت سابع أرض" يقدم حتى الآن شخصيات وأحداثاً مشوقة، لكن التحدي الحقيقي يكمن في قدرة العمل على الحفاظ على وتيرة الأحداث وتصاعدها في الحلقات القادمة. فالنقاد يفضلون الأعمال التي تحافظ على تسارع الأحداث وتجنب الإطالة، التي قد تُفقد العمل تأثيره".واقع الدراما السورية تأثرت الدراما السورية كالعديد من القطاعات الأخرى بسبب مخرجات الحرب السورية، كما تأثر قطاع الإنتاج بسبب تدمير العديد من الاستوديوهات والمنشآت، يضاف إلى ذلك ذهاب الكثير من الكوادر الفنية إلى خارج البلاد بسبب الأوضاع الأمنية. لكن على الرغم من ذلك، استمرت بعض الشركات العربية منها والمحلية، بإنتاج أعمال ضخمة تروي القصص الإنسانية عن الحرب والتهجير، مسلطة الضوء على العديد من القضايا التي أخرجتها الحرب. كذلك أثرت الأزمة الاقتصادية التي نشأت نتيجة للحرب على التمويل، وعلى الإنتاج الدرامي. ويعتقد كنعان أن "الدراما السورية لا تتطور. عند الحديث عن التطور في الدراما السورية، يتم استحضار تجارب محدودة لعدد من المبدعين، مثل سامر برقاوي وتيم حسن، الذين قدموا أعمالاً لامست العمق الفني والجمالي. إلا أن هذه التجارب تبقى استثناءً لا يعكس الحالة العامة للدراما السورية، التي تعاني من غياب الرؤية الفنية الموحدة والاعتماد على الصيغ النمطية". ويضيف كنعان "بدلاً من التطور، تسير الدراما السورية في مسار عكسي، فالأعمال الدرامية اليوم تُنتج وفقاً لرغبات المحطات التلفزيونية ومنصات العرض، دون وجود قرار إنتاجي فني مستقل. هذا الوضع يحول دون تحقيق تطور حقيقي، حيث تُصنع الأعمال لتلبي احتياجات السوق التجارية، بعيداً عن الاهتمام بالجودة الفنية أو العمق الإبداعي". ويرى كنعان أن "مكانة الدراما السورية تعتمد بشكل كبير على الانتشار التجاري، إلا أن هذه المكانة تتآكل عاماً بعد عام. ففي هذا العام، على سبيل المثال، تم إنتاج 11 عملاً سورياً فقط، بين أعمال مؤجلة وأخرى قصيرة ومسلسلات ثلاثينية. ومع ذلك، لا يمكن الحديث سوى عن مسلسل أو مسلسلين يمكن وصفهما بأنهما "مشغولان" فنياً وقابلة للنقد، بينما تعاني بقية الأعمال من مشاكل مثل الاستسهال والاستعجال في الإنتاج". ويشير إلى أن "ظروفًا موضوعية عديدة إلى تفاقم أزمة الدراما السورية، منها التغييرات الجذرية التي شهدتها سوريا، وتوقف التصوير، وسفر بعض الممثلين، ورفض آخرين القدوم إلى سوريا. هذه العوامل ساهمت في تعقيد عملية الإنتاج، لكنها لا تبرر بالكامل التراجع الفني الذي تشهده الصناعة".(المشهد )