اجتاحت نظريات المؤامرة منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية، بالتزامن مع تزايد الهزات الأرضية في المنطقة، على خلفية الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا مطلع الشهر الجاري وخلّف آلاف الضحايا ما بين قتلى وجرحى. ويفترض مروجو نظريات المؤامرة أن الزلازل يمكن أن تحدث من خلال تدخل صناعي متعمد لتحريك الصفائح التكتونية، متهمين الولايات المتحدة بالوقوف وراء الهزات الأخيرة من خلال سلاح يسمى "HAARP"، فيما ذهب البعض لأبعد من ذلك، مفترضين أن الكائنات الفضائية والصحون الطائرة هي من تقف وراءها. ظهور الادعاءاتوبعد مرور ساعات قليلة على الزلزال المدّمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 فبراير، انتشرت مقاطع مصورة من لقاءات عدة لسيدة تُدعى مايا صبحي على إحدى القنوات الفضائية المصرية، تتحدث من خلالها عن مخططات أميركية تقوم بها من أجل السيطرة على العالم، والتي كانت أبرز ما يستند إليه مؤيدو هذه النظريات. وفي أحد المقاطع المنتشرة زعمت صبحي أن أميركا قادرة على إحداث مجموعة من الزلازل حول العالم أو تستهدف مناطق معينة من خلال برنامج HAARP، قائلا: "عاجلا أو آجلا سيقومون بإحداث زلزال في منطقة الشرق الأوسط".وفي مقطع آخر تحدثت صبحي عن "هجوم فضائي" محتمل على كوكب الأرض لإبادة البشرية.وبالبحث على "يوتيوب" تبين أن مقاطع صبحي التي توصف على أنها "متخصصة في الماسونية"، تعود إلى عام 2013، إذ تم بثها على صفحة قناة "النهار" الرسمية والموثقة على "يوتيوب" وأعيد نشرها قبل شهرين من الآن.ولا يوجد أي معلومات منشورة حول مايا صبحي في المؤسسات الأكاديمية المصرية أو العربية، سوى ما ذكره موقع "معرفة"، وهو قاعدة بيانات إلكترونية عربية شبيه بموقع "ويكيبيديا" ويعتمد على الصحف ووسائل الإعلام باعتبارها مصادر معلومات، حيث يقول إنها طبيبة مصرية حاصلة على درجة الدكتوراه في الفيزياء. ولم يتسن لمنصة "المشهد" التواصل مع صبحي. ما هو برنامج "HAARP"؟ وفق تقرير لوكالة "فرانس برس"، نُشر قبل أيام بعد انتشار ادعاءات مشابهة باللغات الإسبانية والهولندية والمجرية والتشيكية والإنجليزية، على صفحات المستخدمين، فإن برنامج "HAARP"، عبارة عن مشروع علمي أميركيّ يقوم بدراسة الخاصيات والتفاعلات للطبقة العليا من الغلاف الجوّي لكوكب الأرض، التي تفصل غلاف الأرض عن الفضاء، وهي تسمى "الغلاف الإيوني". وأنشئ البرنامج في عام 1990 بقرار من الكونغرس الأميركي، واشترك سلاح الجوّ والقوات البحرية في الإشراف عليه. ويطلق برنامج"HAARP"، بحسب ما يذكر على موقعه الإلكتروني، موجات هي الأقوى والأعلى ترددا في العالم، باتجاه "الغلاف الإيوني"، الذي يبدأ على ارتفاع ما بين 60 و80 كيلومترا من سطح الأرض وصولا إلى ارتفاع 500 كيلومتر. وبحسب الموقع الرسمي للبرنامج فإن "الهدف من الأبحاث إجراء دراسة أساسيّة عن الآليات الفيزيائية التي تحدث في الطبقات الأعلى من الغلاف الجوي". ولهذه الغاية، يُستخدم هذا المشروع الموجات اللاسلكية لتسخين الإلكترونات في الغلاف الجوّي، فتنشأ من ذلك "اضطرابات صغيرة مشابهة لتلك التي تحدث طبيعيا" بشكل يتيح للعلماء مراقبتها ودراستها. ووفق المصدر ذاته، فإن الهدف من ذلك، هو فهم هذه الظواهر ومحاولة الاستفادة منها في تطوير أنظمة الاتصالات والمراقبة العسكريّة والمدنيّة. ويضيف الموقع في توضيح إضافي "الهدف هو دراسة الخاصيات الفيزيائية والكهربائية للغلاف الإيوني، والتي من شأنها التأثير على أنظمة الاتصالات والملاحة العسكرية والمدنية". وفي عام 2015، أصبح برنامج "HAARP" تحت إشراف جامعة ألاسكا- فيربانكس. ومنذ ذلك الحين لا يوجد في مركز الأبحاث أي عسكري أميركي. ما صحة الادعاءات؟ وتواصلت منصة "المشهد" مع الخبراء والمتخصصين الذين نفوا هذه الادعاءات بشكل قاطع، حيث قال الخبير الجيولوجي بالجامعة الأميركية الدكتور طوني نمر: "هذه ادعاءات من وحي الخيال ولا أساس لها (..) الزلازل التي تحدث في المنطقة هي طبيعية وليس هناك أي تدخل خارجي أو حربي". وقال رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر جاد القاضي، في حديثه مع منصة "المشهد": هذا الكلام غير صحيح وبعيد كل البعد عن العلم". من جهتها، قالت المسؤولة عن برنامج "HAARP" جيسيكا ماتيوز في تصريحات نقلتها وكالة "فرانس برس" قبل أيام، إن ما يشاع على مواقع التواصل بشأن القدرة على إحداث زلزال غير ممكن، مضيفة: "المعدّات البحثية في برنامج HAARP لا يمكنها أن تسبّب كارثة طبيعية أو أن تقوّي حدتها". ووفق رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية فإن هناك 3 أنواع للزلازل، هي: طبيعية وصناعية ومستحدثة، قائلا: "الزلازل الطبيعية تحدث نتيجة تحرك صفائح الأرض التكتونية أو نشاطات بركانية وهذا هو ما يحدث في المنطقة". وأضاف القاضي: "الصناعية تحدث نتيجة تفجيرات الناجمة عن أعمال المناجم أو التجارب النووية، ولا تتجاوز قوتها 3 درجات على أقصى تقدير(..) بينما الزلازل المستحدثة تنتج عن ضغط المياه المتجمعة خلف السدود والبحيرات الصناعية، ودرجة قوتها لا تتجاوز 2.5 درجات (..) وهي قوة لا يشعر بها الناس في الغالب". (المشهد)