تعدّ التغيّرات المناخية واحدة من أكبر التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين. وتشير الأدلّة العلمية المتزايدة، إلى أنّ النشاط البشري، بما في ذلك انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، يلعب دورًا حاسمًا في زيادة درجات الحرارة على سطح الأرض. يترتب على هذا التغيّر المناخيّ تأثيرات واسعة النطاق على العديد من الجوانب المختلفة للحياة على كوكبنا، وسنخصص هذا المقال للحديث عن التغيّرات المناخية وتأثيرها على الطاقة. ما هي التغيّرات المناخية؟ التغيرات المناخية هي الاختلافات الحاصلة في العوامل المناخية على مستوى الكرة الأرضية أو في مناطق محددة منها، والتي تحدث على مدى زمنيّ طويل أو قصير. هذه العوامل تشمل درجة الحرارة والرطوبة والرياح وهطول الأمطار، والضغط الجوي والتيارات المائية، والتركيب الكيميائيّ للغلاف الجوي. يحدث التغيّر المناخي بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي تحدث نتيجة تراكم الغازات الدفيئة في الغلاف الجوّي للأرض. تنتج الغازات الدفيئة من حرق الوقود الأحفوري، ولذا كلما زادت معدلات الحرق، زادت الغازات الدفيئة في الجو، فتعمل على دخول أشعة الشمس وحرارتها، ولكنها تمنع ارتدادها مرة أخرى، ما يسبّب ارتفاع درجة حرارة الأرض، والذي يترتب عليه ارتفاع منسوب المحيطات، وما إلى ذلك من تغيّرات أخرى. التغيّرات المناخية وتأثيرها على الطاقة التغيّرات المناخية تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الطاقة. الطاقة تنقسم إلى طاقة متجددة وطاقة غير متجدّدة. الطاقة المتجدّدة هي الطاقة التي تستمد من مصادر طبيعية لا تنفد أو تتجدد بسرعة كبيرة، مثل الشمس والرياح والماء والحرارة الأرضية. الطاقة غير المتجددة هي الطاقة التي تستمدّ من مصادر طبيعية تنفد بمرور الزمن أو تتجدد ببطء شديد، مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي. التغيّرات المناخية تؤثر على الطاقة بطرق مختلفة، منها: قد يؤثّر تغير المناخ على قطاع الطاقة بصورة واسعة كما يتّضح: - انقطاع إمدادات الطاقة في العديد من دول العالم، يتسبب الطقس المتطرف، الذي يعدّ أحد النتائج المباشرة للتغيّر المناخي، في تشكيل مخاطر كبيرة على إمدادات الطاقة. يمكن للأمطار الغزيرة أن تتسبب في حدوث فيضانات تؤثر على البنى التحتية. كذلك، بالنسبة للمناطق الجليديّة في العالم، يمكن أن يتسبب ذوبان الجليد إلى غرق الأرض وتعريض خطوط أنابيب الوقود للخطر. بالإضافة إلى ارتفاع درجة الحرارة، يؤدي الاحتباس الحراري أيضًا إلى تزايد قدرة الغلاف الجوّي للأرض، على الاحتفاظ بالرطوبة فترات أطول دون سقوط الأمطار. يمكن أن يؤدي الدفء والتقلب في هطول الأمطار إلى انخفاض كثافة الثلوج، وتغيّرات في ذوبان الثلوج، وامتداد فترات الجفاف - وكلها تؤثّر على إمدادات المياه اللازمة لأنظمة الطاقة. على سبيل المثال، تعتمد معظم محطات الطاقة على الأنهار أو البحيرات للتبريد. ويتطلب إنتاج وتكرير النفط والغاز الطبيعي والوقود الحيوي أيضًا، إمدادات ثابتة من المياه. وبدون كمية كافية من المياه، تحتاج الأنظمة المتضررة إلى إيجاد مصادر مياه جديدة أو تقليص عملياتها. - انقطاعات خطوط نقل الطاقة يهدّد تغير المناخ الطرق التي تصل بها الطاقة إلى الأماكن التي تحتاجها. على سبيل المثال، تكون خطوط النقل عرضة للتلف أثناء الطقس القاسي. يمكن للثلوج والجليد وحرائق الغابات والرياح الشديدة، أن تُلحق الضرر بخطوط الكهرباء وأبراج النقل الموجودة فوق الأرض. يمكن أن تؤثر الفيضانات على خطوط الكهرباء تحت الأرض، وتُلحق الضرر بالطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب ومرافق التخزين. يمكن أن تؤثر درجات الحرارة الأكثر دفئًا، وخصوصًا درجات حرارة الصيف الحارة، على نقل