قبل نحو أسبوع، قُتل شرطي في كمين بشمال كوسوفو، وأعقب ذلك تبادلا لإطلاق النار بين القوات الخاصة في شرطة كوسوفو ومقاتلين صرب مدججين بالسلاح. واتهمت كوسوفو صربيا بالوقوف وراء الهجوم، وهو ما سارعت بلغراد إلى نفيه، متهمة من جانبها رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي بدفع صرب كوسوفو إلى أقصى الحدود بسبب "استفزازاته".ماذا وراء عودة التوتر؟يشكل عودة التوتر منذ إعلان كوسوفو استقلالها في عام 2008، عقبة أخرى على طريق "تطبيع" العلاقات بين صربيا وكوسوفو. وأعلنت بريشتينا استقلالها عن صربيا قبل 15 عاما، بعد عقد على مساعدة حلف شمال الأطلسي "الناتو" في طرد القوات الصربية من الإقليم السابق في حرب دامية خلفت نحو 13 ألف قتيل معظمهم من أصل ألباني. ومذاك ترفض صربيا بدعم من حلفائها الروس والصينيين، الاعتراف باستقلال كوسوفو حيث تعيش جالية صربية يبلغ عددها نحو 120 ألف نسمة يقيمون بشكل رئيسي في الشمال ويرفض بعضهم إعلان الولاء لبريشتينا.ويشكل الصرب 5% من سكان كوسوفو البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة في حين يشكل الألبان 90% تقريبا. ويُعَبّر نحو 50 ألف صربي في شمال كوسوفو، على الحدود مع صربيا، عن رفضهم لكوسوفو برفض دفع تكاليف الطاقة التي يستخدمونها للدولة، وكثيرا ما يهاجمون الشرطة إذا حاولت إلقاء القبض على أحدهم. ويحصل جميع الصرب على امتيازات من ميزانية صربيا ولا يدفعون أي ضرائب سواء لبريشتينا أو بلجراد.ما الذي يريده الصرب؟ يسعى الصرب في كوسوفو إلى إنشاء رابطة للبلديات ذات الغالبية الصربية تتمتع بقدر كبير من الحكم الذاتي. وترفض بريشتينا ذلك باعتباره وصفة لإقامة دولة صغيرة داخل كوسوفو، وهو ما من شأنه أن يؤدي فعليا إلى تقسيم البلاد على أساس عرقي. ولم تحقق صربيا وكوسوفو تقدما يذكر في هذه القضية وغيرها من القضايا منذ الالتزام في 2013 بحوار يرعاه الاتحاد الأوروبي بهدف تطبيع العلاقات بينهما، وهو شرط لكليهما قبل الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي. وتتصاعد حدة الاضطرابات منذ أبريل الماضي، عندما تولى رؤساء البلديات من أصل ألباني مناصبهم في المنطقة ذات الغالبية الصربية في شمال كوسوفو بعد انتخابات قاطعها الصرب، وهي الخطوة التي دفعت الولايات المتحدة وحلفاءها إلى توبيخ بريشتينا. وقبل ذلك بأشهر، أقام صرب شمال كوسوفو عدة حواجز على الطرق وتبادلوا إطلاق النار مع الشرطة بعد إلقاء القبض على شرطي صربي سابق بزعم اعتدائه على أفراد شرطة في الخدمة خلال احتجاج. ويتصاعد التوتر منذ شهور بسبب خلاف يتعلق بلوحات ترخيص السيارات. وتريد كوسوفو منذ سنوات من الصرب في الشمال أن يغيروا لوحات سياراتهم الصربية، التي يعود تاريخها إلى حقبة ما قبل الاستقلال، إلى تلك الصادرة عن بريشتينا، ضمن سياستها الرامية إلى بسط سيطرتها على كامل أراضي كوسوفو. أميركا وروسيا وعقب التطورات الأخيرة، دعت الولايات المتحدة صربيا إلى سحب قواتها المنتشرة على الحدود مع كوسوفو. