استقبل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يوم أمس الأربعاء رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني والوفد المرافق له، في زيارة رسمية للعاصمة بغداد، بعد 6 سنوات على الغياب.وبحث الجانبان جملة من المواضيع التي تسعى الحكومة الاتحادية لتنفيذها في المجالات الخدميّة والاقتصاديّة والإصلاحيّة، والملفات العالقة بين إربيل وبغداد، وأيضاً جرى التباحث في التطورات الإقليمية التي تشهدها المنطقة وانعكاسها على الأمن والاستقرار في العراق. وجاءت زيارة زعيم الحزب الديمقراطي الكردستانيّ، في وقت تعوّل فيه الأطراف السياسية على حسم الملفات العالقة بين أربيل وبغداد وعلى رأسها ملف موازنة الإقليم المالية وملف الطاقة.وحظيّ البارزاني باستقبال رسميّ من قبل وزير الخارجية فؤاد حسين والتخطيط محمد تميم والدفاع ثابت العباسي في مطار بغداد الدولي، حيث كانت آخر زيارة للبارزاني إلى بغداد في نوفمبر 2018 بعد عام من استفتاء استقلال إقليم كردستان الذي تسبّب بأزمة مع حكومة بغداد، ودخل على إثره الجيش العراقي إلى محافظة كركوك وأخرج قوات البيشمركة منها.السوداني حقق التقارب بين أربيل وبغداد ووصف محللون سياسيون هذه الزيارة بالتاريخية، خصوصاً أنّ الزعيم الكردي له مكانة رفيعة وثقل سياسي لدى جميع الكتل السياسية في العراق، وقال الباحث في الشأن السياسي العراقي الدكتور عائد الهلالي لمنصة "المشهد" إنّ هذه الزيارة مهمة وضرورية خصوصاً في ظل التطورات التي تشهدها العملية السياسية سلباً وإيجاباً. وعن أهمية الزيارة، أكّد الهلالي أنّ مسعود بارزاني يشكل أحد أقطاب العملية السياسية، وكان له الدور الأكبر في احتواء الأزمات التي تعرضت لها الدولة العراقية، وحلّ المشكلات التي واجهت أربيل وبغداد معاً، وتبرز أهمية هذه الزيارة في تأكيد الجهود التي بذلتها حكومة محمد شياع السوداني لتحقيق التقارب بين أربيل وبغداد خلال الآونة الأخيرة.ويرى الهلالي أنّ زيارة البارزاني لبغداد بعد 6 سنوات على الغياب، هي بمثابة ثمرة الجهودة التي بذلتها الحكومة العراقية لتقريب وجهات النظر بين الجانبين الكردي والعربي، ولتؤكد لجميع الكتل السياسية التي تخشى من نجاح السوداني في دورة انتخابية جديدة أنّ حكومة السوداني تعمل بجد لضمان استقرار ورفاه العراق من جنوبه إلى شماله.توقيت مهم ويقول المستشار الإعلامي للرئيس مسعود بارزاني كفاح محمود لمنصة "المشهد" إن "زيارة بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى بغداد، تأتي في توقيت مهم جداً، حيث يتعرض العراق إلى تحديات كبيرة، خصوصاً فيما يتعلق بتوسيع دائرة الصراع المحتدم بين إسرائيل وغزة، وبين إسرائيل و"حزب الله" في لبنان، واشتراك الفصائل المسلحة العراقية أو ما يسمون أنفسهم "المقاومة الإسلامية في العراق"، وانخراطهم في هذا الصراع وقصفهم إسرائيل، ولا بد أن هذا الملف على طاولة النقاش مع الرئيس مسعود بارزاني". ويوضح محمود أن "زيارة بارزاني إلى بغداد جاءت بعد زيارات متعاقبة قامت بها القيادات الكردية وعلى رأسها رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني، ورئيس الحكومة مسرور بارزاني إلى بغداد، كما أن زيارة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إلى الإقليم عدة مرات تمخضت عن تشكيل مجموعة من اللجان". ويضيف المستشار الإعلامي لبارزاني أنه خلال هذه الزيارات المتعاقبة، "برزت العديد من التحديات منها مشكلة رواتب موظفي الإقليم، وإعادة تصدير نفط كردستان الذي توقف عدة مرات لأسباب كثيرة تتحملها الحكومة الإتحادية من جهة والحكومة التركية من جهة أخرى، ناهيك عن الشركات التي تقوم باستخراج البترول في إقليم كردستان".وأشار إلى أن "هناك الكثير من الإشكاليات التي تتعلق بتطبيق المادة 140 وتأسيس المجلس الاتحادي للبرلمان العراقي، وتشكيل المحكمة الدستورية العليا، إضافة لموضوع البيشمركة وتزويدها بالسلاح وتدريبها، وحصة الإقليم من الموازنة المالية، وإجراء تعداد للسكان، وانتخاب رئيس للبرلمان الاتحادي، كل هذه الإشكاليات دفعت الرئيس مسعود بارزاني إلى زيارة بغداد لمناقشتها مع القادة السياسيين في الحكومة العراقية".