الطاقة. عندما ترتفع درجات الحرارة، تقلّ القدرة الاستيعابية لخطوط النقل. يمكن أن تؤدّي حرائق الغابات، التي تزداد صيفًا، إلى تعطيل شبكات الطاقة بشكل كبير عندما تؤثر على أبراج النقل وخطوط الكهرباء. - تغيير الطلب على الطاقة التغيّرات المناخية تؤدي إلى تغيير في درجات الحرارة والهطول والتبخّر والتبادل الحراري بين الأرض والجو، ما يؤثّر على الحاجة إلى الطاقة للتدفئة أو التبريد أو الرّي أو الإنارة أو النقل أو الصناعة أو الزراعة أو الخدمات. ترتفع درجات الحرارة في الكثير من دول العالم. ومع ارتفاع درجة حرارة المناخ، من المتوقع أن يستخدم المواطنون المزيد من الطاقة، ومعظمها من الكهرباء، للتبريد. سيؤدي هذا الطلب المتزايد أيضًا إلى زيادة فرصة انقطاع التيار الكهربائي. ويعني ارتفاع درجة حرارة المناخ أيضًا، أنه من المتوقع أن يستخدم المواطنون طاقة أقلّ لتدفئة منازلهم في الشتاء. ومع ذلك، من المتوقع أن تفوق زيادة الطلب على التبريد في الصيف، أيّ تخفيضات في استخدام الطاقة بسبب انخفاض احتياجات التدفئة. - زيادة تلوّث الهواء وتغير المناخ ومع تزايد الطلب على التبريد في مختلف دول العالم، يجب إنتاج المزيد من الكهرباء لتلبية هذا الطلب. من المرجح أن تؤدي زيادة إنتاج الطاقة إلى زيادة انبعاثات بعض ملوثات الهواء والغازات الدفيئة التي تساهم في تغيّر المناخ. - تغيير العرض من الطاقة التغيّرات المناخية تؤثر أيضًا على مدى توافر وكفاءة وجودة وتكلفة مصادر الطاقة المختلفة، سواء المتجددة أو غير المتجددة. على سبيل المثال، التغيرات المناخية تؤثر على كمية ونوعية وتوزيع الإشعاع الشمسي، وسرعة واتجاه الرياح، ومستوى وتدفّق المياه ودرجة حرارة ورطوبة الهواء والتربة والماء، ما يؤثر على إنتاج الطاقة الشمسيّة والرياحيّة والمائيّة والحراريّة الأرضيّة والحيويّة. كما تؤثر التغيّرات المناخية على توزيع وجودة واستخراج ونقل وتخزين واستهلاك الوقود الأحفوري والنووي، ما يؤثر على إنتاج الطاقة الحرارية والنووية. - تغيير الآثار البيئيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة للطاقة التغيرات المناخية تؤثر أيضًا على الآثار الناتجة عن استخدام الطاقة على البيئة والمجتمع والاقتصاد، سواء على المستوى المحلّي أو الإقليميّ أو العالمي. على سبيل المثال، التغيرات المناخية تؤثر على انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري والملوّثات الأخرى من محطات الطاقة والمركبات والمصانع والمنازل والمزارع، ما يؤثر على جودة الهواء والماء والتربة والصحة العامة، والتنوع الحيويّ والأمن الغذائيّ والمياهيّ والطاقوي. كما تؤثر التغيّرات المناخية على تكلفة وفاعلية وموثوقية واستدامة نظم الطاقة والخدمات المرتبطة بها، ما يؤثر على النموّ والتنمية والصراع والهجرة. - التحوّل على الاستدامة تشجع التغيّرات المناخية على التحوّل نحو مصادر طاقة نظيفة ومستدامة. فمع زيادة الوعي بتأثير الانبعاثات الكربونية على المناخ، تتزايد الجهود لتطوير واستخدام التكنولوجيا البديلة مثل الطاقة الشمسية والرياح والمائية والنووية النظيفة. وتعمل الحكومات والمؤسسات البحثية والشركات، على تعزيز الاستثمار في هذه المصادر البديلة للطاقة، بهدف تقليل الانبعاثات الضارة وتخفيض التأثيرات السلبية للتغيّر المناخيّ على الطاقة. كيف تساعد الطاقة النظيفة على تخطّي المشكلة؟ وفقًا للتقرير السنوي لحالة الخدمات المناخية الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، فإنّ قطاع الطاقة هو مصدر نحو ثلاثة أرباع انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية. وقد أوصى التقرير بوجوب مضاعفة إمدادات الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة، قبل الوصول لعام 2030 للحدّ من ارتفاع درجات الحرارة العالمية. وقد حذّر التقرير أنه بخلاف ذلك، هناك خطر من أن يؤدي تغيّر المناخ والطقس الشديد والإجهاد المائي، إلى تهديد أمن الطاقة وحتى تعريض إمدادات الطاقة المتجدّدة للخطر. وقال التقرير إنّ التحول إلى توليد الطاقة بالمصادر النظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، يشكل أهمية بالغة إذا أردنا أن نزدهر في القرن الـ 21، وأنّ صافي الصفر بحلول عام 2050 هو الهدف. يعني صافي الصفر خفض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى أقرب ما يمكن من الصفر، مع إعادة امتصاص أيّ انبعاثات متبقية من الغلاف الجوي، عن طريق المحيطات والغابات على سبيل المثال. ويشار أيضًا إلى صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصفرية باسم الحياد الكربوني. ووفقًا للبروفيسور بيتيري تالاس، الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، فإننا نشهد تغيّرات جذرية في المناخ، ولكننا لن نصل إلى ذلك إلا إذا ضاعفنا إمدادات الكهرباء منخفضة الانبعاثات قبل 2030، وإنّ الوقت ليس في صالحنا، ولذا نحن بحاجة إلى تحوّل كامل في نظام الطاقة العالمي. ومن شأن التحول إلى الطاقة المتجددة أن يساعد في تخفيف ضغوط المياه العالمية المتزايدة، لأنّ كمية المياه المستخدمة لتوليد الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، أقلّ بكثير من محطات الطاقة التقليدية، سواء التي تعمل بالوقود الأحفوريّ أو بالطاقة النووية. لكنّ التعهدات الحالية من جانب الدول، أقلّ بكثير من المطلوب لتحقيق الأهداف التي حددها اتفاق باريس، وهو ما يتسبّب في حدوث فجوة قدرها 70% في كمية تخفيضات الانبعاثات المطلوبة بحلول عام 2030. ومن المتوقع ألا يتمكن العالم من تحقيق حصول الجميع على الطاقة النظيفة المستدامة بحلول عام 2030 كما تنص اتفاقية باريس، خصوصًا أنّ التعهدات المتعلقة بالطاقة المتجددة تمثّل أقلّ من نصف ما هو مطلوب. ماذا نستطيع أن نفعل؟ يمكننا الحدّ من تأثير تغيّر المناخ على قطاع الطاقة بطرق عدة، بما في ذلك ما يلي: توفير الطاقة: يمكن للأفراد والشركات اتخاذ العديد من الإجراءات لتوفير الطاقة. توسيع نطاق الوصول إلى التكنولوجيات النظيفة: ويمكن للحكومات وقادة الصناعة المساعدة في توسيع نطاق الوصول إلى برامج الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، حتى تستفيد جميع المجتمعات. سيساعد هذا التحوّل على تقليل الانبعاثات التي تساهم في تغير المناخ. تحديث البنية التحتية: يمكن للمرافق والهيئات الحكومية تحديث البنية التحتية للطاقة، مثل خطوط الأنابيب المعرضة للتسرّب وخطوط الكهرباء القديمة. تعمل هذه الإجراءات على زيادة المرونة وتحسين السلامة وحماية الصحة العامة. ضمان عدالة الطاقة: يمكن لواضعي السياسات وقادة الصناعة والمجتمعات اتخاذ خطوات لتحسين القدرة على تحمل تكاليف الطاقة، وضمان أن يكون لجميع الناس صوت في تخطيط الطاقة. ويمكنهم أيضًا ضمان وصول فوائد الاستثمار في الطاقة إلى المجتمعات التي تعاني نقص الخدمات عادة. باختصار، يترابط التغيّر المناخي والطاقة في علاقة تأثير متبادل. فالتغيّرات المناخية تؤثر على إنتاج الطاقة وتوزيعها، ما يعزز الحاجة إلى استخدام مصادر طاقة نظيفة ومستدامة. بالتالي، فإنّ مواجهة التغيّر المناخي تتطلب جهودًا مشتركة لتعزيز الاستدامة والابتكار في قطاع الطاقة، بما في ذلك تحسين كفاءة الاستهلاك وتنويع مصادر الطاقة وتطوير التكنولوجيا النظيفة. إنّ فهم التأثيرات المتبادلة بين التغيّر المناخي والطاقة يساعدنا على تحديد السياسات والإجراءات اللازمة لمواجهة هذا التحدي العالمي. ومن خلال تعزيز الاستدامة وتبنّي حلول الطاقة النظيفة، يمكننا تخفيف التأثيرات السلبية للتغير المناخي والحفاظ على كوكبنا للأجيال القادمة. (المشهد)