شهدت روسيا في عام 2024 عاما صعبا رغم التقدم الذي أحرزته في الحرب الأوكرانية، إلا أنها تلقت ضربة قوية باحتلال منطقة كورسك لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، واستهدفت كييف العمق الروسي، بالإضافة إلى المعاناة الاقتصادية بسبب العقوبات الغربية. كما تلقت موسكو ضربة قوية أثرت على سمعتها الدولية عندما فشلت في حماية نظام الرئيس السوري بشاد الأسد، وهو ما هدد تواجدها ونوفذها في الشرق الأوسط.هذه التحديات العسكرية الكبيرة دفعت الكرملين إلى زيادة الإنفاق العسكري في عام 2024. حيث أعلنت روسيا عن زيادة كبيرة في ميزانية الدفاع لعام 2024، و يتوقع أن تصل نسبة الإنفاق إلى 32.5% من الميزانية العامة، وهدفت هذه الزيادة إلى تعزيز القدرات العسكرية وتحديث الأسلحة، بالإضافة إلى تأمين الحدود ودعم العمليات الخارجية، وتعكس هذه الإستراتيجية التزام روسيا بتعزيز أمنها الوطني في مواجهة التحديات المتزايدة خصوصًا في ظل الصراع المستمر مع أوكرانيا. تفاصيل الميزانية يُقدر الإنفاق العسكري الروسي بنحو 126 مليار دولار، وهو أعلى مستوى يُسجل منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.تأتي هذه الزيادة في إطار إستراتيجية موسكو لتعزيز قدراتها الدفاعية لمواجهة التهديدات المحتملة من الغرب، بالإضافة إلى دعم العمليات العسكرية في أوكرانيا.وفي هذا السياق أشار الخبير العسكري فاسيلي فيتغارف لمنصة " المشهد" إلى أنّ هذه الزيادة في الإنفاق العسكري خطوة إستراتيجية مهمة، حيث تهدف روسيا إلى تعزيز وجودها العسكريّ في المناطق الحساسة وتعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة التحديات العسكرية، والتزامها بالحفاظ على أمنها القومي في ظل الظروف الحالية، وقد نشهد زيادات محتملة أكبر في عام 2025. تأثّر الاقتصاد الروسيّ بشكل كبير بالعقوبات الأميركية، مما أدّى إلى تراجع قيمة الروبل وزيادة معدلات التضخم التي سجلت نحو 12% في عام 2024، وتجاوز سعر صرف الدولار 107 روبل، ورفع بنك روسيا الفائدة إلى 21%، مما يشير إلى تسارع التضخم.في هذا السياق، أكد الرئيس بوتين أنّ الحكومة تعمل على تعزيز الاستقرار المالي، قائلًا: "نواجه تحديات اقتصادية، لكننا ملتزمون بتحسين الوضع". كما أشار الباحث مراد إبراهموفيتش، في تصريح لمنصة "المشهد"، إلى أنّ زيادة رسوم الخدمات وضعف الروبل قد يؤديان إلى تفاقم الضغوط التضخمية، مع توقع في انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في عام 2025. تحديات روسياتعرضت روسيا لضغوطات كبيرة في سوريا، مما أثّر على استقرار وجودها العسكري هناك، في ظل هذه الظروف، سعت موسكو للحفاظ على قواعدها، حيث صرح المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بأن "وجودنا في سوريا كان ضروريًا لمكافحة الإرهاب". ومع سقوط النظام السوري، أصبحت العلاقات بين روسيا وسوريا أحد العناصر الأساسية في السياسة الخارجية الروسية، ورغم الآراء المتباينة حول مستقبل القواعد العسكرية الروسية، تشير المعلومات إلى أنّ موسكو تسعى للتفاوض مع الحكومة السورية الجديدة. ومع عدم اتخاذ قرار نهائيّ بشأن هذه القواعد، فتحت الأوضاع باب التكهنات حول مستقبل العلاقات الروسية السورية.ويعتبر المراقبون أنّ روسيا تدرك أهمية الاحتفاظ بقواعدها على الساحل السوري كوسيلة لتعزيز نفوذها في المنطقة. حرب أوكرانيافي سلسلة الصراع المستمر بين روسيا وأوكرانيا، سعت موسكو إلى الحفاظ على موقفها التفاوضيّ رغم التصعيد العسكري المتزايد. تُظهر التقارير أن روسيا متمسكة بالاستمرار في المفاوضات وفق اتفاقية إسطنبول، التي تهدف إلى تحقيق تسوية سلمية. وأكد الرئيس فلاديمير بوتين التزام روسيا باتفاق إسطنبول، مشددًا على أهمية الحوار لحل النزاع. وأشار إلى ضرورة احترام مصالح روسيا وأمنها. في تصريحاته الأخيرة، قال بوتين: "إن أيّ محاولة لتجاهل مصالح روسيا ستقابل برد فعل قوي"، مشددًا على أن بلاده لن تتراجع عن أهدافها الإستراتيجية في المنطقة. كما أكد أنّ روسيا ستستمر في تعزيز قدراتها العسكرية في مواجهة التهديدات المحتملة.وتتواصل العمليات العسكرية الروسية على الجبهات المختلفة، وخصوصًا في جبهة كورسك، حيث تواصل القوات الروسية تعزيز مواقعها العسكرية، مما يزيد من حدّة التوتر في المنطقة. وفقًا لمصادر عسكرية لوزارة الدفاع، تركز روسيا على استخدام الأسلحة الثقيلة والصواريخ لاستهداف البنية التحتية الأوكرانية. في المقابل، تسعى أوكرانيا جاهدة لتعزيز سيطرتها في مقاطعة كورسك، التي شهدت زيادة في الضغوط العسكرية.