ويرى محمود أن زيارة "قائد وزعيم مثل مسعود بارزاني يتمتع باحترام كبير من القادة العراقيين بسنتهم وشيعتهم تأتي في توقيت مهم جداً، وستترك آثاراً إيجابية ربما سنجني ثمارها في المستقبل القريب، خصوصاً فيما يتعلق بانتخابات عامة ستجري في إقليم كردستان في أكتوبر القادم وانتخابات متوقع أن تجري في نهاية هذا العام للبرلمان العراقي".مسعود بارزاني يخرج من عزلته السياسية ويقول المحلل السياسي والإستراتيجي مُناف الموسوي لمنصة "المشهد" إنّه رغم الفتور السياسي الذي شهدته العلاقات بين أربيل وبغداد بعد قرارات المحمكة الاتحادية المرتبطة بالانتخابات وغيرها من الملفات العالقة، فإن مسعود بارزاني جاء إلى بغداد مجيء المنتصر وليس الخاسر.ويرى الموسوي أنّ هذه الزيارة تؤكد أن مسعود بارزاني بدأ بالخروج من عزلته السياسية والعمل بشكل شخصي، بعد أن كان يعتمد على نيجرفان بارزاني وهو ما يدل على بداية جديدة لعمل سياسي جديد.وبحسب الموسوي هنالك الكثير من التوقعات حول هذه الزيارة، وعلى رأسها: إيجاد حلول واضحة لملف حصة الإقليم من الموازنة المالية. إيجاد آلية واضحة لإرسال رواتب موظفي الإقليم. مناقشة خطط جديدة لملف الطاقة في إقليم كردستان. ويختم الموسوي حديثه بالقول إن الحكومة الاتحادية بقيادة محمد شياع السوداني فشلت بشكل جزئيّ في حل بعض المشكلات وعلى رأسها سلاح الفصائل المسلحة، وغيرها من القضايا التي تمثل تحدٍ أمام حكومة السوداني، وربما زيارة مسعود البارزاني ستتضمن مناقشة هذه المسائل. رسائل تحذرية للفصائل المسلحة وتقول مستشارة مركز المورد للدراسات والإعلام علياء عباس إنًّ زيارة الرئيس مسعود بارزاني إلى بغداد مؤشر واضح على استئناف العلاقات بعد فترة انقطاع دامت لسنوات تخللتها الكثير من الملفات الشائكة والتوترات على عدة أصعدة وخصوصا في الآونة الأخيرة. وتضيف عباس: قامت حكومة بغداد بإصدار قرارات قضائية بحق الإقليم، والذي اعتبرها أنها تقوّض من صلاحيته مثل ملف الصادرات النفطية، وملف الرواتب، وملف النفط والغاز، وملف الانتخابات، لكن في الوقت نفسه حاول السوداني أن يدير الأمورو التوترات بطريقة دبلوماسية إلى حد ما.هذه الزيارة قد تحمل بعض الرسائل التحذيرية إلى حكومة المركز، خصوصًا قوى الإطار التنسيقي وبعض الفصائل التي ترفع شعار المقاومة لتحذيرها من استهداف المصالح الأميركية الموجودة في كردستان العراق.وكانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق أصدرت عدّة قرارات اعتبرها الإقليم مجحفة بحقه، منها أن تتولى مفوضية الانتخابات العراقية مسألة تنظيم انتخابات برلمان إقليم كردستان، وإلغاء مفوضية الإقليم التي تعمل من العام 2006، وتقليص عدد مقاعد برلمان إقليم كردستان من 111 مقعداً إلى 100 مقعد، بعد إلغاء مقاعد الكوتا.وفي منتصف العام 2023، فتح إقرار الموازنة السنوية الأضخم في العراق أزمة كبيرة بين إقليم كردستان والقوى السياسية في بغداد، وأثارت غضب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني الذي اعتبرها محاولات لتقويض كيان الإقليم الدستوري والمالي، حيث سمحت المادة 14 للحكومة الاتحادية باقتطاع المستحقات المالية لأيّ محافظة من محافظات الإقليم وتموليها من بغداد مباشرة دون الرجوع لأربيل.ويحتاج الإقليم إلى 374 مليار دينار شهرياً لدفع رواتب الموظفين، وبموجب قرار المحكمة الاتحادية المتعلق بمشكلة الرواتب، وعلى الطرفين الالتزام به، يجب توطين رواتب المنتسبين في إقليم كردستان، أيّ استلام الراتب مباشرة من بنوك الحكومة الاتحادية، ما رفع حدّة التوتر بين أربيل وبغداد.ومنذ بداية الحرب في غزّة في 7 أكتوبر الماضي، أعربت أربيل عن قلقها من استهداف الفصائل المسلحة للمواقع الأميركية في أربيل، خصوصًا قاعدة حرير العسكرية التي تتمركز فيها القوات الأميركية، ما دفع حكومة الإقليم لمطالبة بغداد بالسيطرة على سلاح الفصائل المسلحة وإيقاف هذه الضربات. (المشهد )