على مدى ما يقرب من 9 أشهر من الصراع المحتدم مع جماعة "حزب الله"، هدّد الجيش الإسرائيلي مساحات من جنوب لبنان، وفقا لتقرير تحليلي لصحيفة "فايننشال تايمز".وحتى في الوقت الذي يتدافع فيه الدبلوماسيون لمنع نشوب حرب شاملة يمكن أن تشعل المنطقة، فإنّ الهجمات الإسرائيلية دمرت أو ألحقت أضرارًا بالغة بالمباني والبنية التحتية والأراضي الزراعية والغابات، فضلًا عن ضرب أهداف عسكرية لـ"حزب الله" في القرى والبلدات المتناثرة المنتشرة على الحدود، تم تسوية بعض الأحياء بأكملها بالأرض. وتقول الصحيفة إنّ معظم الدمار وقع داخل ممر بطول 5 كيلومترات شمال الخط الأزرق، الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة بين البلدين، وفقًا لتحليل صور الأقمار الاصطناعية وبيانات الرادار والإحصاءات الحكومية، إلى جانب مقابلات مع مسؤولين محلّيين وحكوميّين وباحثين وعمال دفاع مدنيّ وسكان. وتشير البيانات التي جمعتها "فايننشال تايمز" إلى أنه مع فشل المفاوضات الدبلوماسية، استخدم الجيش الإسرائيليّ القوة لخلق واقع جديد على الأرض، إذ أدى القصف الجوّي شبه اليومي، والقصف المدفعيّ والفوسفور الأبيض الكيميائي الحارق، إلى جعل جزء كبير من 5 كيلومترات شمال الخط الأزرق غير صالح للسكن.منطقة عازلةتركت الأضرار الهيكلية والتدهور البيئيّ والضرر الاقتصاديّ قطاعًا من الأرض يشبه "المنطقة العازلة" التي تريد إسرائيل إقامتها في لبنان. ولم يبقَ سوى حفنة من المدنيّين. معظم المباني فارغة؛ تم تدمير العديد منها. ولم تنجح محاولات التفاوض على اتفاق يشمل انسحاب "حزب الله" من الحدود. لكنّ المنطقة أصبحت منطقة عسكرية بحكم الأمر الواقع، يحرسها مقاتلو "حزب الله" والقوات المسلحة اللبنانية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. جمعت "فايننشيال تايمز" البيانات من الأقمار الاصطناعية التجارية مع أبحاث من مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك وجامعة ولاية أوريغون. ويطبق الباحثون تقنية باستخدام صور من الأقمار الاصطناعية "ذات الفتحة الاصطناعية"، والتي يمكنها اكتشاف التغيرات في المباني، ولا تتأثر بالغطاء السحابي.في عيتا الشعب، بالقرب من الحدود، تظهر مجموعات من الدمار على صور الرادار، إذ تضرر وسط المدينة بشدة منذ 8 أكتوبر، وهو اليوم الذي بدأ فيه "حزب الله" إطلاق النار على شمال إسرائيل "تضامنًا" مع "حماس" ولإبعاد القوات العسكرية الإسرائيلية عن غزة. وأدى ذلك إلى استمرار الأعمال العدائية المتبادلة.في لبنان، يقول محمد سرور، عمدة عيتا الشعب: "إنه تدمير منهجي.. إنهم يدمرون البنية التحتية، ليجعلوا من المستحيل عليك العودة والعيش هنا". وتم تهجير أكثر من 95,000 شخص قسرًا في جنوب لبنان، وفقًا للأمم المتحدة. وأسفرت الغارات الإسرائيلية عن مقتل أكثر من 90 مدنيًا و300 من مقاتلي "حزب الله"، وفقًا لإحصاء نشرته "فايننشيال تايمز"، وهو عدد أكبر من المسلحين الذين لقوا حتفهم في حرب وحشية استمرت شهرًا في عام 2006. أدت هجمات "حزب الله" على شمال إسرائيل إلى مقتل أكثر من 20 جنديًا ومدنيًا وتشريد نحو 60,000 شخص، وفقًا لإفصاحات الحكومة الإسرائيلية. وقال محللون ودبلوماسيون ومسؤولون لبنانيون وأشخاص مطلعون بشأن "حزب الله"، إنّ سحب مقاتليه من الناحية العملية سيكون أمرًا لا يمكن تصوّره تقريبًا. "حزب الله" المدعوم من إيران ليس فقط أقوى قوة عسكرية وسياسية في لبنان، ولكنه يسيطر أيضًا على الجنوب، حيث كان متجذرًا بعمق في المجتمعات منذ عقود.وقال أحد مقاتلي "حزب الله" الذي طلب عدم ذكر اسمه، إنّ "مطالبتنا بالانسحاب من الجنوب يشبه مطالبة سمكة بعدم السباحة في البحر".توسيع نطاق الحربوقال مسؤول لبناني كبير، إنّ السؤال هو ما إذا كانت الدبلوماسية والمنطقة العازلة الفعلية ستكون كافية لدرء حرب أوسع. أم أنهم يريدون توسيع الحرب في محاولة للقضاء على حزب الله تمامًا؟".وردًا عن أسئلة، قال مسؤول عسكريّ إسرائيليّ كبير، إنّ "هذه ليست منطقة عازلة.. نريد فقط صد "حزب الله". ليس لدينا مشكلة مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أو القوات المسلحة اللبنانية، أو المدنيّين اللبنانيّين المقيمين هناك.. ولكن علينا تنظيف المنطقة من وجود حزب الله".وأضاف "إنهم يشكلون تهديدًا مباشرًا للمنازل الإسرائيلية عبر نيران القناصة والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات والهجمات عبر الحدود وغيرها من الوسائل. هذه حاجة تكتيكية لتوفير الأمن للسكان الإسرائيليّين".في قرية الناقورة الحدودية الشهر الماضي، كانت الخرسانة المنهارة والحديد المموّج المشوّه والأثاث المكسور كل ما تبقى من منزلين مدنيّين.وقال أحد السكان الذي لم يرغب في الكشف عن هويته:" قريتنا الجميلة هي الآن مدينة أشباح". بكى بصمت على مرأى من لعب أطفاله في أنقاض منزله. وقال: "كل قرية داخل دائرة نصف قطرها 10 كيلومترات من هنا هي نفسها".وقال حسن شيت، عمدة بلدة كفر كيلا: "كل يوم، يزداد الدمار سوءًا". بعد زيارته من بيروت، حيث يقيم منذ نوفمبر، قال: "هناك أحياء تشبه غزة".في جميع أنحاء الجنوب، تم تسوية أكثر من 3000 منزل بالكامل، مع 12000 منزل آخر تكبد أضرارًا متوسطة المستوى، وفقًا لهشم حيدر، رئيس المجلس الجنوبيّ اللبناني، وهو هيئة رسمية. وتحدد تقديرات الرادار الخطوط العريضة لـ 1500 مبنى متضرر بشدة، بما في ذلك بعضها منازل متعددة. وقال كوري شير، أحد الباحثين، إنّ ذلك كان "تقديرًا متحفظًا أقل تحديدًا لمدى الأضرار التي لحقت بالمباني في جنوب لبنان". وقال حيدر إنّ الحملة الإسرائيلية تركت البنية التحتية المدنية في حالة سيئة، بما في ذلك مضخات المياه والخزانات وشبكات الكهرباء والألواح الشمسية والطرق.(ترجمات)