وتُعتبر الهجمات بالصواريخ جزءًا أساسيًا من الصراع، حيث يقوم كلا الطرفين بتنفيذ ضربات دقيقة ضد المواقع الإستراتيجية. وفقًا للخبير العسكري فيتغاروف، فإن الوضع في جبهة كورسك، وخيرسون، ودونباس، ولوغانسك، يعكس استمرار روسيا وأوكرانيا في تنفيذ إستراتيجيات عسكرية معقدة.وتلعب الطائرات المسيرة دورًا محوريًا في العمليات العسكرية، حيث تُستخدم لجمع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ الهجمات بدقة، تستخدم روسيا طائرات مثل "أورلان-10"، بينما تعتمد أوكرانيا بشكل متزايد على طائرات مسيرة غربية الصنع مثل "سترايكر" الأميركية. تعتبر هذه الطائرات فعالة في تدمير الأهداف الأرضية وتوفير تغطية جوية، مما يزيد من تعقيد العمليات العسكرية على الأرض. ومع ذلك، فإن استخدام الطائرات المسيرة يفرض أيضًا تحديات على الأمن السيبراني. حيث تسعى كل من روسيا وأوكرانيا إلى تطوير قدرات الدفاع السيبراني لحماية أنظمتها من الهجمات التي تستهدف التحكم في الطائرات المسيرة أو تعطيلها. في جبهة كورسك، تشير التقارير إلى أنّ استخدام الطائرات المسيرة قد زاد بنسبة 30% خلال الأشهر الأخيرة، مما يعكس تكتيكات جديدة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة في الحرب. وفي ظل التصعيد الغربي، خصوصًا بعد السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ "أتاكمز" بعيدة المدى في العمق الروسي عدلت روسيا العقيدة النووية الخاصة بها و أشار بوتين حول تعديل العقيدة النووية الروسية الجديدة إلى الاعتبارات التالية: "سنستخدم الأسلحة النووية فقط في حالة وجود تهديد وجودي لروسيا.""العقيدة النووية الروسية تهدف إلى ردع أيّ اعتداء." "التعديلات الجديدة تعكس الظروف الجيوسياسية المتغيرة.""أمن روسيا هو الأولوية القصوى.""علينا أن نكون مستعدين لمواجهة أي تهديدات." التحالف مع الصين وكوريا الشمالية برزت روسيا وكوريا الشمالية كحليفين رئيسيين يسعيان لتعزيز تعاونهما العسكري والاقتصادي، حيث شهد عام 2024 تطورًا ملحوظًا في العلاقات بين البلدين، من خلال تبادل الزيارات الرسمية على مستوى رفيع، و إبرام اتفاقيات موسعة تشمل التعاون العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية. حيث سعت روسيا، من خلال هذه الشراكة، إلى تعزيز قدراتها العسكرية واستخدام كوريا الشمالية كحلقة وصل لتوسيع نفوذها في منطقة شرق آسيا. علاوة على ذلك، اتجهت روسيا نحو تعزيز علاقاتها مع الصين، حيث تعتبر هذه التحالفات جزءًا من إستراتيجيتها لمواجهة الضغوط الغربية. في تصريح له، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "نحن نبحث عن شراكات إستراتيجية تعزز من موقعنا في الساحة الدولية". ويشير الخبراء إلى أن هذه التحالفات قد ساهمت في تعزيز الاقتصاد الروسي، حيث تقدر التبادلات التجارية بين روسيا و الصين بنحو 1.5 مليار دولار سنويًا . قمة مجموعة بريكسعُقد مؤتمر مجموعة بريكس في قازان عام 2024، حيث اجتمع قادة الدول الأعضاء لمناقشة سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي. تمثل هذه القمة فرصة لروسيا لتوسيع علاقاتها مع الدول النامية، خصوصًا في ظل الضغوط الاقتصادية التي تواجهها نتيجة العقوبات الغربية، وتم التركيز خلال المؤتمر على تعزيز التعاون التجاري ومواجهة التحديات العالمية، مثل الأمن الغذائي وأمن الطاقة، مما يعكس رغبة الدول الأعضاء في تطوير آليات جديدة للتعاون والتفاعل الفعّال.إضافةً إلى ذلك، تم الاتفاق على إنشاء صندوق استثماريّ جديد برأس مال أولي يقدر بـ50 مليار دولار لتعزيز المشاريع التنموية في الدول الأعضاء . و مع اقتراب نهاية عام 2024، تظل روسيا نموذجًا للتعقيد السياسيّ والاقتصادي، من خلال تعزيز ميزانيتها الدفاعية وتوسيع شبكة علاقاتها الدولية.وفقًا لما تحدثت به الباحثة في العلاقات الدولية د. أولغا كراسيناك لمنصة "المشهد " حيث ستسعى موسكو للحفاظ على مكانتها كقوة كبرى رغم التحديات التي تواجهها. وسيبقى مستقبل العلاقات الروسية مع الدول الأخرى مفتوحًا على العديد من الاحتمالات، مما يتطلب مراقبة دقيقة وتحليل مستمر للمشهد الروسي المتغير. حيث تواصل موسكو التأثير على الأحداث الداخلية و العالمية من خلال تعزيز وجودها في مجالات متعددة منها في المحافل الدولية ومنها في الاجتماعات والقمم الدولية. (المشهد - موسكو)