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي "نرى انتشارا صربيا عسكريا كبيرا على طول الحدود مع كوسوفو"، بما يشمل نشرا "غير مسبوق" لبطاريات مدفعية ودبابات ووحدات مشاة. وقبل ساعات، ذكر البيت الأبيض في بيان أن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أجرى اتصالا هاتفيا برئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي وعبر عن قلقه بشأن التعبئة العسكرية لصربيا قرب الحدود مع كوسوفو.وناقش سوليفان وكورتي الحوار بين كوسوفو وصربيا الذي يتم بوساطة الاتحاد الأوروبي. وقال البيت الأبيض إن سوليفان شدد على أن الحوار "هو الحل الوحيد طويل المدى لضمان الاستقرار في أنحاء كوسوفو". بدورها، حمّلت روسيا حكومة كوسوفو مسؤولية الاشتباك الدامي بين السلطات ومسلحين قرب الحدود الصربية، محذرة من أن "إراقة الدماء" قد تخرج عن السيطرة. وقالت الخارجية الروسية إن "هناك تهديد مباشر من عودة التطهير العرقي الذي سبق أن مارسه متطرفون ألبان في كوسوفو".انتشار قوات الناتوبدوره، أبدى حلف شمال الأطلسي استعداده لتعزيز عديد قوته "كفور" المنتشرة في كوسوفو، بهدف "مواجهة الوضع" في شمال الإقليم الصربي السابق. وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ في بيان الأسبوع الماضي "أجاز مجلس شمال الأطلسي (هيئة اتخاذ القرار السياسي في الحلف) نشر قوات إضافية لمواجهة الوضع". ولم يحدد البيان ماهية القوات التي يمكن نشرها إذا اقتضت الضرورة، لكن وزارة الدفاع البريطانية ذكرت من جهتها أنه تم وضع كتيبة تضم بين 500 و650 عنصرا في تصرف "كفور" عند الضرورة. وأضافت الوزارة البريطانية أن هذه الكتيبة وصلت "أخيرا إلى المنطقة" لإجراء تدريبات مقررة منذ وقت طويل. وأضاف ستولتنبرغ: "سنتخذ على الدوام كل التدابير الضرورية للحفاظ على بيئة آمنة، وكذلك على حرية الحركة بالنسبة إلى جميع من يعيشون في كوسوفو". وفي شمال كوسوفو حيث غالبية السكان من الأقلية الصربية، ارتأت قوة كفور "تعزيز حضورها ونشاطها"، وفق مسؤول في الأطلسي تحدث مع وكالة الأنباء الفرنسية. وأوضح المسؤول أن "كفور" عزّزت بالفعل حضورها في كوسوفو في مايو بنشرها نحو 500 عسكري تركي تم استبدالهم لاحقا بعناصر بلغار ويونانيين. وأشار المسؤول إلى أن قوة كفور مستعدة لإجراء "تعديلات إضافية" إذا لزم الأمر، لتمكينها من الاضطلاع بمهام التفويض المعطى لها بحفظ السلام في كوسوفو.ما خطط الاتحاد الأوروبي للسلام؟ يضغط مبعوثو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على صربيا وكوسوفو للموافقة على خطة، كُشف النقاب عنها في منتصف 2022، تتوقف بلجراد بموجبها عن ممارسة الضغوط للحيلولة دون حصول كوسوفو على مقعد في المنظمات الدولية، ومنها الأمم المتحدة. كما تلتزم كوسوفو بموجب الخطة بتشكيل رابطة للبلديات ذات الغالبية الصربية، وسيفتح الجانبان مكاتب تمثيلية في عاصمة الطرف الآخر للمساعدة في حل النزاعات القائمة. ويبدو أن الرئيس الصربي مستعد للموافقة على الخطة، إذ إنه حذر القوميين الرافضين من أعضاء البرلمان من أن بلجراد قد تواجه عزلة تضر بها في أوروبا إذا رفضوا الخطة.لكن لا يلوح في الأفق أي تقدم في ظل وجود المتشددين القوميين الأقوياء على الجانبين، وليس فقط بين صرب شمال كوسوفو.(وكالات)