استغرق العمل من أجل الإطاحة بنظام بشار الأسد أكثر من 13 عامًا، مما تسبّب في موت ودمار لا يوصف، لأنّ القوى الخارجية حولت سوريا إلى ساحة معركة بالوكالة لطموحاتها الخاصة. عندما سقطت حكومة الأسد صباح يوم الأحد، بعد حملة خاطفة فاجأت الأصدقاء والأعداء، كان المتبرعون الرئيسيون للنظام يضعفون ويشتت انتباههم بسبب الفوضى في أماكن أخرى. ولا بدّ أن يكون لنتيجة هذا التحول تأثير عميق على الشرق الأوسط وعلى ميزان القوى العالمي، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية. قال بدر جاموس، وهو سياسيّ معارض بارز مناهض للأسد "نرى تغييراً كبيرًا في المنطقة. أصبحت تركيا أقوى، وروسيا أضعف، وإيران أصبحت ضعيفة". وأضاف "لكن السوريين هم الذين سيلعبون دورا كبيرا الآن، ليس كما كان من قبل. سيتعين على الجميع الاستماع إلى صوتنا وقراراتنا". وفقدت إيران، التي نُهبت سفارتها في دمشق فور استيلاء المعارضة على السلطة، حليفها الرئيسي في "محور المقاومة" واتصالها البري الحيوي بجماعة "حزب" الله في لبنان. كما تعرضت روسيا لضربة قوية، مع عدم يقين جديد يحيط بمستقبل قواعدها البحرية والجوية الحيوية على البحر الأبيض المتوسط. دور تركيومع رحيل الأسد، من الواضح أن تركيا ستمارس سلطة أكبر بكثير على جارتها الجنوبية، وعلى بلاد الشام بأكملها، مما يشكل دفعة لتطلعات الرئيس رجب طيب إردوغان إلى العثمانيين الجدد، وفق الصحيفة.تدعم تركيا علنا الجيش الوطني السوري، التي ركزت طاقتها في الغالب على المعارك مع الأكراد السوريين في الأسابيع الأخيرة، مع استمرار الاشتباكات يوم الأحد. وقال تشارلز ليستر، مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط: "تتحمل تركيا المسؤولية الرئيسية لضمان أن ما يخرج من هذا هو مزيد من الاستقرار وعودة اللاجئين، وسوريا جديدة، بدلا من حرب أهلية جديدة بالكامل وإعادة رسم الخطوط على الخريطة بين العرب والأكراد والفصائل الأخرى.. تركيا لديها الوسائل".وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان من الدوحة يوم الأحد إن الحفاظ على وحدة سوريا ووحدة أراضيها هو الهدف الرئيسي لأنقرة، وكذلك محاربة "الإرهابيين" في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا. وذكر الدبلوماسي التركي السابق ومدير مركز إيدام للأبحاث في إسطنبول سنان أولغن "من وجهة نظر تركيا، فإن العنصر الجديد للخطر والخطر هو انهيار الدولة السورية".موقف في الشرق الأوسطوأشارت الصحيفة إلى أن دولًا عربية، تعمل على التأكد من أن سقوط الأسد لن يؤدي إلى موجة جديدة من الاضطرابات وعودة ظهور الحركات المتطرفة مثل تنظيم "داعش".وسجلت إسرائيل، التي نقلت قواتها إلى سوريا على طول مرتفعات الجولان في نهاية هذا الأسبوع، إنجازًا إستراتيجيًا بتفكيك "محور المقاومة" الذي تقوده إيران، وهو أقوى عدوّ لها. ويشعر المسؤولون الإسرائيليون بالقلق أيضا من صعود دولة إسلامية سنية مدعومة من تركيا على حدودها، قد تحاول استعادة مرتفعات الجولان التي استولت عليها إسرائيل في عام 1967، ويمكن أن تتحالف مع "حماس" في غزة.