للمرة الثانية منذ 12 عاماً، شاركت سوريا في أعمال القمة العربيّة بدورتها لـ33 التي عُقدت في العاصمة البحرينيّة المنامة. ويُشكّل حضور الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربيّة أهميّة كبيرة بالنسبة لدمشق، كخطوة ضمن خطوات عدة تحاول إعادة سوريا إلى الحاضنة العربيّة بعد الحرب التي عصفت بها وأدت إلى عزلتها عربيًا ودوليًا. وعلى عكس القمة الماضيّة التي حضرها الأسد في مدينة جدة السعوديّة، لم يلقَ حضور سوريا اهتمامًا واسعًا، وكان حضورها مثل حضور أيّ دولة أخرى، ما فسره البعض بكون الهدف من دمج سوريا مع محيطها قد تحقق، وأصبح حضور سوريا "طبيعيًا"، فيما أرجعه البعض إلى أن هذه العودة هي "ظاهرية"، ولم تحقق النتائج المرجوّة. سوريا في القمة العربيةعانت سوريا ولا تزال، من آثار الحرب المدمرة التي بدأت عام 2011، وعلى الرغم من أن الاستقرار الأمني عاد إلى البلاد بنسبة كبيرة، إلّا أنّ العقوبات الاقتصاديّة التي فرضتها الدول الغربية على دمشق دمرت الاقتصاد السوري، وأدت إلى فقدان الليرة قيمتها. آثار الحرب لم تكن على سوريا فقط، بل امتدت إلى محيطها العربي، وما "زاد الطين بلّة" التدخلات الخارجية التي حصلت في البلاد، خصوصا الإيراني والتركي، الأمر الذي تخوفت منه الدول العربية، في وقت تُظهر فيه كل من إيران وتركيا أجندات في المنطقة، تحاول تحقيقها من البوابة السوريّة. يقول الأكاديمي والمحلل السياسي المصري د. طارق فهمي في حديث إلى منصة "المشهد" إنّ "هناك مكاسب حقيقية من مشاركة سوريا، حيث تعدّ دمشق طرفًا رئيسيًا في المعادلة العربية، اليوم تعود سوريا لشغل موقعها في الجامعة العربية". ويعتقد فهمي أن "هناك حرصًا عربيًا على حضور سوريا في القمة، حيث إنّ غيابها غير مبرر، والأهم هو ممارسة دورها العربي المهم في إطار من الحسابات الكبيرة والمهمة، وفي إطار دورها الفاعل في الإقليم"، مشيرا إلى أن "عودة سوريا رسالة قوية إلى القوى التي لا تزال تحتل أراضي من البلاد". فيما يرى الكاتب والباحث السياسي د.محمد نادر العمري في تصريح إلى "المشهد" أن "سوريا والدول العربية تجني فائدة مشتركة؛ بالنسبة لسوريا، فإن دعوتها ومشاركتها في القمة هي رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة التي سعت منذ قمة جدة الماضية إلى منع وإحداث قطيعة بين سوريا وباقي الدول العربية، وليس ذلك فحسب، بل مارست ضغوطها لتحقيق ذلك". ويضيف العمري أن "مشاركة سوريا في القمة هي رغبة من الجانبين العربي – السوري في عودة دمشق إلى مكانتها العربية. وقد تشهد هذه القمة ليونة في مواقف بعض الدول العربية التي لا تزال تقاطع سوريا". بالنسبة للجانب العربي وفقاً للعمري، "فهناك أكثر من مسعى عربي إلى عودة سوريا إلى مكانتها السابقة، في ظل التحديات المتنامية، وفي ظل تزايد النفوذين الإيراني والتركي في المنطقة على حساب الدور العربي، نتيجة الانشغال في صراعات وخلافات داخلية، بالإضافة إلى رغبة بعض الدول العربية في المساهمة في حل الأزمة السورية". ويُعدّ الملف السوري من أبرز الملفات التي تتناولها القمة العربية، إضافة إلى ملفات أخرى في المنطقة مثل حرب غزّة، وحرب السودان. وكان وزير الخارجية فيصل المقداد، ووزير الاقتصاد سامر الخليل، وصلا إلى العاصمة البحرينية قبل أيام للمشاركة في الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية، وكذلك الاجتماع الاقتصادي. وشهدت العلاقات السورية - العربية انفتاحاً بسيطا خلال الأعوام الماضية، فيما لم تقطع بعض الدول علاقاتها مع دمشق خلال أعوام الحرب مثل العراق ولبنان وسلطنة عُمان.أثر إيجابي محدود الجهود العربية لإعادة سوريا إلى محيطها العربي لا تزال تصطدم بمعارضة غربية، الأمر الذي ينعكس سلباً على التأثيرات الإيجابية التي يمكن أن تحققها دمشق من إعادة علاقاتها مع دول المنطقة، خصوصًا في الجانب الاقتصادي، الذي يعدّ الأهم بالنسبة لسوريا. وعلى الصعيد الداخلي، تعاطى السوريون في الداخل مع حضور بلادهم القمة العربية في البحرين للمرة الثانية بـ"برود وعدم تفاؤل" وفقا لمراقبين، ويعود ذلك إلى عدم تحقيق أي نتائج ملموسة على أرض الواقع تنعكس على حياتهم المعيشية بشكل أساسي. ويشير العمري إلى أنه "عندما نتحدث عن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، نتحدث عن أثر إيجابي جزئي، العامل الإيجابي الأهم في هذه العودة هو إعادة قنوات التواصل العربية مع سوريا، التي كانت مغلقة في الأعوام السابقة". أما الفائدة الكاملة من هذه العودة لم تحصل لأسباب عدة أبرزها: استمرار بعض الدول العربية بمعاداة سوريا ودخولها في شراكات استراتيجية مع دول معتدية على سوريا. الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة. الفائدة الاقتصادية التي يمكن أن تجنيها سوريا من عودتها لا تزال رهن العقوبات الاقتصادية الأميركية على سوريا. وحول مشاركة سوريا في القمة من دون كلمة يقول العمري إن "المشاركة والاجتماعات الجانبية الثنائية أو المتعددة التي قد تحصل على هامش القمة، قد تكون لديها أثر أكبر من القمة بحد ذاتها". فيما يؤكد فهمي أنه "لا توجد تطورات مفصلية في هذا الإطار، وليس مطلوبا من كل رئيس أن يلقي كلمة". تسوية الأزمة السوريةوأكدت القمة في "إعلان البحرين" على "ضرورة إنهاء الأزمة السورية، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، وبما يحفظ أمن سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها، ويحقق طموحات شعبها، ويخلصها من الإرهاب ويوفر البيئة الكفيلة بالعودة الطوعية والآمنة للاجئين". كما شدّد إعلان القمة على "رفض التدخل في شؤون سوريا الداخلية وأيّ محاولات لإحداث تغييرات ديمغرافية فيها".وحول إمكانية تطبيق القرار 2254، يلفت فهمي إلى أنه لا توجد مؤشرات لإنهاء الأزمة السورية، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، و"على الرغم من الحضور العربي الكبير لقمة المنامة، إلّا أن تنفيذ القرارات الخاصة بسوريا صعب، ولا يمكن أن يتم في هذا التوقيت".(المشهد )