ولدى العراق مخاوف مماثلة إلى حدّ ما، حيث يشعر المسؤولون هناك بالقلق من أن الأحداث في سوريا قد تؤدي إلى تجدد تمرد سنيّ في الداخل. وفي رسالة مصورة إلى رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني الأسبوع الماضي، حثّ الجولاني الميليشيات الشيعية العراقية على الابتعاد عن سوريا وعدم محاولة إنقاذ الأسد، وهي نصيحة استجابت إليها بغداد في نهاية المطاف.انتكاسة لإيرانوقال المؤسس المشارك لمركز أبحاث الحوكمة والسياسة في طهران، سيد إماميان، إن منع امتداد الصراع السوري إلى العراق يمكن أن يصبح مرة أخرى أولوية لإيران. وأضاف: "بالنسبة لإيران، من المهم جدا ليس فقط دعم حلفائها في محور المقاومة، ولكن أيضا أمن العراق، لأنه إذا حدث شيء ما داخله، فستكون الحدود الإيرانية معرضة للخطر للغاية، وقد تكون مسألة أمن قومي".على وسائل التواصل الاجتماعي الروسية، تم التعامل مع سقوط دمشق على أنه كارثة جيوسياسية، حيث وصفه المنظر القومي المتطرف ألكسندر دوغين بأنه "حدث مأساوي". ونشرت روسيا قوات في سوريا في عام 2015، وهي خطوة عكست مكاسب المعارضة ومنعت انهيارا وشيكا على ما يبدو للنظام في ذلك الوقت. وقال مدير مركز كارنيغي روسيا في أوراسيا ألكسندر جابوييف "ما حدث هو ضربة كبيرة لنفوذ روسيا ومكانتها الإقليمية". وأضاف "كان دعم نظام الأسد، والتدخل في الحرب الأهلية السورية إلى جانب الأسد مع الإيرانيين، أحد المظاهرات الرئيسية لقدرة روسيا على التغلب على ثقلها". وقالت كبيرة مستشاري مجموعة الأزمات الدولية دينا إسفنديري "ما حدث في سوريا هو بالتأكيد انتكاسة مؤقتة لإيران، ولكن من المهم أن نتذكر أن إيران انتهازية ومعتادة على العمل في بيئات غير مستقرة"."فوضى"وفق "الفورين بوليسي"، تميزت الحرب الأهلية السورية بتورط مجموعة من الدول الأخرى التي تدعم فصائل مختلفة في الصراع في سعيها للتنافس على النفوذ وتعزيز مصالحها.وقال ليستر "نحن أيضا في مرحلة سيعيد فيها الكثير من الجهات الفاعلة الخارجية اختيار أحزابها ووكلائها المفضلين داخل المجتمعات السورية، وهذه نقطة خطيرة أيضا". تدخلت الولايات المتحدة في الصراع في عام 2014 بضربات جوية ضد "داعش" واحتفظت بوحدة صغيرة قوامها نحو 900 جندي في شمال شرق البلاد لدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ويأتي انهيار نظام الأسد أيضا في الوقت الذي من المقرر أن يعود فيه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير. وخلال فترة ولايته الأولى، سعى ترامب إلى سحب القوات الأميركية من سوريا، لكن مستشاريه حذروا من أن إيران وروسيا ستسعيان لملء الفراغ. ووصف ترامب سوريا يوم السبت بأنها "فوضى" ولكنها ليست "صديقة" للولايات المتحدة.في حين أن مستقبل سوريا لا يزال غير مؤكد للغاية، فإن الوضع له أيضا "تداعيات هائلة" على لبنان المجاور، وفق المبعوث في إدارة بايدن عن محادثات السلام بين إسرائيل و"حزب الله" آموس هوكستين. وأضاف "أعتقد أن ما حدث في سوريا، والذي حدث بالطبع في اليوم التالي لبدء وقف إطلاق النار، يخلق الآن ضعفا جديدا لـ’حزب الله’". (ترحمات)